الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

التنبیه الثانی فی تصحیح ترتّب الثواب علی الطهارات الثلاث مع کونها مقدّمات

التنبیه الثانی فی تصحیح ترتّب الثواب علی الطهارات الثلاث مع کونها مقدّمات

‏ ‏

‏قد ظهر لک ممّا ذکرنا فی التنبیه الأوّل‏‏ ‏‏: أنّه لا‏‏ ‏‏یترتّب علی الواجبات الغیریة‏‎ ‎‏ثواب مع ترتّب الثواب علی الطهارات الثلاث ـ الوضوء والغسل والتیمّم ـ مع کونها‏‎ ‎‏مقدّمات للعبادة‏‏ ‏‏، فصارت الطهارات الثلاث مطرحاً للأنظار‏‏ .‏

‏وقد استشکل فیها من وجوه‏‏ :‏

الوجه الأوّل‏ ـ وهو العمدة ـ‏‏ ‏‏: أنّ الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات توصّلیة لا‏‏ ‏‏یعتبر‏‎ ‎‏فیها قصد القربة‏‏ ‏‏، وهذه الطهارات الثلاث مع کونها مقدّمات للصلاة ـ مثلاً ـ یعتبر‏‎ ‎‏فیها قصد القربة‏‏ ‏‏، بلا إشکال‏‏ .‏

الوجه الثانی‏ :‏‏ أنّ الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات غیری لا‏‏ ‏‏یترتّب علیها الثواب ـ‏‎ ‎‏کما مرّ آنفاً ـ والطهارات الثلاث مع أنّها مقدّمات یترتّب علیها الثواب‏‏ .‏

الوجه الثالث‏ :‏‏ لزوم الدور‏‏ ‏‏؛ بأنّ الطهارات الثلاث بما هی عبادات جعلت‏‎ ‎‏مقدّمة‏‏ ‏‏، وعبادیتها تتوقّف علی الأمر الغیری‏‏ ‏‏، ولا‏‏ ‏‏یترشّح الوجوب الغیری إلاّ إلی ما‏‎ ‎‏هو مقدّمة‏‏ ‏‏؛ فکلّ من الأمر الغیری والعبادی یتوقّف علی صاحبه‏‏ .‏

‏وبتقریب آخر‏‏ ‏‏: کلّ أمر له داعویة إلی متعلّقه‏‏ ‏‏، ولا‏‏ ‏‏یمکن أن یکون محرّکاً وداعیاً‏‎ ‎‏إلی داعویة نفسه‏‏ ‏‏، فإذا کانت عبادیة الوضوء ـ مثلاً ـ بالأمر الغیری یلزم أن یکون‏‎ ‎‏الأمر بالوضوء یدعو إلی داعویة هذا الأمر نفسه‏‎[1]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 163
ویمکن الجواب‏ عن الإشکال الأخیر بوجه حسن‏‏ ‏‏، حاصله‏‏ ‏‏: أنّ مقدّمیة‏‎ ‎‏الطهارات الثلاث لم تکن مثل سائر المقدّمات ممّا یصحّ لنا درکها وفهمها‏‏ ‏‏، بل إنّما هی‏‎ ‎‏بکشف الشارع إیّاها‏‏ ‏‏، حیث رأی توقّف الصلاة ـ مثلاً ـ علی عبادیتها‏‏ ‏‏. فأخذها بما‏‎ ‎‏هی عبادة مقدّمة للصلاة‏‏ ‏‏، فعبادیتها لا تتوقّف علی الأمر الغیری‏‏ ‏‏، بل لها أمر نفسی‏‏ ‏‏؛‏‎ ‎‏فلا‏‏ ‏‏یلزم الدور‏‏ .‏

