توجیه لترتّب الثواب علی الواجب الغیری ودفعه
ثمّ إنّ المحقّق العراقی قدس سره بعد أن اختار أنّ امتثال الواجبات الغیریة لا یستتبع ثواباً ، قال : یمکن تصویر ترتّب الثواب علی موافقة الواجب بوجهین :
حاصل الوجه الأوّل هو : أنّ الآتی بالمقدّمة بقصد التوصّل إلی ذیها یراه العرف والعقلاء متلبّساً بامتثال الواجب النفسی ، ومستحقّاً للمدح والثواب فی ذاک الحین الذی لم یتلبّس بعد بالواجب النفسی ، کما أنّه لو لم یأت بشیء من مقدّماته فی الوقت الذی یلزم الامتثال فیه یرونه متلبّساً بعصیانه ومستحقّاً للذمّ والعقاب فی ذاک الحین ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 160
وإن لم یدخل فی الوقت الذی یکون ظرفاً للواجب النفسی .
وهذا المدح والثواب والذمّ والعقاب إنّما هما من رشحات ثواب الواجب النفسی وعقاب ترکه ، لا أنّهما شیء آخر ثبت فی حقّ المکلّف بسبب آخر ؛ إذ لا قیمة لشیء من المقدّمات عند العقلاء ، مع قطع النظر عن ذیها . نعم لابدّ من قصد التوصّل بفعل المقدّمة إلی الواجب النفسی فی استحقاق المدح والثواب ، وإلاّ لا یستحقّ ذلک .
الوجه الثانی : أنّ الآتی بالمقدّمة بقصد أمرها من دون التفات إلی غیریته ، وإن لم یتحقّق منه قصد التوصّل بها إلی ذی المقدّمة بالفعل ، إلاّ أنّه بإیجاد المقدّمة بذلک النحو یکون لبّاً فی مقام امتثال الواجب النفسی ، فینبسط علی المقدّمة ثواب ذی المقدّمة ، انتهی .
أقول : ینبغی الإشارة إلی محطّ البحث لیظهر الخلط فی مقال هذا المحقّق ؛ وذلک لأنّ محطّ البحث إنّما هو علی مبنی الاستحقاق فی الثواب والعقاب ، ومعناه : أنّ المکلّف إذا أطاع یکون له علی الله تعالی الثواب ، کما یستحقّ المأمور منّا بفعل إذا أتاه علی ما اُمر به ؛ فکما یستحقّ المأمور اُجرة المسمّی أو اُجرة المثل علی أمره ، فکذلک المکلّف یستحقّ الثواب علیه تعالی .
فعلی هذا : یکون البحث فی الثواب والعقاب فی الواجبات الغیریة إنّما هو فی أنّ الآتی بها دون الواجب النفسی هل لها استحقاق الثواب ، أم لا ؟ ولم یکن البحث فی أنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 161
الآتی بالمقدّمات ممدوح ویکون منقاداً وله صفاء الذهن والباطن . ویفترق هذا الرجل الآتی بالمقدّمات ولو لم یصل إلی ذیها مع من ترک المقدّمات من رأس .
وبالجملة : البحث فی أنّ الآتی بالمقدّمات علی کثرتها ـ سواء أتی بذیها أو لاـ هل له استحقاق للثواب ـ مضافاً إلی ما یستحقّه بإتیان ذی المقدّمة ـ أم لا ؟
وأمّا استحقاق الثواب علی المقدّمات لأجل الأمر النفسی المتعلّق بذیها لأجل الترشّح وانبساط الثواب المتعلّق علی ذیها علیها ، ففیه : أنّه علی مبنی الاستحقاق یکون أوامره تعالی نظیر الأوامر العرفیة ، والمثوبة الاُخرویة بمنزلة الاُجرة فی هذه النشأة . فکما أنّه لو قال أحدٌ : «من ردّ ضالّتی فله عشر دراهم» مثلاً ، فإذا تجسّس رجل وتحمّل المشاقّ فی تحصیل الضالّة ولکن لم یجد الضالّة ، لا یستحقّ الدراهم بحیث یصحّ له إقامة الدعوی علیه ، فکذلک بالنسبة إلی أمره تعالی بالحجّ ـ مثلاً ـ وجعله المثوبات له ؛ فمن تحمّل مشقّة السفر وطیّ المنازل إلی أن وصل المیقات ولکن عند وصوله المیقات بدا له ولم یأت بعمل الحجّ فلا یستحقّ ثواب الحجّ ، وهذا واضح .
وإطلاق المتلبّس بذی المقدّمة عند التلبّس بالمقدّمات إطلاق مسامحی ، فهو مشغول بالمقدّمات لا بذیها ، والمصلحة قائمة بذیها لا بها ؛ فلا معنی لترشّح الثواب وانبساط الثواب المترتّب علی الواجب النفسی علیها .
نعم ، یکثر الثواب بکثرة المقدّمات ؛ فکلّما کانت المقدّمات أکثر کان الثواب أکثر ، ولکن ذلک لیس لأجل أنّ المقدّمات لها ثواب ، بل الثواب مترتّب علی نفس ذیها ، وکثرة المقدّمات توجب شأناً فی ذیها ویرتفع شأن الواجب النفسی بها ، وإلاّ فلو لم یأت بذی المقدّمة لابدّ وأن یترتّب علیها الثواب ، مع أنّه لیس کذلک .
فقد ظهر آنفاً وسیتلی علیک قریباً : أنّه لو قلنا باستحقاق الثواب فی الواجبات النفسیة ، ولکن لا یمکن أن یقال ذلک فی الواجبات الغیریة ؛ لعدم صدق الإطاعة ؛ لأنّها تتوقّف علی إمکان الانبعاث بالأوامر الغیریة ، ولا یکاد ینبعث المکلّف بها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162