الفصل الرابع فی مقدّمة الواجب

وزان الإرادة التشریعیة وزان الإرادة التکوینیة

وزان الإرادة التشریعیة وزان الإرادة التکوینیة

‏ ‏

‏إذا أحطت خبراً بما ذکرناه فی الإرادات التکوینیة الصادرة من الفاعل ، یظهر‏‎ ‎‏لک حال الإرادة الآمریة والتشریعیة ؛ لأنّ وزانهما وزان واحد وترتضعان من ثدی‏‎ ‎‏واحد ، بل الإرادة المعبّر عنها بالإرادة التشریعیة هی فی الحقیقة الإرادة التکوینیة .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9
‏وتقسیم الإرادة إلی التکوینیة والتشریعیة غیر صحیح ؛ لأنّ التقسیم لابدّ‏‎ ‎‏وأن یکون لاختلاف فی ذاتی الإرادتین لا فی متعلّقهما ، وإلاّ یلزم تقسیم الشیء إلی‏‎ ‎‏غیر النهایة .‏

‏والتقسیم فی المقام لیس لاختلاف فـی ذاتیهما ، بل بلحاظ المتعلّق ؛ لأنّ الإرادة‏‎ ‎‏المتعلّقة بالتکوین یعبّر عنها بالإرادة التکوینیة ، کما أنّه یعبّر عن الإرادة المتعلّقة‏‎ ‎‏بالتشریع بالإرادة التشریعیة . وذلک لأنّ أمر الغیر بإتیان شیء وبعثه نحوه فعل من‏‎ ‎‏أفعال الآمر ؛ فلابدّ من تصوّره والتصدیق بفائدته ، إلی غیر ذلک من مبادئ الاختیار .‏

‏نعم ، الفرق بین الإرادتین فی أنّ الإرادة التشریعیة تصدر من لسان الآمر أو‏‎ ‎‏إشارته إذا کان أخرساً ، وأمّا الإرادة التکوینیة فلا تختصّ بهما ، وهو غیر فارق .‏

‏فإذن ؛ لو تعلّقت إرادة المولی بإتیان شیء من عبده ، فیلزم أن تکون إرادته‏‎ ‎‏منبعثة من مبادئها بما یراه مقدّمة ، لا ما یکون مقدّمة له واقعاً . فالملازمة ـ کما ذکرنا ـ‏‎ ‎‏فی إرادة الفاعلی إنّما هی بین إرادة ذی المقدّمة ، وبین إرادة ما یراه مقدّمة ، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏تعلّق الإرادة بواقع المقدّمة ، من دون أن یکون مقصودة وملتفتة إلیها .‏

‏وسیظهر لک جلیاً ـ مع فساده فی نفسه ـ امتناع تعلّق الإرادة التی من صفات‏‎ ‎‏النفس بمجهول مطلق وما یکون مجهولاً لدیه .‏

‏فظهر بما ذکرنا ضعف ما عن العلمین النائینی والعراقی .‏

‏وذلک لأنّ المحقّق النائینی قدس سره قال : إنّ المراد من الوجوب فی المقام هـو‏‎ ‎‏الوجوب القهری المتولّد من إیجاب ذی المقدّمة ، بحیث یرید المقدّمة عند الالتفات‏‎ ‎‏إلیها ، ولا یمکن أن لا یریدها‏‎[1]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
‏وقال المحقّق العراقی قدس سره : إنّ الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة متولّدة من الإرادة النفسیة‏‎ ‎‏المتعلّقة بذیها ، وإن کان الآمر غافلاً ، بحیث لو التفت إلی المقدّمة لأرادها‏‎[2]‎‏ .‏

‏توضیح الضعف هـو : أنّه کیف تحصل إرادة المقدّمة مع عدم تصوّرها‏‎ ‎‏والتصدیق بفائدتها ؟ وألیس تعلّق الإرادة بواقع المقدّمة دون ما یراه مقدّمة ، إلاّ تعلّق‏‎ ‎‏الإرادة بأمر مجهول ؟ ومجرّد الالتفات إلی المقدّمة بدون التصدیق بمقدّمیتها لا یستلزم‏‎ ‎‏إتیانه مقدّمة .‏

