وزان الإرادة التشریعیة وزان الإرادة التکوینیة
إذا أحطت خبراً بما ذکرناه فی الإرادات التکوینیة الصادرة من الفاعل ، یظهر لک حال الإرادة الآمریة والتشریعیة ؛ لأنّ وزانهما وزان واحد وترتضعان من ثدی واحد ، بل الإرادة المعبّر عنها بالإرادة التشریعیة هی فی الحقیقة الإرادة التکوینیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9
وتقسیم الإرادة إلی التکوینیة والتشریعیة غیر صحیح ؛ لأنّ التقسیم لابدّ وأن یکون لاختلاف فی ذاتی الإرادتین لا فی متعلّقهما ، وإلاّ یلزم تقسیم الشیء إلی غیر النهایة .
والتقسیم فی المقام لیس لاختلاف فـی ذاتیهما ، بل بلحاظ المتعلّق ؛ لأنّ الإرادة المتعلّقة بالتکوین یعبّر عنها بالإرادة التکوینیة ، کما أنّه یعبّر عن الإرادة المتعلّقة بالتشریع بالإرادة التشریعیة . وذلک لأنّ أمر الغیر بإتیان شیء وبعثه نحوه فعل من أفعال الآمر ؛ فلابدّ من تصوّره والتصدیق بفائدته ، إلی غیر ذلک من مبادئ الاختیار .
نعم ، الفرق بین الإرادتین فی أنّ الإرادة التشریعیة تصدر من لسان الآمر أو إشارته إذا کان أخرساً ، وأمّا الإرادة التکوینیة فلا تختصّ بهما ، وهو غیر فارق .
فإذن ؛ لو تعلّقت إرادة المولی بإتیان شیء من عبده ، فیلزم أن تکون إرادته منبعثة من مبادئها بما یراه مقدّمة ، لا ما یکون مقدّمة له واقعاً . فالملازمة ـ کما ذکرنا ـ فی إرادة الفاعلی إنّما هی بین إرادة ذی المقدّمة ، وبین إرادة ما یراه مقدّمة ، وإلاّ یلزم تعلّق الإرادة بواقع المقدّمة ، من دون أن یکون مقصودة وملتفتة إلیها .
وسیظهر لک جلیاً ـ مع فساده فی نفسه ـ امتناع تعلّق الإرادة التی من صفات النفس بمجهول مطلق وما یکون مجهولاً لدیه .
فظهر بما ذکرنا ضعف ما عن العلمین النائینی والعراقی .
وذلک لأنّ المحقّق النائینی قدس سره قال : إنّ المراد من الوجوب فی المقام هـو الوجوب القهری المتولّد من إیجاب ذی المقدّمة ، بحیث یرید المقدّمة عند الالتفات إلیها ، ولا یمکن أن لا یریدها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
وقال المحقّق العراقی قدس سره : إنّ الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة متولّدة من الإرادة النفسیة المتعلّقة بذیها ، وإن کان الآمر غافلاً ، بحیث لو التفت إلی المقدّمة لأرادها .
توضیح الضعف هـو : أنّه کیف تحصل إرادة المقدّمة مع عدم تصوّرها والتصدیق بفائدتها ؟ وألیس تعلّق الإرادة بواقع المقدّمة دون ما یراه مقدّمة ، إلاّ تعلّق الإرادة بأمر مجهول ؟ ومجرّد الالتفات إلی المقدّمة بدون التصدیق بمقدّمیتها لا یستلزم إتیانه مقدّمة .
ولا یخفی : أنّ مقال المحقّق العراقی قدس سره لا یخلو عن تناقض ؛ لأنّه إذا کانت إرادة المقدّمة متولّدة من إرادة ذیها ، فکیف یقال : لو التفت إلیها لأرادها ؟ ! فتدبّر .
وبما ذکـرنا یظهر : أنّ الملازمـة المدّعاة بین إرادة ذی المقدّمـة وإرادة المقدّمـة ، وبیـن إیجاب ذی المقدّمـة وإیجاب المقدّمـة ، لیست کالملازمـة فی الملازمات واللوازم والملزومات العقلیـة ممّا یکون الملزوم علّـة للازمـه ، أو تکون المتلازمـان معلولی علّة واحدة ؛ بداهـة أنّ إرادة ذی المقدّمـة ـ سواء کانت فی الإرادة الفاعلی ، أو فی الإرادة الآمری ، التی فی الحقیقـة هی الإرادة الفاعلی ـ لا تستلزم إرادة المقدّمـة قهراً ، من دون توسّط إرادة مبادئ الاختیار فی البین ، بل لابدّ من تخلّل مبادئ فی البین .
وبالجملة : إرادة کلّ منهما تحتاج إلی مبادئ ؛ من التصوّر والتصدیق وغیرهما من مبادئ الاختیار ، وکذلک الوجوب والإیجاب فیهما .
ولا فرق فی لزوم تخلّل مبادئ الإرادة فی الإتیان بالمقدّمة بین کون الملازمة بین ذاتی المقدّمة وذیها ـ کما یراه المحقّق الخراسانی قدس سره ـ أو بین عنوانی المقدّمة وذیها
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11
ـ کما اخترناه ، وفاقاً لصاحب «الفصول» قدس سره ـ أو بین عنوان ما یتوقّف علیه أو یتوسّل به إلی ذی المقدّمة ، کما یراه آخرین .
وذلک : أمّا حال الملازمة بین ذات المقدّمة وذیها فقد عرفته . وأمّا لو کانت الملازمة بین عنوان المقدّمة وذیها ، أو کانت الملازمة بین عنوان ما یتوقّف علیه أو یتوسّل به ، فلأنّه لابدّ من تصوّر تلک العناوین والتصدیق بفائدتها ، إلی غیر ذلک من مبادئ الاختیار .
والذی یمکن أن یقال هنا : إنّه ینتقل الذهن من الإرادة المتعلّقة بذی المقدّمة إلی مبادئ المقدّمة ؛ إمّا إلی ذاتها أو إلی عنوانها ، أو عنوان ما یتوقّف علیه أو ما یتوسّل به إلی ذی المقدّمة حسب اختلاف الآراء فی وجوب الملازمة .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ ما یمکن أن یقع محطّ البحث فی مقدّمة الواجب هو ادّعاء الملازمة الکذائیة بین إرادة ذی المقدّمة أو وجوبه ، وبین إرادة وجوب ما یراه المولی مقدّمة ، أو عنوان ما یتوسّل به أو یتوقّف علیه ذی المقدّمة . وأمّا الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة وإرادة ما هی مقدّمة واقعاً فلا ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12