‏فوزان مقدّمیة الطهارات الثلاث للصلاة ـ مثلاً ـ وزان مقدّمیة صلاتی الظهر‏‎ ‎‏والمغرب لصلاتی العصر والعشاء‏‏ ‏‏؛ فکما أنّ صلاة الظهر أو المغرب عبادة ومع ذلک‏‎ ‎‏اُخذت مقدّمة لصلاة العصر أو العشاء‏‏ ‏‏، فکذلک الطهارات الثلاث عبادة ومع ذلک‏‎ ‎‏اُخذت مقدّمة وشرطاً للصلاة‏‏ .‏

‏وبهذا یندفع الإشکال الثانی‏‏ ‏‏، بل الإشکال الأوّل‏‏ ‏‏؛ وهو إشکال التوصّلیة‏‏ ‏‏، کما‏‎ ‎‏لا‏‏ ‏‏یخفی‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

‏نعم‏‏ ‏‏، یتوجّه علی هذا الجواب‏‏ ‏‏: أنّ الفقهاء وإن قالوا‏‏ ‏‏: إنّ الوضوء والغسل‏‎ ‎‏مطلوبان نفسیان‏‎[2]‎‏ ‏‏، کاستحباب الظهر فی نفسه‏‏ ‏‏، وقد ورد‏‏ ‏‎:‎‎ ‎«إنّ الوضوء علی الوضوء نور علی نور»‎[3]‎‏ ‏‏، ولکن‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 164
‏لم یقولوا بمطلوبیة التیمّم بحیث یکون مطلوباً‏‎ ‎‏ومستحباً نفسیاً‏‏ ‏‏؛ فلابدّ وأن یجاب عن الإشکال فی خصوص التیمّم بوجه آخر‏‏ .‏

‏ولکن یمکن أن یقال‏‏ ‏‏: إنّ التیمّم وإن لم یکن عبادة ومطلوباً مطلقاً ـ‏‏ ‏‏کالوضوء‏‏ ‏‏ـ‏‎ ‎‏ولکن لا‏‏ ‏‏ینبغی الإشکال فی عبادیته فی ظرف خاصّ‏‏ ‏‏؛ وهو صورة فقدان الماء عقلاً‏‎ ‎‏وشرعاً‏‏ ‏‏، وبالجملة‏‏ ‏‏: فی صورة تعذّر استعمال الماء‏‏ ‏‏، وقد ورد فی بعض الأخبار‏‏ ‏‏: «أنّ‏‎ ‎‏التراب أحد الطهورین»‏‎[4]‎‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 165

  • )) قلت : لا بأس بإعزاز التقریبین بثالث اقتبسناه من «فوائد الاُصول» ، وهو : أنّ الطهاراتالثلاث قد اعتبرت مقدّمة للصلاة بنحو العبادیة ؛ لأنّ نفس أفعال الوضوء ـ مثلاً ـ من الغسلات والمسحات لیست مقدّمة للصلاة ، وعبادیتها تتوقّف علی الأمر الغیری ؛ لأنّ عبادیة شیء تتوقّف علی قصد امتثال الأمر ، ولم یکن حسب الفرض أمر سوی ذلک . والأمر الغیری یتوقّف علی أن تکون الطهارة عبـادة ؛ لأنّ الأمر الغیری لا یتعلّق إلاّ بما یکون بالحمل الشائـع مقدّمـة ؛ لأنّ الوضـوء العبادی ـ مثلاً ـ یکون مقدّمة بالحمل الشائع ؛ فلابدّ وأن تکون عبادة قبل تعلّق الأمر الغیری به ، والمفروض : أنّ عبادیتـه تتوقّف علی الأمر الغیری ، لاحظ فوائد الاُصول 1 : 227 . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) قلت : ربّما یناقش استحباب الغسل نفسیاً بحیث یصحّ الغسل التجدیدی کما یصحّ الوضوء التجدیدی . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) وسائل الشیعة 1 : 377 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 8 ، الحدیث 8 .
  • )) وسائل الشیعة 3 : 381 ، کتاب الطهارة ، أبواب التیمّم ، الباب 21 ، الحدیث 1 .