‏ولا یخفی : أنّ مقال المحقّق العراقی قدس سره لا یخلو عن تناقض ؛ لأنّه إذا کانت إرادة‏‎ ‎‏المقدّمة متولّدة من إرادة ذیها ، فکیف یقال : لو التفت إلیها لأرادها ؟ ! فتدبّر .‏

‏وبما ذکـرنا یظهر : أنّ الملازمـة المدّعاة بین إرادة ذی المقدّمـة وإرادة المقدّمـة ،‏‎ ‎‏وبیـن إیجاب ذی المقدّمـة وإیجاب المقدّمـة ، لیست کالملازمـة فی الملازمات واللوازم‏‎ ‎‏والملزومات العقلیـة ممّا یکون الملزوم علّـة للازمـه ، أو تکون المتلازمـان معلولی‏‎ ‎‏علّة واحدة ؛ بداهـة أنّ إرادة ذی المقدّمـة ـ سواء کانت فی الإرادة الفاعلی ، أو فی‏‎ ‎‏الإرادة الآمری ، التی فی الحقیقـة هی الإرادة الفاعلی ـ لا تستلزم إرادة المقدّمـة قهراً ،‏‎ ‎‏من دون توسّط إرادة مبادئ الاختیار فی البین ، بل لابدّ من تخلّل مبادئ فی البین .‏

‏وبالجملة : إرادة کلّ منهما تحتاج إلی مبادئ ؛ من التصوّر والتصدیق وغیرهما‏‎ ‎‏من مبادئ الاختیار ، وکذلک الوجوب والإیجاب فیهما .‏

‏ولا فرق فی لزوم تخلّل مبادئ الإرادة فی الإتیان بالمقدّمة بین کون الملازمة بین‏‎ ‎‏ذاتی المقدّمة وذیها ـ کما یراه المحقّق الخراسانی قدس سره‏‎[3]‎‏ ـ أو بین عنوانی المقدّمة وذیها‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11
‏ـ کما اخترناه ، وفاقاً لصاحب «الفصول» قدس سره‏‎[4]‎‏ ـ أو بین عنوان ما یتوقّف علیه أو‏‎ ‎‏یتوسّل به إلی ذی المقدّمة ، کما یراه آخرین .‏

‏وذلک : أمّا حال الملازمة بین ذات المقدّمة وذیها فقد عرفته . وأمّا لو کانت‏‎ ‎‏الملازمة بین عنوان المقدّمة وذیها ، أو کانت الملازمة بین عنوان ما یتوقّف علیه أو‏‎ ‎‏یتوسّل به ، فلأنّه لابدّ من تصوّر تلک العناوین والتصدیق بفائدتها ، إلی غیر ذلک من‏‎ ‎‏مبادئ الاختیار .‏

‏والذی یمکن أن یقال هنا : إنّه ینتقل الذهن من الإرادة المتعلّقة بذی المقدّمة إلی‏‎ ‎‏مبادئ المقدّمة ؛ إمّا إلی ذاتها أو إلی عنوانها ، أو عنوان ما یتوقّف علیه أو ما یتوسّل به‏‎ ‎‏إلی ذی المقدّمة حسب اختلاف الآراء فی وجوب الملازمة .‏

‏فظهر ممّا ذکرنا : أنّ ما یمکن أن یقع محطّ البحث فی مقدّمة الواجب هو ادّعاء‏‎ ‎‏الملازمة الکذائیة بین إرادة ذی المقدّمة أو وجوبه ، وبین إرادة وجوب ما یراه المولی‏‎ ‎‏مقدّمة ، أو عنوان ما یتوسّل به أو یتوقّف علیه ذی المقدّمة . وأمّا الملازمة بین إرادة‏‎ ‎‏ذی المقدّمة وإرادة ما هی مقدّمة واقعاً فلا ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 12

  • )) فوائد الاُصول 1 : 262 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 311 .
  • )) کفایة الاُصول : 115 ـ 116 .
  • )) الفصول الغرویة : 86 .