عدم تمامیة ما تکلّف به المحقّق النائینی فی الجواب عن الإشکالات
إذا تمهّد لک ما ذکرناه یظهر لک : أنّه لا نحتاج فی الجواب عن الإشکالات إلی ما تکلّف به المحقّق النائینی قدس سره فی الجواب عنها ؛ فإنّه قال : إنّ هذه الإشکالات کلّها مبنیة علی أنّ جهة عبادیة الوضوء إنّما تکون من ناحیة أمره الغیری ، وهو بمعزل عن التحقیق ، بل الوضوء ـ مثلاً ـ إنّما یکتسب العبادیة من ناحیة الأمر النفسی المتوجّه إلی الصلاة بما لها من الأجزاء والشرائط ، بداهة : أنّ نسبة الوضوء إلی الصلاة کنسبة الفاتحة إلیها من الجهة التی نحن فیها ، حیث إنّ الوضوء قد اکتسب حصّة من الأمر بالصلاة ؛ لمکان قیدیته لها ، کاکتساب الفاتحة حصّتها من الأمر الصلاتی ؛ لمکان جزئیتها . فکما أنّ الفاتحة اکتسبت العبادیة من الأمر الصلاتی ، فکذلک الوضوء اکتسب العبادیة من الأمر الصلاتی بعدما کان الأمر الصلاتی عبادیاً . وکذا الحال فی الغسل والتیمّم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 165
ثمّ أورد قدس سره علی نفسه : بأنّ نسبة الوضوء إلی الصلاة نسبة الستر أو الاستقبال إلیها ، فکیف اکتسب الوضوء العبادیة ولم یکتسب الستر أو الاستقبال العبادیة ؟ !
فأجاب : بأنّ التفاوت والفرق إنّما هو من ناحیة الملاک ، حیث إنّ الملاک الذی اقتضی قیدیة الوضوء للصلاة اقتضاه علی وجه العبادیة ؛ بخلاف ملاکات سائر الشروط ، حیث لم یقتضِ ذلک . . . إلی أن قال : والحاصل : أنّ عبادیة الأمر الصلاتی إنّما یکون بمتمّم الجعل ، وذلک المتمّم إنّما اقتضی عبادیة الأمر بالنسبة إلی خصوص الأجزاء والطهارات الثلاث ، دون غیرها من الشرائط ، انتهی .
وفیه : أنّ هذا تکلّف غیر وجیه ؛ لأنّه فرق بین الأجزاء والشرائط ؛ لأنّ الأمر بالصلاة ـ مثلاً ـ یتعلّق بذوات أجزائها ؛ فذات فاتحة الکتاب أو الرکوع أو السجود ـ مثلاًـ مأمور بها .
وأمّا الشرائط فلم تکن کذلک ، بل تعلّق الأمر بتقیید الصلاة بالطهور ـ مثلاًـ فلا یکاد یتعلّق الأمر بالصلاة بذات الوضوء ، کما کان متعلّقاً بفاتحة الکتاب وسائر الاجزاء .
فقد ظهر تمامیة ما أجبنا به عن الإشکالات ، من دون هذا التکلّف ، وواضح : أنّ ارتکاز المتشرّعة علی التفرقة بین الستر والطهارات الثلاث ، مع أنّ الجمیع شرائط ، حیث إنّهم یقصدون التعبّد بها دون الستر ، وفی ارتکازنا أیضاً یکون الوضوء ـ مثلاً ـ عبادة ، وأمّا سبب عبادیته وعلّته فلم نعلمه .
بقی الکلام فیما ذکره فی الجواب عمّا أورده علی نفسه من التفرقة بین الوضوء والستر والاستقبال .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 166
فنقول : التأمّل فی الجواب یعطی أنّه بصدد الجواب عن الإیراد بوجهین : أحدهما من ناحیة الملاک ، والثانی من ناحیة متمّم الجعل .
ولکن ذکر العلاّمة المقرّر رحمه الله متمّم الجعل بعنوان الحاصل لما تقدّم ، وکیف کان : لا یصحّ الجواب بکلا الوجهین :
أمّا من ناحیة الملاک : فلأنّه لو تمّ فهو رجوع عن جمیع ما أسّسه أوّلاً ؛ لأنّه صرّح بأنّ عبادیة الأجزاء والشرائط اکتسابیة من ناحیة الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة ، والآن یرید إثبات العبادیة من ناحیة الملاک . فعلی ما ذکره أخیراً لابدّ وأن یفصّل : بأنّ مجرّد تعلّق الأمر بالطبیعة بأجزائها وشرائطها لا یوجب صلاحیة الشرط لاکتساب العبادیة ، وإلاّ یلزم أن یکون جمیع الشرائط عبادة ، ولیس کذلک .
