الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

عدم تمامیة مقالة المحقّق صاحب الحاشیة

عدم تمامیة مقالة المحقّق صاحب الحاشیة

‏ ‏

‏ولکن الذی یقتضیه التحقیق‏‏ ‏‏: عدم تمامیة مقالة المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ ‏‏، فینبغی‏‎ ‎‏مقدّمةً ذکر معنی الإطلاق والتقیید مجملاً‏‏ ‏‏، ثمّ عطف النظر فیما أفاده‏‏ :‏

‏فنقول‏‏ ‏‏: معنی الإطلاق فی الموضوع أو المادّة‏‏ ‏‏، هو أنّ العاقل المختار إذا أخذ لفظاً‏‎ ‎‏موضوعاً لهیئة قابلة للصدق علی مصادیق موضوعاً للحکم‏‏ ‏‏، ولم یذکر له قیداً‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏فیستکشف العقل من ذلک‏‏ ‏‏: أنّ نفس الماهیة تمام الموضوع للحکم‏‏ ‏‏، ویحتجّ العقلاء‏‎ ‎‏بعضهم علی بعض بذلک‏‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107
‏ولو قیّد بقید یکون الموضوع له الماهیة المتقیّدة مثلاً إذا قال المولی إذا کان فی‏‎ ‎‏مقام البیان‏‏ ‏‏: «أعتق رقبة»‏‏ ‏‏، وتمّت سائر مقدّمات الحکمة فیه‏‏ ‏‏، یستفاد من ذلک‏‏ ‏‏: أنّ‏‎ ‎‏نفس ماهیة الرقّیة ـ مؤمنة کانت أم کافرة ـ تمام الموضوع للحکم علیه بالإعتاق‏‏ ‏‏.‏‎ ‎‏وأمّا لو قیّدها بقید الإیمان فتکون الرقّیة جزء الموضوع‏‏ ‏‏، وجزؤه الآخر الإیمان‏‏ .‏

‏ودلالة ذلک واحتجاج العقلاء بعضهم علی بعض فی ذلک لیس من باب دلالة‏‎ ‎‏اللفظ‏‏ ‏‏، بل من باب دلالة العقل‏‏ .‏

‏والإطلاق أو التقیید المبحوث عنهما فی المقام إنّما هو بلحاظ ورود الحکم علیه‏‏ ‏‏؛‏‎ ‎‏فالمطلق هو الذی اُخذ موضوعاً للحکم بلا قید‏‏ ‏‏، والمقیّد هو الذی اُخذ موضوعاً‏‎ ‎‏للحکم مع القید‏‏ .‏

‏وبما ذکرنا یظهر سرّ إفرادهم مبحث الإطلاق والتقیید عن مبحث العامّ‏‎ ‎‏والخاصّ‏‏ ‏‏؛ لأنّ سنخ دلالة أحدهما غیر الآخر‏‏ ‏‏؛ فیکون ذکر مبحث الإطلاق والتقیید‏‎ ‎‏فی مباحث الألفاظ مسامحة‏‏ .‏

‏ولا‏‏ ‏‏یخفی‏‏ ‏‏: أنّ المطلق والمقیّد غیر الطبیعة اللابشرط وبشرط شیء‏‏ ‏‏؛ لطروّ‏‎ ‎‏الإطلاق والتقیید فی الموضوعات الشخصیة بلحاظ حالاتها‏‏ ‏‏، مثلاً لو قال المولی‏‏ ‏‏:‏‎ ‎‏«أکرم زیداً»‏‏ ‏‏، ولم یقیّد إکرامه بحالة دون اُخری‏‏ ‏‏، یستکشف منه‏‏ ‏‏: أنّ زیداً بدون تقییده‏‎ ‎‏بقیدٍ تمام الموضوع لوجوب الإکرام‏‏ ‏‏. فذکر الاعتبارات من اللابشرط أو بشرط الشیء‏‎ ‎‏هناک أجنبی‏‏ .‏

