الوجه الثانی : بطلان محلّ الإطلاق فی المادّة بتقیید الهیئة
إنّ تقیید الهیئة وإن لم یستلزم تقیید المادّة ، إلاّ أنّه مع ذلک فالحکم بتقیید المادّة أولی ؛ لدوران الأمر بین تقییدین یکون أحدهما مبطلاً لمحلّ الإطلاق فی الآخر ویرفع مورده ، ولکن الآخر لا یؤثّر فی مورد إطلاقه شیئاً ، ولا شکّ أنّ التقیید الثانی أولی ؛ وذلک لأنّه لا یکاد یستریب أحد فی أنّ المرجع فی أمثال المقام العرف والعقلاء ، ولا شکّ فی أنّ التقیید وإن لم یکن مجازاً إلاّ أنّه خلاف الأصل . ولا فرق فی لبّ المعنی بین تقیید الإطلاق وبین أن یعمل عملاً یبطل محلّ الإطلاق .
هذا فی إثبات الکبری ؛ وهی أنّه فی دوران الأمر بین نحوی التقیید فالاعتبار یساعد تقدیم ما لا یوجب إبطال محلّ الإطلاق فی الآخر .
وأمّا إثبات الصغری وأنّ ما نحن فیه من موارد تلک الکبری فلأنّه لو قیّدت الهیئة لزم أن لا یکون لإطلاق المادّة محلّ حاجة وبیان ؛ لأنّها مقیّدة به ؛ بمعنی أنّ وجودها لا ینفکّ عن وجود القید ، فلا یکون لإطلاقها بعد محلٌّ ، بخلاف تقیید المادّة ؛ فإنّ الأخذ بإطلاق الهیئة مع ذلک فی محلّه ، فیمکن الحکم بوجوب الفعل علی تقدیر وجود القید وعدمه ، انتهی محرّراً .
أقول : یظهر من الذین تصدّوا دفع مقالة الشیخ قدس سره ـ کالمحقّق العراقی قدس سرهحیث یری أنّ تقیید المادّة قهری تبعی ، کما سیجیء ـ أنّهم یرون تمامیة الصغری ، ومناقشتهم إنّما هی فی الکبری .
ولکن الذی یقتضیه النظر : عدم تمامیة الصغری والکبری جمیعاً ؛ وذلک :
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 117
أمّا عدم تمامیة الصغری : فلما ذکرنا غیر مرّة أنّه تختلف قیود الهیئة والمادّة ثبوتاً وواقعاً ، ولکلّ منهما ملاک یخصّه ، فلا یختلف ولا یختلط بعضها ببعض . فلا وجه لأن یرید الشیخ قدس سره بقوله : «إنّه لو قیّدت الهیئة یلزم أن لا یکون لإطلاق المادّة محلّ» أنّ تقیید الهیئة فی الحقیقة یرجع إلی تقیید المادّة ، أو أنّه تتقیّد المادّة قهراً وتبعاً تقییداً اصطلاحیاً .
فإن أراد بقوله ذلک : أنّ تقیید الهیئة یوجب نحو تضییق فی دائرة ما کانت موسّعة ـ وهی المادّة ـ ففیه : أنّه وإن کان کذلک ، إلاّ أنّه لا یختصّ ذلک بتقیید الهیئة ، بل العکس أیضاً کذلک ؛ فإنّه بتقیید المادّة أیضاً یوجب نحو تضیّق فی دائرة الهیئة بعدما کانت موسّعة . بیان ذلک علی عهدة مثال ، مثلاً : قولک : «أکرم زیداً» لا یکون للهیئة ـ وهی الوجوب ـ ولا المادّة ـ وهی الإکرام ـ قید ، بل لکلّ منهما إطلاق ، ومقتضی البعث المطلق نحو المادّة المطلقة هی وجوب أنحاء الإکرامات لزید .
فإن ورد قید وعلمنا برجوعه وتعلّقه بالهیئة والبعث ، کأن قال : «إن جاءک زید فأکرمه» ، وعلمنا أنّ المجیء قید للوجوب ، فمعناه : أنّ البعث والوجوب إنّما یتعلّقان بطبیعة الإکرام فی حال مجیء زید ؛ وبذلک تتضیّق دائرة الإکرام قهراً ، لا بمعنی تقیّده ، بل بمعنی إبطال محلّ الإطلاق فیه ؛ لکون المطلوب الإکرام حال المجیء بعدما کانت مطلوباً فی جمیع الأحوال .
