الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

منها‏: إشکال الدور

منها : إشکال الدور

‏ ‏

‏یقرّر ذلک من وجوه‏‏ :‏

الوجه الأوّل هو‏ :‏‏ أنّ توقّف ذی الـمقدّمة علی وجود الـمقدّمة أمر وجدانی‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏فلو کانت الـمقدّمة الواجبة هی المقدّمة الموصلة فإنّما تحصل إذا اُتی بذیها‏‏ ‏‏.‏‎ ‎‏فذو‏‏ ‏‏المقدّمة یتوقّف علی المقدّمة‏‏ ‏‏، والمقدّمة علی ذیها‏‏ ‏‏؛ لأنّه لولا ذیها لما تحقّق فیه‏‎ ‎‏الإیصال‏‏ ‏‏، وهو الدور‏‎[1]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّه التبس مراد صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ علی المورد‏‏ ‏‏؛ وذ لک لأنّ صاحب‏‎ ‎‏«الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ لم یرد إثبات أنّ الموقوف علیه هی المقدّمة الموصلة حتّی یتوجّه علیه‏‎ ‎‏الإشکال‏‏ ‏‏، بل مراده‏‏ ‏‏: أنّ الذی یحکم به العقل ویکون واجباً لیس ذات المقدّمة‏‏ ‏‏، بل‏‎ ‎‏لأجل الغیر‏‏ ‏‏؛ فوجود ذی المقدّمة موقوف علی ذات المقدّمة لا بقید الإیصال‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏واتّصاف المقدّمـة بالموصلیـة تتوقّف علی وجـود ذی المقدّمـة‏‏ ‏‏؛ فالموقوف غیر‏‎ ‎‏الموقوف علیـه‏‏ ‏‏؛ فلا دور‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: الموقوف هو توقّف ذی المقدّمة علی ذات المقدّمة‏‏ ‏‏، وأمّا المقدّمة فلا‏‎ ‎‏تکاد تتوقّف علی ذیها‏‏ ‏‏، وإنّما یتوقّف انتزاع عنوان الموصلیة علی ذیها‏‏ ‏‏، نظیر العلّیة‏‎ ‎‏والمعلولیة‏‏ ‏‏؛ فإنّ ذات المعلول تتوقّف علی ذات العلّة وتتأخّر عنها‏‏ ‏‏، ولکن انتزاع العلّیة‏‎ ‎‏والمعلولیة یتوقّف علی وجود المعلول خارجاً‏‏ .‏

الوجه الثانی‏ :‏‏ ما قرّبه شیخنا العلاّمة الحائری‏‏ ‏‏؛ فإنّه ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد أن ذکر مطالب‏‎ ‎‏علی خلاف عادته التی کانت مبنیة علی الاختصار ـ توصّل إلی إشکال الدور‏‏ ‏‏؛ فقال‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
‏ما حاصله‏‏ ‏‏: إنّ مناط الطلب الغیری لیس إلاّ التوقّف واحتیاج ذی المقدّمة إلی غیره‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏وتقیید موضوع الطلب بقیدٍ ـ کالاتّصال ـ لابدّ وأن یکون بلحاظ دخله فی الغرض‏‏ .‏

‏وبعبارة اُخری‏‏ ‏‏: المصلحة المقتضیة للطلب لا‏‏ ‏‏یحصل إلاّ فی المقیّد ـ کتقیید‏‎ ‎‏الصلاة بالطهارة ـ ولا‏‏ ‏‏یعقل تقیید طلب المقدّمة بالإیصال بعد‏‏ ‏‏؛ بداهة أنّ المناط لیس‏‎ ‎‏إلاّ التوقّف‏‏ ‏‏؛ لأنّ الإیصال عنوان ینتزع من وجود ذی المقدّمة‏‏ ‏‏، فهو موقوف علیه‏‏ ‏‏.‏‎ ‎‏فلو توقّف ذو المقدّمة علی الفعل المقیّد بالإیصال یلزم الدور‏‏ ‏‏، وهذا واضح بأدنی‏‎ ‎‏تأمّل‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه أوّلاً‏ :‏‏ أنّ القول بوجوب المقدّمة لأجل التوقّف ودعوی البداهیة یلازم‏‎ ‎‏القول بمقال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ من وجوب ذات المقدّمة‏‎[3]‎‏ ‏‏. مع أنّ شیخنا العلاّمة ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏یری اعتبار لحاظ الإیصال ـ کما سنشیر إلیه ـ فدعوی البداهة منه غیر وجیه‏‏ .‏

وثانیاً‏ :‏‏ أنّ لصاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ أن یقول‏‏ ‏‏: إنّ وجوب المقدّمة لم یکن لأجل‏‎ ‎‏التوقّف‏‏ ‏‏، بل لأجل التوصّل‏‏ ‏‏؛ فمتعلّق الوجوب علی مسلکه أخصّ من الموقوف علیه‏‏ ‏‏؛‏‎ ‎‏فلا دور‏‏ ‏‏. وبالجملة‏‏ ‏‏: إشکال الدور غیر وارد علی صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏؛ لأنّه یری‏‎ ‎‏أنّ الموصل بما هو موصل‏‏ ‏‏، له الملاک‏‏ ‏‏، لا الموقوف علیه‏‏ ‏‏؛ فالموقوف غیر الموقوف‏‎ ‎‏علیه‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

الوجه الثالث‏ ـ وهو أوهن الوجوه ـ وهو‏‏ ‏‏: أنّ وجوب المقدّمة ناشئ من‏‎ ‎‏وجوب ذیها‏‏ ‏‏، بناءً علی الملازمة‏‏ ‏‏؛ فلو اعتبر قید الإیصال فی المقدّمة یلزم ترشّح‏‎ ‎‏وجوب ذی المقدّمة من وجوبها فیلزم الدور‏‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191
‏وبالجملة‏‏ ‏‏: یلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة لمقدّمته وواجباً بوجوب‏‎ ‎‏ناشئ من وجوبها‏‏ ‏‏، وهو یستلزم الدور‏‎[4]‎‏ .‏

وفیه‏ :‏‏ أنّ الوجوب الناشئ من ذی المقدّمة وجوب مقدّمی‏‏ ‏‏، وهو غیر‏‎ ‎‏الوجوب الناشئ من المقدّمة‏‏ ‏‏؛ لأنّه نفسی‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: وجوب الکون علی السطح ـ مثلاً ـ وجوب نفسی‏‏ ‏‏، وینشأ منه‏‎ ‎‏وجوب علی المقدّمة‏‏ ‏‏، وینشأ من الوجوب الناشئ من المقدّمة وجوب‏‏ ‏‏؛ فلو تمّ هذا‏‎ ‎‏الإشکال فهو إشکال برأسه غیر إشکال الدور‏‏ .‏

‏وبعبارة أخصر‏‏ ‏‏: أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ینشأ من‏‎ ‎‏وجوب ذیها حتّی یدور‏‏ .‏

‏فظهر‏‏ ‏‏: أنّ إشکال الدور بتقاریبه غیر وارد علی ما ذهب إلیه صاحب‏‎ ‎‏«الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192

  • )) فوائد الاُصول 1 : 290 .
  • )) درر الفوائد ، المحقق الحائری : 116 ـ 117 .
  • )) کفایة الاُصول : 143 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 237 ـ 238 .