الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

ومنها‏: إشکال التسلسل

ومنها : إشکال التسلسل

‏ ‏

ویقرب ذلک بوجهین‏ :‏

الوجه الأوّل‏ :‏‏ أنّه لو کانت المقدّمة بقید الإیصال واجبة‏‏ ‏‏، فواضح أنّ المقدّمة‏‎ ‎‏الموصلة تنحلّ إلی الذات وقید الإیصال‏‏ ‏‏، وحیث إنّ المفروض‏‏ ‏‏: أنّ المقدّمة الموصلة‏‎ ‎‏واجبة تکون الذات بقید الإیصال واجبة‏‏ ‏‏، والإیصال بقید إیصال آخر‏‏ ‏‏، فینحلّ کلّ من‏‎ ‎‏الذات وقید الإیصال إلی مرکّبین‏‏ ‏‏، وینحلّ المرکّبان إلی أربع مرکّبات‏‏ ‏‏، وهی إلی ثمانیة‏‎ ‎‏وهکذا‏‏ . . ‏‏. فیلزم وجود سلاسل غیر متناهیة‏‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192
‏وبعبارة اُخری‏‏ ‏‏: أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلی ذات وقید‏‏ ‏‏، وفی کلٍّ منهما مناط‏‎ ‎‏الوجوب للتوقّف‏‏ ‏‏، فعلی وجوب المقدّمة الموصلة یجب أن تکون الذات بقید الإیصال‏‎ ‎‏واجبة‏‏ ‏‏، وقید الإیصال أیضاً بقید الإیصال واجباً‏‏ ‏‏؛ فیتقیّد کلٌّ منهما بإیصال آخر‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏وهلمّ جرّاً‏‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّ هذا الإشکال نظیر الإشکال علی القائلین بأصالة الوجود‏‏ ‏‏؛ بأنّه لو‏‎ ‎‏کان الوجود موجوداً یلزم أن یکون للوجود وجود‏‏ ‏‏، فینحلّ إلی وجودین‏‏ ‏‏، وهما إلی‏‎ ‎‏وجودات‏‏ ‏‏، وهکذا‏‏ . . ‏‏. فیوجب سلاسل غیر متناهیة‏‏ ‏‏. فوزان جواب الإشکال فیما نحن‏‎ ‎‏فیه وزان ما اُجیب به هناک‏‎[1]‎‏ .‏

‏وحاصل ما هناک هو‏‏ ‏‏: أنّ تحقّق کلّ شیء ووجوده إنّما هو بالوجود‏‏ ‏‏، ولکن‏‎ ‎‏الوجود موجود بنفس ذاته لا بشیء آخر‏‏ ‏‏، فلا‏‏ ‏‏یتسلسل‏‏ .‏

‏فنقول هنا‏‏ ‏‏: إنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلی ذات وقید الإیصال‏‏ ‏‏، فالذات موصلة‏‎ ‎‏بالذات‏‏ ‏‏، فلا معنی لتقییدها بإیصال زائد علی هذا الإیصال‏‏ ‏‏؛ للزومه تکرّر الموصل‏‎ ‎‏بداهة‏‏ ‏‏، ولا‏‏ ‏‏یکون للإیصال إیصال‏‏ ‏‏؛ لامتناع تکرّر الإیصال إلی المطلوب‏‏ .‏

‏والحاصل‏‏ ‏‏: أنّه لا معنی لتقیید الإیصال بإیصال آخر‏‏ ‏‏، ولا تقیید الذات بإیصال‏‎ ‎‏زائد علی هذا الإیصال‏‏ ‏‏؛ لامتناع تکرّر الموصل والإیصال‏‏ .‏