وإن ورد قید وعلمنا برجوعه إلی المادّة ، کأن قال : «أکرم زیداً إکراماً حال مجیئه» ، فطبیعة الإکرام قُیّدت بحال المجیء ، ویتقیّد بذلک محلّ إطلاق الهیئة ویعرض له تقیید قهری ، فتدبّر .
فقد ظهر لک ممّا قرّرنا : أنّه بتقیید کلّ من الهیئة والمادّة یتضیّق صاحبتها ، ولا مزیة لتقیید الهیئة علی تقیید المادّة فی ذلک .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 118
فإن أراد الشیخ قدس سره بقوله : «إنّه لو قیّدت الهیئة . . .» إلی آخره ، أنّ تقیید الهیئة یوجب نحو تضییق فی المادّة ، فقد عرفت أنّ العکس أیضاً کذلک .
وبذلک یظهر الضعف فی قوله : إنّ بعد تقیید المادّة یمکن الحکم بالوجوب علی تقدیر وجود القید وعدمه .
وإن أراد بقوله ذلک ـ کما لا یبعد ـ أنّ تقیید الهیئة یبطل محلّ إطلاق المادّة ، ولکن إذا کان الواجب مقیّداً بقید لا یوجب ذلک تضیّقاً فی الوجوب ؛ لأجل أنّ الوجوب فی الواجب المعلّق فعلی ولم یکن مقیّداً ، مع أنّ الواجب معلّق ومنوط علی حصول قیده .
ففیه : أنّ ذلک إنّما یتمّ إذا کان الواجب معلّقاً علی الزمان ؛ فإنّ الوجوب قبل تحقّق الزمان فعلی ، ولکن الواجب معلّق علی الشرط . وأمّا إذا کان الواجب معلّقاً علی غیر الزمان فیوجب تقیید الواجب نحو تضییق فی الوجوب أیضاً ؛ وذلک لأنّه لو کان الإکرام معلّقاً علی مجیء زید ـ مثلاً ـ فیوجب ذلک نحو تضیّق فی دائرة الوجوب ؛ فإنّه لا یکاد ینهدر الوجوب إلی الطبیعة المطلقة ، بل إلی الطبیعة المقیّدة .
وبالجملة : دعوی أنّ قید الواجب لا یوجب إبطال محلّ إطلاق الهیئة مطلقاً غیر وجیه .
فتحصّل : أنّ ما أفاده الشیخ قدس سره لترجیح رجوع القید إلی المادّة بأحد الاحتمالین غیر مفید . هذا کلّه فی عدم تمامیة الصغری .
وأمّا عدم تمامیة الکبری : فلأنّ الکبری المدّعاة هی أنّه لو دار الأمر بین نحوی التقیید فالاعتبار یساعد تقیید ما لا یوجب إبطال محلّ الإطلاق فی الآخر .
ففیه : أنّ المرجع فی أمثال المقام هو الظهور ، ولا خصوصیة لما ذکر فی انعقاد الظهور فی طرف الهیئة ، بل ربّما ینعکس الأمر ، کما لا یخفی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119
وبالجملة : الملاک کلّ الملاک فی ذلک هو الظهور ، ولم یکن ذلک مرهوناً بهذه التدقیقات المدرسیة أو ما بحکمها .
فظهر : أنّ الوجه الثانی الذی أفاده الشیخ قدس سره لترجیح رجوع القید إلی المادّة دون الهیئة أیضاً ممّا لا یمکن المساعدة علیه ، فتدبّر .