وأمّا من ناحیة متمّم الجعل فنقول : إن أراد أنّ المتمّم یجعل الأمر المتعلّق بطبیعة الصلاة منبثّة علی الأجزاء والشرائط ، وبعد اکتساب کلّ جزء وشرط حصّة من الأمر بالصلاة عبادیاً ، فلازمه صیرورة جمیع الأجزاء والشرائط عبادیاً ، وهو عین الفرار عن الإشکال .
وإن أراد : أنّه یحتاج کلٌّ من الشرائط إلی متمّم الجعل ، فکلّ ماتمّمه یصیرعبادة ، ومتمّم الجعل جعل الطهارات الثلاث عبادة ، ولم یکن بالنسبة إلی الستر والاستقبال .
ففیه : أنّ هذا رجوع إلی أصل المطلب ـ وهو : أنّ للطهارات الثلاث خصوصیة من بین سائر الشروط ـ فلابدّ له من الجواب عن أنّه مع کون الطهارات الثلاث مقدّمة کیف صارت عبادة ؟ !
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 167
إشکال ودفع
ربّما اُشکل : بأنّه وإن کانت الطهارات الثلاث مستحبّات نفسیة ، ولکن تجب للغیر وبعد دخول وقت الواجب النفسی ، فإذن : کیف یجمع بین استحبابها ووجوبها ، بل بین إرادة استحبابها وإرادة وجوبها ؟ فإن ذهب ملاک الاستحباب وإرادته ، وتخلّف مقامـه الإرادة الوجـوبی والوجـوب ، فیعود المحذور ؛ مـن تعلّق الثواب بالواجب الغیری .
وفیه : أنّ الطهارات الثلاث بعد حلول وقت الواجب أیضاً مستحبّة ، ولا یلزم اجتماع الحکمین أو إرادتهما ؛ وذلک لأنّه سیتلی علیک قریباً أنّ ذات المقدّمة لم تکن واجبة ـ خلافاً للمحقّقین الخراسانی والنائینی وغیرهما ـ بل الواجب إنّما هی المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة ، کما ذهب إلیه صاحب «الفصول» قدس سره .
فعلی هذا نقول : إنّ الوضوء ـ مثلاً ـ بما أنّه وضوء مستحبّ وله ملاک الاستحباب وتعلّق به إرادة الاستحباب ، وبعد دخول وقت الصلاة ووجوب الصلاة نفساً لا یُصیّر الوضوء واجباً غیریاً لیلزم المحذور ، بل الواجب الغیری هو عنوان الموصل بما أنّه موصل ، وواضح : أنّ هذا العنوان غیر عنوان الوضوء ، وإن کان ینطبق علی الوضوء عرضیاً ، فاختلف مرکز تعلّق الحکمین .
وهذا نظیر اجتماع الأمر والنهی فی شیء ؛ فکما لا محذور هناک ؛ لاختلاف
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 168
متعلّق الأمر والنهی فی مقام تعلّق التکلیف وإن اتّحدا خارجاً ، وبعبارة اُخری : مورد تعلّق الأمر غیر مورد تعلّق النهی ، والاجتماع إنّما هو فی المصداق الخارجی ، وهو لا یضرّ ، فکذلک هنا یکون لنا عنوانان : أحدهما واجب غیری ـ وهو عنوان الموصل بما أنّه موصل ـ والآخر مستحبّ نفسی ـ وهو عنوان الوضوء مثلاً ـ ولکنّه یتّحد العنوانان خارجاً ؛ فلم تصر عناوین الطهارات الثلاث بعد الوقت واجبة لیلزم اجتماع الحکمین ، فتدبّر .
ویمکن أن یجاب عن الإشکال بوجه آخر ، وهو : أنّ ملاک الاستحباب بعد دخول وقت الواجب باقٍ بهویته وحدوده ، ولا یندکّ فی ملاک الآخر . نعم ، لم یکن الأمر الاستحبابی باقیاً . ومجرّد وجود الملاک بعد الوقت یکفی للتقرّب به ؛ لعدم احتیاج العبادیة عندهم إلی الأمر المتعلّق بها ، بل یکفی صلوح الشیء للتعبّدیة وإتیانه للتقرّب به إلیه تعالی ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 169