الوجه الثانی‏ :‏‏ ما قرّبه المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏، وهو‏‏ ‏‏: أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلی‏‎ ‎‏أمرین‏‏ ‏‏: أحدهما الذات‏‏ ‏‏، والآخر قیدیة التوصّل ولو علی وجه دخول التقیید وخروج‏‎ ‎‏القید‏‏ ‏‏، فتکون الذات مقدّمة لحصول المقدّمة المرکّبة‏‏ ‏‏، کما هو الشأن فی جمیع أجزاء‏‎ ‎‏المرکّب‏‏ ‏‏، حیث یکون وجود کلّ جزء مقدّمة لوجود المرکّب‏‏ ‏‏، مثلاً‏‏ ‏‏: لو کان الوضوء‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 193
‏الموصل إلی الصلاة مقدّمة أو السیر الموصل إلی الحجّ مقدّمة‏‏ ‏‏، فذات الوضوء والسیر‏‎ ‎‏تکون مقدّمة للوضوء الموصل والسیر الموصل‏‏ ‏‏، وإذا اعتبر فیه قید الإیصال أیضاً یلزم‏‎ ‎‏التسلسل‏‏ ‏‏، فلا محیص ـ بالأخرة ـ من أن ینتهی إلی ما تکون الذات مقدّمة‏‏ ‏‏. فإذا کان‏‎ ‎‏الأمر کذلک فلتکن الذات من أوّل الأمر مقدّمة لذیها‏‏ ‏‏، من دون اعتبار قید‏‎ ‎‏التوصّل‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّ هذا التقریب أسوأ حالاً من التقریب السابق‏‏ ‏‏؛ وذلک لأنّ القائل‏‎ ‎‏بوجوب المقدّمة الموصلة یری أنّ الموصل إلی ذی المقدّمة ـ الذی یکون واجباً‏‎ ‎‏نفسیاً‏‏ ‏‏ـ واجب‏‏ ‏‏، فالموصل إلی المقدّمة التی تکون واجبة غیریة خارج عن موضوع‏‎ ‎‏کلامه‏‏ .‏

‏وبعبارة اُخری‏‏ ‏‏: الملاک الذی یری القائل بوجوب المقدّمة الموصلة لا‏‏ ‏‏یکون‏‎ ‎‏بالنسبة إلی هذه المقدّمة‏‏ ‏‏؛ لأنّه یری أنّ الوجدان والبرهان قائمان علی أنّ ذات المقدّمة‏‎ ‎‏ربّما لا تکون مطلوبة ومحبوبة‏‏ ‏‏، بل تکون مبغوضة‏‏ ‏‏. فمطلوبیتها إنّما هی لأجل مطلوب‏‎ ‎‏نفسی فوقه ـ وهو ذو المقدّمة ـ فمطلوبیة المقدّمة إنّما هی لأجل الإیصال إلی ذیها‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏وهذا الملاک غیر موجود فی جزء الجزء‏‏ ‏‏، بل الجزء وجزء الجزء وهکذا‏‏ . . ‏‏. کلّها‏‎ ‎‏مطلوبات لأجل ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، لا أنّ جزء الجزء مطلوب للجزء مثلاً‏‏ .‏

‏وبعبارة ثالثة‏‏ ‏‏: لا‏‏ ‏‏یقول صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏: إنّ کلّ موقوف علیه واجب‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏ولا‏‏ ‏‏یری أنّ جمیع أجزاء المرکّب واجبة‏‏ ‏‏، بل یری أنّ الواجب أخصّ من الموقوف‏‎ ‎‏علیه‏‏ ‏‏؛ فإن کان الواجب مرکّباً من عدّة أجزاء‏‏ ‏‏، وأجزاؤها من أجزاء‏‏ ‏‏، وهکذا‏‏ . . ‏‏. فما‏‎ ‎‏یکون واجباً لدیه هو الجزء الموصل إلی ذی المقدّمة‏‏ ‏‏؛ فأین التسلسل‏‏ ؟ ‏‏! فتدبّر‏‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194
ومن الإشکالات‏ علی مقال صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏: أنّه لو وجبت المقدّمة‏‎ ‎‏الموصلة یلزم کون الواجب النفسی واجباً غیریاً‏‏ ‏‏؛ وذلک لأنّه لو وجبت المقدّمة‏‎ ‎‏الموصلة تکون ذو المقدّمة مقدّمة لمقدّمته‏‏ ‏‏، فیکون مقدّمة لنفسه‏‏ ‏‏، فیلزم أن یکون ذو‏‎ ‎‏المقدّمة بما أنّه مقدّمة لنفسه واجباً غیریاً‏‏ ‏‏، وحیث إنّه کان واجباً نفسیاً فیلزم الجمع‏‎ ‎‏بین الوجوب النفسی والغیری‏‏ .‏

