الأمر الثالث فی کون هذه المسألة من المسائل الاُصولیة
قد سقط منّا ضبط هذا الأمر ، وحیث إنّ معرفة موقف المسألة ـ من حیث کونها مسألة اُصولیة ، أو من المبادئ الفقهیة ، أو غیرهما ـ لا تخلو عن فائدة ، أحببنا عدم خلوّ کتابنا هذا منه ، فنشیر إشارة إجمالیة إلی بیان موقفها مقتبساً ممّا أفاده سماحة الاُستاد فی «مناهج الوصول» ، وما ذکره بعض مقرّری بحثه ، وما ذکرناه فی مقدّمة کتابنا هذا .
فنقول : قد عرفت منّا مفصّلاً المیزان فی تشخیص المسائل الاُصولیة حسب مختار سماحة الاُستاد ، وإجماله : أنّ المسائل الاُصولیة عبارة عن القواعد الآلیة التی یمکن أن تقع کبری لاستنتاج الأحکام الکلّیة الفرعیة الإلهیة ، أو الوظیفة العملیة .
ومن الواضح : أنّه لو ثبت وجود الملازمة بین وجوب المقدّمة وذیها یستکشف منه وجوب مقدّمة الواجب شرعاً ، کالصلاة ـ مثلاً ـ فتجب مقدّماتها ، بل لو لم تثبت الملازمة فمع ذلک یکون البحث فی المسألة من المسائل الاُصولیة ؛ لإمکان وقوع نتیجتها فی مقام استنباط الأحکام الشرعیة ، وإن لم تکن واقعة بالفعل ، نظیر البحث فی حجّیة القیاس والشهرة والإجماع المنقول ؛ فإنّ البحث عنها بحث فی المسألة الاُصولیة مع عدم حجّیتها .
وبالجملة : البحث فی وجود الملازمة بین وجوب المقدّمة وذیها وعدمه لیس لأجل الاطّلاع علی حقیقة من الحقائق حتّی یکون البحث نفسیاً ، بل لأجل أنّه ینظر بها إلی مسائل وفروع تکون هی المنظور فیها . فمسألة الملازمة من القواعد الآلیة التی
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 18
یمکن أن تقع کبری استنتاج الأحکام الکلّیة الفرعیة .
وأمّا علی مختار اُستادنا الأعظم البروجردی قدس سره ـ من أنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه ـ فیکون البحث عن ثبوت الملازمة بحثاً عن المبادئ الأحکامیة ؛ لأنّ البحث عن المسألة الاُصولیة ـ علی زعمه قدس سرهـ لابدّ وأن یکون بحثاً عن عوارض الحجّة فی الفقه ، کالبحث عن حجّیة خبر الثقة ونحوها ؛ فإنّها بحث عن عوارض الحجّة .
وأمّا البحث عن ثبوت الملازمة فخارجة عن البحث عن المسألة الاُصولیة ، وداخلة فی المبادئ الأحکامیة .
وقد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید علیه فی مقدّمة الکتاب ـ عدم استقامة ما أفاده قدس سره ؛ إمّا لعدم لزوم أن یکون لکلّ علم موضوع معیّن ـ حتّی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة ـ بل کلّ علم عبارة عن عدّة مسائل مرتبطة بعضها ببعض فی ترتّب غرض واحد سنخی .
أو لعدم لزوم أن یکون البحث فی العلم عن العوارض الذاتیة ، ألا تری أنّهم جعلوا موضوع علم الفقه أفعال المکلّفین ، مع أنّ کثیراً من مسائل الفقه لیست کذلک ؟ ! حتّی الأحکام التکلیفیة ـ کالوجوب والحرمة ونحوهما ـ فإنّها ـ کما أشرنا فی مقدّمة الکتاب ـ لیست من العوارض حتّی یقال : إنّها أعراض ذاتیة أو أعراض غریبة .
مضافاً إلی أنّ کثیراً من المسائل الفقهیة لیست کذلک ، مثل مسألة «الماء الکرّ لا ینجسه شیء» ومسألة «أنّ الماء القلیل ینجس بملاقات النجس» ومسألة «الکلب نجس» ومسألة «المیتة نجسة» إلی غیر ذلک من المسائل . هذا إجمال المقال فی المسألة ، ومن أراد تفصیله فلیراجع ما أوردناه فی مقدّمة کتابنا هذا «جواهر الاُصول» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 19