‏هذا إجمال المقال فی المطلق والمقیّد‏‏ ‏‏، وسیوافیک تفصیله فی مبحث المطلق‏‎ ‎‏والمقیّد‏‏ ‏‏، فارتقب‏‏ .‏

إذا تمهّد لک‏ :‏‏ أنّ الإطلاق أو التقیید إنّما هو بعد تعلّق الحکم‏‏ ‏‏، فإن أراد المحقّق‏‎ ‎‏«صاحب الحاشیة» «من استلزام تقیید الهیئة تقیید المادّة» أنّه بتقیید الهیئة یتقیّد‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108
‏المادّة‏‏ ‏‏، ففیه‏‏ ‏‏: أنّ الموضوع فی الواجب المشروط هو الذات‏‏ ‏‏، والشرط خارج عنه مثلاً‏‎ ‎‏الموضوع فی «إن استطعت فحجّ» هو الحجّ‏‏ ‏‏، والاستطاعة خارجة عنه غیر مربوطة‏‎ ‎‏به‏‏ ‏‏، نعم دخیلة فی تعلّق الحکم والوجوب علیه‏‏ ‏‏. فهنا قیّدت الهیئة‏‏ ‏‏، ولم تقیّد المادّة‏‎ ‎‏والموضوع‏‏ ‏‏، وهو واضح‏‏ .‏

‏وإن أراد ‏‏قدس سره‏‏ بالاستلزام‏‏ ‏‏: أنّه بتقیید الهیئة تحصل تضیّقاً فی المادّة تبعاً لأنّه بعد‏‎ ‎‏تقیید وجوب الحجّ بالاستطاعة یستفاد أنّ الحجّ قبل الاستطاعة لم یکن واجباً‏‏ ‏‏، وإنّما‏‎ ‎‏هو بعد الاستطاعة ففیه‏‏ ‏‏: أنّ هذا تقیید للهیئة لا المادّة‏‏ ‏‏، ومجرّد تضییق تبعی فی المادّة‏‎ ‎‏لا‏‏ ‏‏یطلق علیه التقیید‏‏ ‏‏، وکم فرق بین تقیید شیء وبین تضییق دائرته‏‏ ؟ ‏‏! فتدبّر‏‏ .‏

‏ولو کفی هذا المقدار فی صدق التقیید فنقول‏‏ ‏‏: إنّ تقیید المادّة یستلزم تقیید الهیئة‏‎ ‎‏کذلک‏‏ ‏‏؛ بداهة أنّه إذا کانت الصلاة المتقیّدة بالطهور ـ مثلاً ـ مطلوباً ومأموراً بها‏‎ ‎‏توجب تضییقاً فی ناحیة الطلب‏‏ ‏‏، وتکون الهیئة متعلّقة بالطبیعة المتقیّدة‏‏ ‏‏، ‏هذا أوّلاً‏ .‏

وثانیاً‏ :‏‏ أنّه قد سبق بما لا مزید علیه‏‏ ‏‏: أنّ لکلّ من تقیید المادّة والهیئة ملاکاً‏‎ ‎‏ومناطاً یخصّه‏‏ ‏‏، تجب عنده وتمتنع دونه‏‏ .‏

‏وبالجملة‏‏ ‏‏: تختلف القیود الراجعة إلی المادّة عن القیود الراجعة إلی الهیئة ثبوتاً‏‏ ‏‏،‏‎ ‎‏ولکلٍّ منهما ملاک خاصّ به‏‏ ‏‏؛ فلا ملازمة فی البین‏‏ ‏‏، فتدبّر‏‏ .‏

‏هذا کلّه فی مقالة المحقّق صاحب «الحاشیة» ‏‏قدس سره‏‏ فی رجوع القید إلی المادّة عند‏‎ ‎‏الدوران‏‏ ‏‏، وقد عرفت ضعفه‏‏ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109