التنبیه الثانی فی تصحیح ترتّب الثواب علی الطهارات الثلاث مع کونها مقدّمات
قد ظهر لک ممّا ذکرنا فی التنبیه الأوّل : أنّه لا یترتّب علی الواجبات الغیریة ثواب مع ترتّب الثواب علی الطهارات الثلاث ـ الوضوء والغسل والتیمّم ـ مع کونها مقدّمات للعبادة ، فصارت الطهارات الثلاث مطرحاً للأنظار .
وقد استشکل فیها من وجوه :
الوجه الأوّل ـ وهو العمدة ـ : أنّ الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات توصّلیة لا یعتبر فیها قصد القربة ، وهذه الطهارات الثلاث مع کونها مقدّمات للصلاة ـ مثلاً ـ یعتبر فیها قصد القربة ، بلا إشکال .
الوجه الثانی : أنّ الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات غیری لا یترتّب علیها الثواب ـ کما مرّ آنفاً ـ والطهارات الثلاث مع أنّها مقدّمات یترتّب علیها الثواب .
الوجه الثالث : لزوم الدور ؛ بأنّ الطهارات الثلاث بما هی عبادات جعلت مقدّمة ، وعبادیتها تتوقّف علی الأمر الغیری ، ولا یترشّح الوجوب الغیری إلاّ إلی ما هو مقدّمة ؛ فکلّ من الأمر الغیری والعبادی یتوقّف علی صاحبه .
وبتقریب آخر : کلّ أمر له داعویة إلی متعلّقه ، ولا یمکن أن یکون محرّکاً وداعیاً إلی داعویة نفسه ، فإذا کانت عبادیة الوضوء ـ مثلاً ـ بالأمر الغیری یلزم أن یکون الأمر بالوضوء یدعو إلی داعویة هذا الأمر نفسه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 163
ویمکن الجواب عن الإشکال الأخیر بوجه حسن ، حاصله : أنّ مقدّمیة الطهارات الثلاث لم تکن مثل سائر المقدّمات ممّا یصحّ لنا درکها وفهمها ، بل إنّما هی بکشف الشارع إیّاها ، حیث رأی توقّف الصلاة ـ مثلاً ـ علی عبادیتها . فأخذها بما هی عبادة مقدّمة للصلاة ، فعبادیتها لا تتوقّف علی الأمر الغیری ، بل لها أمر نفسی ؛ فلا یلزم الدور .
فوزان مقدّمیة الطهارات الثلاث للصلاة ـ مثلاً ـ وزان مقدّمیة صلاتی الظهر والمغرب لصلاتی العصر والعشاء ؛ فکما أنّ صلاة الظهر أو المغرب عبادة ومع ذلک اُخذت مقدّمة لصلاة العصر أو العشاء ، فکذلک الطهارات الثلاث عبادة ومع ذلک اُخذت مقدّمة وشرطاً للصلاة .
وبهذا یندفع الإشکال الثانی ، بل الإشکال الأوّل ؛ وهو إشکال التوصّلیة ، کما لا یخفی ، فتدبّر .
نعم ، یتوجّه علی هذا الجواب : أنّ الفقهاء وإن قالوا : إنّ الوضوء والغسل مطلوبان نفسیان ، کاستحباب الظهر فی نفسه ، وقد ورد : «إنّ الوضوء علی الوضوء نور علی نور» ، ولکن
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 164
لم یقولوا بمطلوبیة التیمّم بحیث یکون مطلوباً ومستحباً نفسیاً ؛ فلابدّ وأن یجاب عن الإشکال فی خصوص التیمّم بوجه آخر .
ولکن یمکن أن یقال : إنّ التیمّم وإن لم یکن عبادة ومطلوباً مطلقاً ـ کالوضوء ـ ولکن لا ینبغی الإشکال فی عبادیته فی ظرف خاصّ ؛ وهو صورة فقدان الماء عقلاً وشرعاً ، وبالجملة : فی صورة تعذّر استعمال الماء ، وقد ورد فی بعض الأخبار : «أنّ التراب أحد الطهورین» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 165