منها : إشکال الدور
یقرّر ذلک من وجوه :
الوجه الأوّل هو : أنّ توقّف ذی الـمقدّمة علی وجود الـمقدّمة أمر وجدانی ، فلو کانت الـمقدّمة الواجبة هی المقدّمة الموصلة فإنّما تحصل إذا اُتی بذیها . فذو المقدّمة یتوقّف علی المقدّمة ، والمقدّمة علی ذیها ؛ لأنّه لولا ذیها لما تحقّق فیه الإیصال ، وهو الدور .
وفیه : أنّه التبس مراد صاحب «الفصول» قدس سره علی المورد ؛ وذ لک لأنّ صاحب «الفصول» قدس سره لم یرد إثبات أنّ الموقوف علیه هی المقدّمة الموصلة حتّی یتوجّه علیه الإشکال ، بل مراده : أنّ الذی یحکم به العقل ویکون واجباً لیس ذات المقدّمة ، بل لأجل الغیر ؛ فوجود ذی المقدّمة موقوف علی ذات المقدّمة لا بقید الإیصال ، واتّصاف المقدّمـة بالموصلیـة تتوقّف علی وجـود ذی المقدّمـة ؛ فالموقوف غیر الموقوف علیـه ؛ فلا دور .
وبالجملة : الموقوف هو توقّف ذی المقدّمة علی ذات المقدّمة ، وأمّا المقدّمة فلا تکاد تتوقّف علی ذیها ، وإنّما یتوقّف انتزاع عنوان الموصلیة علی ذیها ، نظیر العلّیة والمعلولیة ؛ فإنّ ذات المعلول تتوقّف علی ذات العلّة وتتأخّر عنها ، ولکن انتزاع العلّیة والمعلولیة یتوقّف علی وجود المعلول خارجاً .
الوجه الثانی : ما قرّبه شیخنا العلاّمة الحائری ؛ فإنّه قدس سره ـ بعد أن ذکر مطالب علی خلاف عادته التی کانت مبنیة علی الاختصار ـ توصّل إلی إشکال الدور ؛ فقال
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
ما حاصله : إنّ مناط الطلب الغیری لیس إلاّ التوقّف واحتیاج ذی المقدّمة إلی غیره ، وتقیید موضوع الطلب بقیدٍ ـ کالاتّصال ـ لابدّ وأن یکون بلحاظ دخله فی الغرض .
وبعبارة اُخری : المصلحة المقتضیة للطلب لا یحصل إلاّ فی المقیّد ـ کتقیید الصلاة بالطهارة ـ ولا یعقل تقیید طلب المقدّمة بالإیصال بعد ؛ بداهة أنّ المناط لیس إلاّ التوقّف ؛ لأنّ الإیصال عنوان ینتزع من وجود ذی المقدّمة ، فهو موقوف علیه . فلو توقّف ذو المقدّمة علی الفعل المقیّد بالإیصال یلزم الدور ، وهذا واضح بأدنی تأمّل .
وفیه أوّلاً : أنّ القول بوجوب المقدّمة لأجل التوقّف ودعوی البداهیة یلازم القول بمقال المحقّق الخراسانی قدس سره من وجوب ذات المقدّمة . مع أنّ شیخنا العلاّمة قدس سره یری اعتبار لحاظ الإیصال ـ کما سنشیر إلیه ـ فدعوی البداهة منه غیر وجیه .
وثانیاً : أنّ لصاحب «الفصول» قدس سره أن یقول : إنّ وجوب المقدّمة لم یکن لأجل التوقّف ، بل لأجل التوصّل ؛ فمتعلّق الوجوب علی مسلکه أخصّ من الموقوف علیه ؛ فلا دور . وبالجملة : إشکال الدور غیر وارد علی صاحب «الفصول» قدس سره ؛ لأنّه یری أنّ الموصل بما هو موصل ، له الملاک ، لا الموقوف علیه ؛ فالموقوف غیر الموقوف علیه ، فتدبّر .
الوجه الثالث ـ وهو أوهن الوجوه ـ وهو : أنّ وجوب المقدّمة ناشئ من وجوب ذیها ، بناءً علی الملازمة ؛ فلو اعتبر قید الإیصال فی المقدّمة یلزم ترشّح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها فیلزم الدور .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191
وبالجملة : یلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة لمقدّمته وواجباً بوجوب ناشئ من وجوبها ، وهو یستلزم الدور .
وفیه : أنّ الوجوب الناشئ من ذی المقدّمة وجوب مقدّمی ، وهو غیر الوجوب الناشئ من المقدّمة ؛ لأنّه نفسی .
وبالجملة : وجوب الکون علی السطح ـ مثلاً ـ وجوب نفسی ، وینشأ منه وجوب علی المقدّمة ، وینشأ من الوجوب الناشئ من المقدّمة وجوب ؛ فلو تمّ هذا الإشکال فهو إشکال برأسه غیر إشکال الدور .
وبعبارة أخصر : أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ینشأ من وجوب ذیها حتّی یدور .
فظهر : أنّ إشکال الدور بتقاریبه غیر وارد علی ما ذهب إلیه صاحب «الفصول» قدس سره .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192