نقل وتعقیب
وقد تصدّی المحقّق العراقی قدس سره لدفع ما أفاده الشیخ الأعظم قدس سره بوجه آخر ، لکنّه غیر تمام ، فقال ما حاصله :
التحقیق فی المقام أن یقال : إنّ القید المزبور إمّا یکون متّصلاً بالکلام ، أو منفصلاً عنه ، فعلی الأوّل : إمّا یوجب صیرورة الکلام مجملاً أو لا ، فإن أوجب إجماله ـ کما هو الحقّ ـ فلا وجه للترجیح الذی ذکره الشیخ قدس سره ، ولا لما اُورد علیه من أنّ مخالفة الأصل العقلائی هو ترک الأخذ بالظهور المنعقد ؛ لاحتمال قرینیة الموجود . وأمّا إرجاع القرینة الموجودة فی الکلام إلی بعضه بنحو یوجب رجوعها إلیه انتفاء ظهور بعضه الآخر فیما کان ظاهراً فیه فلیس ذلک بمخالف للأصل ؛ لانتفاء موضوع الأخذ بالظاهر ، کما هو المفروض .
وأمّا إن لم یوجب اتّصال القید إجمال الکلام فلا یتّجه الإیراد المذکور علی ما أفاده الشیخ قدس سره من رجحان رجوع القید إلی المادّة ؛ لأنّ ما أفاده الشیخ أقلّ مخالفةً للأصل العقلائی ؛ لأنّه إذا کانت قلّة مخالفة الأصل من المرجّحات یکون اختیار إرجاع القید إلی المادّة أولی من اختیار إرجاعه إلی الهیئة ؛ لأنّ إرجاعه إلی الهیئة ترک للأخذ بظهورین ، وأمّا إرجاعه إلی المادّة ترک للأخذ بظهور واحد ، ولا ریب فی أنّ الثانی أقلّ مخالفةً للأصل ؛ فیلزم الأخذ به . هذا إذا کان القید متّصلاً بالکلام .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120
وأمّا إذا کان منفصلاً عنه فلا ریب فی دخله فی المادّة ؛ لأنّه فی الواقع إن کان راجعاً إلیها فهی مقیّدة به ذاتاً ، وإن کان راجعاً إلی الهیئة ، فالمادّة مقیّدة به تبعاً ، وعلی کلٍّ : نعلم تفصیلاً بتقیّدها به ، ویکون احتمال رجوعه إلی الهیئة وتقیّدها به شکّاً بدویاً یصحّ التمسّک بإطلاقها لإلغائه .
ولکن مع ذلک لا یجب تحصیل القید ؛ لأنّ تقیید المادّة لا یکون متیقّناً من هذه الجهة ؛ إذ تقیید الهیئة ـ الذی یوجب تقیید المادّة ـ هو جهة عدم إمکان الامتثال إلاّ بعد وجود ذلک القید ، وأمّا حیث وجوب تحصیل ذلک القید فلا یترتّب علیه ، بل هو مترتّب علی تقیید المادّة أصالةً ، فإطلاقها ینفیه عنها ویثبت بذلک رجوعه إلی الهیئة ؛ للعلم الإجمالی برجوعه إلی إحداهما ، وواضح : أنّ مثبتات الاُصول اللفظیة حجّة ، کما أنّ إطلاق الهیئة منتفیة عنها ، ویثبت بذلک رجوعه إلی المادّة بالنحو المزبور . فالإطلاقان متعارضان ، وإذ لا مرجّح لأحدهما علی الآخر فیتساقطان ، ویکون احتمال وجوب تحصیل القید شکّاً بدویاً یجری فیه البراءة . ونتیجة ذلک : رجوع القید إلی الهیئة ، علی عکس النتیجة فی الأوّل ، کما لا یخفی ، انتهی .
وفی کلامه مواقع للنظر :
منها : أنّ القید فی الکلام المتّصل یوجب إجمال الکلام قطعاً ، من دون ریب وإشکال ؛ للعلم الإجمالی برجوعه إمّا إلی الهیئة أو المادّة ، فلا وجه لقوله قدس سره : إن أوجب الإجمال فکذا . . . وإلاّ فکذا .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121
منها : ما ذکرنا غیر مرّة : أنّ لکلّ من تقیید الهیئة والمادّة ملاکاً یخصّه ، فلا یستلزم تقیید أحدهما تقیید الآخر .