‏وبعبارة اُخری‏‏ ‏‏: لو وجبت المقدّمة الموصلة یلزم أن یکون ذو المقدّمة من‏‎ ‎‏مبادئ مقدّمته‏‏ ‏‏، وبه یصیر واجباً غیریاً‏‏ ‏‏، کما هو واجب نفسی‏‏ ‏‏. بل یلزم اجتماع‏‎ ‎‏وجوبات غیریة بعدد المقدّمات لو تعدّدت‏‏ ‏‏؛ لأنّ المفروض‏‏ ‏‏: أنّ الواجب هو المقدّمة‏‎ ‎‏الموصلة‏‏ ‏‏، فیترشّح منه إلی کلّ من الذات وقید الإیصال وجوب غیری‏‏ ‏‏. وإن شئت‏‎ ‎‏قلت‏‏ ‏‏: یترشّح من ذی المقدّمة وجوب غیری علی نفسه‏‏ ‏‏، وهو کما تری‏‎[3]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّ القائل بالمقدّمة الموصلة یری أنّ ما یتعلّق به الوجوب الغیری‏‏ ‏‏، هو‏‎ ‎‏المقدّمة مع قید الإیصال إلی ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، فیعتبر فیه أمران‏‏ ‏‏: الأوّل کونه موقوفاً علیه‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏والثانی کونه موصلة إلی ذی المقدّمة‏‏ ‏‏؛ فلا تکون نفس نصب السلّم ـ مثلاً ـ واجباً‏‎ ‎‏عنده‏‏ ‏‏، بل النصب بما أنّه یتوقّف علیه الکون علی السطح ویتوصّل به إلیه‏‏ ‏‏، وواضح‏‏ ‏‏:‏‎ ‎‏أنّه یستحیل أن یکون نفس ذی المقدّمة موقوفاً علی نفسه‏‏ ‏‏، وأن یکون موصلاً إلی‏‎ ‎‏نفسه‏‏ ‏‏؛ فلا‏‏ ‏‏یتعلّق به الوجوب الغیری‏‏ ‏‏، وتوقّف وصف المقدّمة علی وجوده لا‏‏ ‏‏یستلزم‏‎ ‎‏تعلّق الوجوب به‏‏ ‏‏. فذات المقدّمة حیث لم تکن موصلاً فلا تتّصف بالوجوب الغیری‏‎ ‎‏حتّی یتّصف بالوجوبات الغیریة المتعدّدة بعدد المقدّمات‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

ومنها‏ :‏‏ أنّ القول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی غالب‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195
‏الواجبات‏‏ ‏‏؛ لعدم کون الإیصال أثر تمام المقدّمات‏‏ ‏‏، فضلاً عن إحداها‏‏ ‏‏؛ فلابدّ من‏‎ ‎‏الالتزام باختصاص الوجوب بمقدّمات هی علّة تامّة لترتّب ذیها علیها ـ أی الأفعال‏‎ ‎‏التسبیبیة والتولیدیة ـ وأمّا فی غیرها فلابدّ من توسّط الإرادة بین ذی المقدّمة‏‎ ‎‏ومقدّماتها‏‏ ‏‏، والالتزام بوجوب الإرادة التزام بالتسلسل‏‏ ‏‏؛ لاستلزام الإرادة إرادةً‏‎ ‎‏اُخری‏‏ ‏‏، وهکذا‏‎[4]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّ المراد بالموصلة لیس خصوص ما یترتّب علیه ذو المقدّمة قهراً وبلا‏‎ ‎‏واسطة حتّی یرد علیه الإشکال‏‏ ‏‏، بل المراد الأعمّ منه وما یترتّب علیه بوسائط‏‏ ‏‏.‏‎ ‎‏فالمراد بالمقدّمة الموصلة ما یقع بعدها الواجب ـ سواء کان بلا واسطة‏‏ ‏‏، أو مع واسطة‏‎ ‎‏أو وسائط ـ لا مطلق المقدّمة وإن لم یقع الواجب بعدها‏‏ ‏‏. فالقدم الأوّل إلی الحجّ قد‏‎ ‎‏یکون موصلاً ـ ولو مع واسائط کثیرة ـ إذا تعقّبه الحجّ‏‏ ‏‏، وقد لا‏‏ ‏‏یکون موصلاً إذا لم‏‎ ‎‏یتعقّبه الحجّ‏‏ .‏