ومنها : ما فی قوله قدس سره : یدور الأمر بین ترک ظهور واحد أو ظهورین . . . إلی آخره ؛ لأنّه کما أشرنا ـ وسیوافیک مفصّلاً ـ أنّ جریان مقدّمات الحکمة لا یوجب أن یکون مجراها ظاهراً بالدلالة اللفظیة ، بل دلالته بنحو آخر بحکم العقل ، فلم تکن دلالة الهیئة بالظهور اللفظی ، کما لا یخفی .
ومنها : أنّه لو سلّم ذلک لا یکون مربوطاً بکلام الشیخ قدس سره ؛ لأنّه بصدد بیان أنّ تقیید الهیئة مستلزم لبطلان محلّ الإطلاق من المادّة ، دون العکس . ولم یُرد تتمیم الأمر بالظهور ، وإنّما أراد حلّ الإشکال بالإجمال الطارئ للکلام بدواً من حیث دوران القید بین رجوعه إلی المادّة أو الهیئة من طریق حکم العقل بأنّه إذا أوجب تقیید أحد الإطلاقین إبطال محلّ إطلاق الآخر ، دون العکس ، فتقیید ما لم یوجب ذلک أولی بحکم العقل .
ومنها : ما فی قوله فی القید المنفصل : إنّ تقیید المادّة متیقّن إمّا ذاتاً أو تبعاً ؛ لما عرفت : أنّ تقیید الهیئة لا یوجب تقیید المادّة ، بل لکلّ منهما ملاک یخصّه یجب عنده ویمتنع دونه . وغایة ما یمکن أن یقال هی : أنّ تقیید الهیئة یوجب بطلان محلّ إطلاق المادّة ، وکم فرق بین التقیید وإبطال محلّ الإطلاق! وقد عرفت : أنّ ذلک غیر مخصوص بتقیید الهیئة ، بل یبطل محلّ إطلاق الهیئة من قبل تقیید المادّة أیضاً .
مضافاً إلی أنّ ذلک خارج عن فرض الشیخ قدس سره ؛ فإنّه یری أنّ تقیید الهیئة یوجب إبطال محلّ الإطلاق فی المادّة ، لا أنّه یوجب تقییداً فیها ، فتدبّر فیما ذکرنا .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122
ومنها : أنّه لو سلّم القدر المتیقّن ، ولکن لا یوجب ذلک انحلال العلم الإجمالی ؛ للزوم الدور ؛ لأنّ العلم التفصیلی هنا متولِّد عن العلم الإجمالی ومتقوّم به ، والشیء لا یرتفع ولا ینحلّ بما یتولّد منه ، وبارتفاعه یرتفع الأثر المتولّد منهما . فانحلال العلم الإجمالی متوقّف علی العلم الإجمالی .
وبالجملة : لا معنی لانحلال العلم الإجمالی بالعلم التفصیلی المتولّد منه ، والذی یمکن أن یقال فیه بالانحلال ـ کما علیه المشهور ـ هو مورد دوران الأمر بین الأقلّ والأکثر غیر الارتباطیین ـ کالدین المردّد بین عشرة دراهم أو عشرین ـ فإنّ الأقلّ متیقّن علی کلّ حال ، والشکّ إنّما هو فی الزائد .
ولکن ـ کما سیظهر لک فی محلّه ـ أنّ هناک لا یکون علم إجمالی حتّی ینحلّ ، بل لیس هناک إلاّ تخیّل الإجمال أوّلاً ، وإلاّ فالمقدار الأقلّ ـ وهو العشرة فی المثال ـ متیقّن أوّلاً ، والزائد مشکوک فیه .
ولو سلّم انحلال العلم فی ذلک ، ولکن لا یصحّ ذلک فیما نحن فیه ؛ لمکان تلازم تقیید المادّة من قبل تقیید الهیئة ، وأنّ العلم التفصیلی ینعدم بانعدام العلم الإجمالی .
فظهر : أنّ المورد الذی یمکن أن یقال فیه بالانحلال هو خصوص الأقلّ والأکثر الارتباطیین ـ علی مسلک التحقیق ـ أو ما یعمّ الأقلّ والأکثر غیر الارتباطی أیضاً ـ علی مسلک المشهور ـ وکیف کان : لا یکون ما نحن فیه منهما .
ومنها : أنّه لو سلّم انحلال العلم الإجمالی الأوّلی ـ کما أفاد ـ فلا وجه لقوله أخیراً بعدم الانحلال من جهة وجوب تحصیل القید ؛ لأنّه بعد العلم إجمالاً بطروّ القید فی الکلام یکون تقیید کلّ من الهیئة والمادّة مشکوکاً فیه . فإذا جرت أصالة الإطلاق فی الهیئة فحیث إنّ الأصل من الاُصول اللفظیة التی تکون لوازمها حجّة فمقتضاه ولازمه تعلّق القید علی المادّة أصالةً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 123
وبالجملة : أصالة الإطلاق فی طرف الهیئة یثبت کون القید علی المادّة مستقلاًّ .
إن قلت : أصالة الإطلاق فی الهیئة معارضة بأصالة الإطلاق فی طرف المادّة ، وکلّ منهما یثبت لازمه .
قلت : تقیید المادّة علی مذهب هذا المحقّق الذی نتکلّم علی تسلیم مبناه قدر متیقّن ، فلا یمکن التمسّک بأصالة الإطلاق فی المادّة ، فتدبّر .
استدراک وإرشاد
ثمّ إنّ المحقّق النائینی قدس سره تنظّر فی جمیع ما أفاده وقال بما حاصله : إنّ المراد من تقیید الهیئة هو تقیید المادّة المنتسبة ، علی ما عرفت من أنّ تقیید الهیئة بما أنّها معنی حرفی لا یعقل ، فلابدّ من رجوع القید إلی المادّة المنتسبة .
ویکون الفرق بین تقیید الهیئة وتقیید المادّة هو أنّه تارةً یکون التقیید للمادّة بلحاظ ما قبل الاستناد ، واُخری یکون تقییداً لها بلحاظ الاستناد ـ کما تقدّم تفصیل ذلک ـ وحینئذٍ یکون رجوع القید إلی المادّة متیقّناً ، والشکّ یرجع إلی أمر زائد ـ وهو تقییدها بلحاظ الاستناد ـ وإطلاق الهیئة ینفی هذا الأمر الزائد ، من غیر فرق بین کون المقیّد متّصلاً أو منفصلاً ؛ إذ رجوع القید المتّصل إلی المادّة أیضاً متیقّن ، ورجوعه إلی المادّة المنتسبة مشکوک فیه ، وأصالة الإطلاق الجاریة فی طرف الهیئة تنفی ذلک .
إلی أن قال : هذا ، مع أنّ رجوع القید إلی الهیئة والوجوب لا یصحّ إلاّ بعد أخذ القید مفروض الوجود ـ کما تقدّم ـ وذلک أیضاً أمر زائد ینفیه إطلاق القید ، حیث إنّه لم یتعقّب بمثل أداة الشرط ، انتهی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124
وفیه : أنّه لو سلّم أنّ المعنی الحرفی غیر قابل للتقیید ، وأنّ تقیید الهیئة فی الحقیقة إلی المادّة ، ولکن غایة ما یثبته العلم الإجمالی رجوع القید إلی المادّة . وأمّا رجوعه إلیها قبل الانتساب أو حینه أو بعده فأمر زائد یرفع بالأصل . ولم تکن القبلیة ومقابلاتها من قبیل الأقلّ والأکثر ـ حتّی یکون رجوع القید إلی المادّة متیقّناً ـ بل متباینان ؛ فکما أنّ رجوع القید إلیها قبل الانتساب أمر زائد مرفوع ، فأصالة إطلاق کلٍّ یعارض الآخر .
ثمّ إنّ ما ذکره أخیراً ـ من أنّ رجوع القید إلی الهیئة لا یصحّ إلاّ بعد أخذ القید مفروض الوجود . . . إلی آخره ـ لم یکن شیئاً زائداً علی ما ذکره من ذی قبل ، بل هو عبارة اُخری عنه ؛ فإنّه یعبّر عن لحاظ القید بعد الانتساب به .
فتحصّل ممّا ذکرنا کلّه : أنّه لو ورد قید فی کلام منفصل ، ودار أمره بین الرجوع إلی الهیئة أو المادّة ، لم یکن لنا أصل لفظی یصحّ الاتّکال علیه رفع المحذور ؛ فلابدّ من الرجوع إلی الاُصول العملیة ، فتدبّر واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125