‏وأمّا إشکال الإرادة‏‏ ‏‏: فربّما تکرّر فی کلماتهم‏‏ ‏‏: أنّ الإرادة غیر اختیاریة وغیر‏‎ ‎‏قابلة لتعلّق الأمر بها‏‎[5]‎‏ .‏

‏ففیه أوّلاً‏‏ ‏‏: أنّه ـ کما تقدّم فی التعبّدی والتوصّلی ـ أنّها اختیاریة قابلة لتعلّق‏‎ ‎‏التکلیف بها‏‏ ‏‏، کیف والتعبّدیات کلّها من هذا القبیل وقد وقع القصد مورداً‏‎ ‎‏للوجوب‏‏ ؟ !‏

‏وثانیاً‏‏ ‏‏: لو قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فالإرادة أیضاً من المقدّمات‏‏ ‏‏، فیلزم‏‎ ‎‏اتّصافها بالوجوب‏‏ ‏‏، مع أنّها علی زعمکم غیر اختیاریة‏‏ ‏‏، فالإشکال بالإرادة مشترک‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196
‏الورود‏‏ ‏‏؛ فلابدّ وأن لا تکون الإرادة متعلّقة للوجوب‏‏ ‏‏؛ لاستلزامه التسلسل علی مبنی‏‎ ‎‏المستشکل‏‏ ‏‏، فما یدفع به هذا الإشکال علی القول بوجوب مطلق المقدّمة‏‏ ‏‏، هو الجواب‏‎ ‎‏علی القول بالمقدّمة الموصلة‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

ومنها‏ :‏‏ أنّ مقتضی القول بوجوب المقدّمة الموصلة عدم سقوط الأمر بالمقدّمة‏‎ ‎‏إلاّ بعد إتیان ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، مع أنّ سقوط الأمر بمجرّد الإتیان بالمتعلّق واضح‏‎[6]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّه علی القول بالمقدّمة الموصلة لابدّ وأن لا‏‏ ‏‏یسقط الأمر بالمقدّمة إلاّ إذا‏‎ ‎‏ترتّب علیه ذو المقدّمة‏‏ ‏‏، فذات المقدّمة لم تتعلّق بها الأمر حتّی یسقط بإتیانه‏‏ ‏‏، بل‏‎ ‎‏المتقیّدة بقصد الإیصال مأمور به‏‏ ‏‏، وهی لا تسقط إلاّ بإتیان قیدها‏‏ ‏‏. فدعوی وضوح‏‎ ‎‏سقوط الأمر بمجرّد إتیان المقدّمة فی غیر محلّها‏‏ .‏

ومنها‏ :‏‏ مـا فی تقریرات المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏، ولکن عبارته لا تخلو عـن‏‎ ‎‏التسامح‏‏ ‏‏؛ فالحریّ أن تحرّر بهذا النحو‏‏ ‏‏، وهو‏‏ ‏‏: أنّه لو کانت المقدّمة المقیّدة بالإیصال‏‎ ‎‏واجبة یلزم تقیید الواجب بشیء لا‏‏ ‏‏یمکن الانفکاک عنه‏‏ ‏‏؛ لأنّ المقدّمـة الموصلـة أو‏‎ ‎‏التی یترتّب علیها ذو المقدّمة لا‏‏ ‏‏ینفکّ عن ذیها‏‏ ‏‏، فیلزم أن یکون الواجب ـ أی المقدّمة‏‎ ‎‏ـ مقیّداً بشیء علی فرض وجوده لا‏‏ ‏‏ینفکّ عن ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، وهذا بمنزلة تحصیل‏‎ ‎‏الحاصل‏‏ ‏‏؛ لأنّ الأمر المتعلّق بالمقیّد یدعو إلی الذات والقید‏‏ ‏‏، فإذا کانت ذات غیر منفکّ‏‎ ‎‏عن القید فالدعوة إلی الذات دعوة إلی القید‏‏ ‏‏. وبالجملة‏‏ ‏‏: إذا کانت المقدّمة تولیدیاً‏‎ ‎‏بالنسبة إلی ذیها ـ مثلاً ـ فإذا أمر مقیّداً بحصول ذیها عقیبه فمقتضاه تقییده بشیء‏‎ ‎‏یکون حاصلاً وغیر منفکّ عنه‏‎[7]‎‏ ‏‏، انتهی‏‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 197
وفیه‏ :‏‏ أنّه یظهر جوابه ممّا ذکرناه آنفاً‏‏ ‏‏، وحاصله‏‏ ‏‏: أنّ مراد القائل بالمقدّمة‏‎ ‎‏الموصلة لیست الموصلة غیر المنفکّ عن ذیها‏‏ ‏‏، بل یری أنّ کلّ مقدّمة من المقدّمات‏‎ ‎‏ـ‏‏ ‏‏سواء کانت بینها وبین ذیها فاصلة طویلة أو قصیرة‏‏ ‏‏، أو لم تکن فاصلة ـ حیث إنّها‏‎ ‎‏لم تکن مطلوبة بالذات ـ بل لأجل ذیها ـ فإن انضمّت إلی المقدّمة سائر المقدّمات‏‎ ‎‏وحصل ذوها‏‏ ‏‏، تقع المقدّمة علی صفة المطلوبیة‏‏ .‏

‏نعم‏‏ ‏‏، لو کان مراد القائل بالموصلة هو القول بأنّ المقدّمة السببیّة واجبة‏‏ ‏‏، یتمّ‏‎ ‎‏الإشکال‏‏ ‏‏، لکنّه من الواضح‏‏ ‏‏: أنّه لم یکن مراد صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏التفصیل بین السبب وغیره‏‏ ‏‏، لا الموصل وغیره‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: مراد القائل بالمقدّمة الموصلة هو أنّ المقدّمة حیث تقع فی الخارج‏‎ ‎‏علی قسمین‏‏ ‏‏: أحدهما المقدّمة التی تنضمّ إلیها سائر المقدّمات ویحصل ذوها‏‏ ‏‏، والثانی‏‎ ‎‏المقدّمة التی لیست کذلک‏‏ ‏‏، والواجب من القسمین هو الأوّل منهما‏‏ ‏‏، فإتیان المقدّمة‏‎ ‎‏عنده للوصول إلی ذیها‏‏ ‏‏؛ سواء کانت بینها وبین ذیها واسطة أم لا‏‏ .‏

‏نعم‏‏ ‏‏، المقدّمة السببیة حیث إنّها لا تنفکّ عن ذیها لا‏‏ ‏‏یحتاج إلی قید الإیصال‏‎ ‎‏فیها‏‏ .‏

‏فتحصّل لک ممّا ذکرنا‏‏ ‏‏: أنّ مقال صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ـ مضافاً إلی أنّه لم یکن‏‎ ‎‏فیه محذور عقلی ـ مطابق للوجدان‏‏ ‏‏؛ لأنّ من یرید شیئاً یتوقّف حصوله علی مقدّمات‏‎ ‎‏یرید المقدّمات‏‏ ‏‏، لکن لا لأجل ذواتها‏‏ ‏‏، بل لأجل الوصول إلی ذاک‏‏ ‏‏، وإلاّ فقد تکون‏‎ ‎‏المقدّمات مبغوضة لدیه‏‏ ‏‏، ولذا لوأمکن للشخص أن یصل إلی ذاک الشیءبدون التوصّل‏‎ ‎‏إلی مقدّمة لرفض المقدّمات وخلّی بینه وبین ذاک الشیء‏‏ ‏‏. ولکن حیث إنّ العالَم عالم‏‎ ‎‏التزاحم ولا‏‏ ‏‏یکاد یمکن فیه الوصول إلی الغایات إلاّ بالتوصّل بالمقدّمات فیریدها‏‎ ‎‏للتوصّل بها إلی ذیها‏‏ ‏‏. فالوجدان أصدق شاهدٍ علی أنّ المقدّمة الموصلة واجبة‏‏ .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 198

  • )) اُنظر الحکمة المتعالیة 1 : 39 ـ 40 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 11 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 290 .
  • )) درر الفوائد ، المحقق الحائری : 119 ، نهایة الاُصول : 195 ، لمحات الاُصول : 154 .
  • )) کفایة الاُصول : 145 ـ 146 .
  • )) نفس المصدر : 89 .
  • )) کفایة الاُصول : 146 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 388 .