حول ما یتوقّف علیه التمسّک بالإطلاق
ثمّ إنّه اختلف فیما یتوقّف علیه التمسّک بالإطلاق ، فقال بعض ـ منهم المحقّق الخراسانی قدس سره ـ : إنّه یتوقّف علی مقدّمات ثلاث :
الاُولی : إحراز کون المتکلّم فی مقام تمام المراد ، لا الإهمال أو الإجمال .
الثانیة : انتفاء ما یوجب التعیین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 537
الثالثة : انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب .
وخالفه شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره فقال بعدم احتیاجه إلی شیء من المقدّمات.
والتحقیق : أنّه یتوقّف علی المقدّمة الاُولی فقط ، دون المقدّمتین ، فلنا دعویان :
الاُولی : احتیاج الأخذ بالإطلاق إلی إحراز کون المولی فی مقام بیان تمام المراد .
والثانیة : عدم الاحتیاج إلی بقیّة المقدّمات .
أمّا ما یتعلّق بالدعوی الاُولی ، فقال شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره فی مقام بیان عدم احتیاج الإطلاق إلی شیء من المقدّمات ، ما حاصله : أنّ الطبیعة المهملة التی اُخذت موضوعاً للحکم ، یدور أمرها بین الإطلاق والتقیید ، ولاثالث ، فإن کان المراد بها المقیّد ، فلا إشکال فی کون الإرادة متعلّقة به أصالة ، وإنّما ینسب إلی الطبیعة لمکان الاتحاد تبعاً ، وظاهر قول القائل : «جئنی بالرجل» أو «برجل» هو أنّ الإرادة تعلّقت أوّلاً وبالذات بالطبیعة ، لا بالمقیّدة ، فاُضیفت إلی الطبیعة لمکان الاتحاد تبعاً ، وبعد تسلیم هذا الظهور تسری الإرادة إلی تمام الأفراد ، وهذا معنی الإطلاق .
وفیه : أنّ ظهور الإرادة فی الأصالة ، لیس من باب الظهورات اللفظیة ، بل من باب بناء العقلاء ؛ فإنّ المتکلّم الذی یکون بصدد تحدید موضوع حکمه إذا علّق حکمه علی موضوع ، یفهم العرف والعقلاء من ذلک أنّه تمام الموضوع لحکمه ، وأنّ الإرادة متعلّقة أصالة بنفس ما أخذه موضوعاً ، ومعلوم أنّ هذا متوقّف علی عدم کون المتکلّم فی مقام الإجمال أو الإهمال ؛ ضرورة أنّه لو کان المتکلّم فی مقام بیان
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 538
حکم آخر ، ولکن ذکر هذا استطراداً ، أو کان بصدد تشریع أصل الحکم ، أو بصدد بیان بعض ما له دخل فی الحکم ، فلا یکاد یحتجّ العقلاء بما ذکره ، ولا یمکن استفادة الإطلاق عند ذلک .
فتحصّل : أنّ ظهور الإرادة فی الاستقلال ، عبارة اُخری عن أنّ ما جعله موضوعاً ومتعلّقاً لحکمه ، هو تمام الموضوع له ، فلابدّ من إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان تمام ما له دخل فی الحکم .
وأظنّ أنّه جری هذا من قلمه الشریف هنا ولکن لم یقل به فی الفقه ، ولا أظنّ أنّه قدس سره یتمسّک بالإطلاق فی الفقه إذا کان المتکلّم فی مقام بیان حکم آخر ، أو بصدد أصل تشریع الحکم ، أو بصدد بیان بعض ما له دخل فی الحکم ، فتدبّر .
إذا أحطت بما ذکرنا فی ردّ مقالة شیخنا العلاّمة ، ظهر لک ـ لعلّه بما لامزید علیه ـ وجه احتیاج التمسّک بالإطلاق إلی المقدّمة الاُولی .
وأمّا ما یتعلّق بالدعوی الثانیة ـ وهی عدم الاحتیاج إلی سائر المقدّمات ـ فهو کما یلی :
أمّا المقدّمة الثانیة ـ وهی انتفاء ما یوجب التعیین ـ فهی من محقّقات الإطلاق ، لا من شروط الأخذ به ومن مقدّماته ؛ وذلک لأنّ الإطلاق إنّما یصار إلیه فی مورد الشکّ فی دخالة شیء آخر فیه ، فحیث إنّه لا شکّ فی صورة قیام العلم أو الأمارة علی التعیین أو الانصراف إلیه ، فلا إطلاق فی البین .
وبالجملة : موضوع البحث ما إذا علّق حکم علی موضوع شکّ فی اعتبار أمر آخر فیه ، فیتمسّک بأصالة الإطلاق لدفع هذا الشکّ ، ففی صورة العلم بعدم وجود القرینة أو بعدم الانصراف ، لا مورد لأصالة الإطلاق ، کما لا مورد لها فی صورة العلم
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 539
بوجود القرینة أو الانصراف ، فلابدّ من فرض البحث فی مورد لم یعلم وجود ما یوجب التعیین .
وأمّا المقدّمة الثالثة : ـ وهی انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب ـ فلعلّ تقیید القدر المتیقّن بکونه فی مقام التخاطب ، بلحاظ أنّه قلّما لا یکون للمطلق قدر متیقّن ، بل لا مطلق فی الخارج لا یکون له قدر متیقّن ، فلو اعتبر انتفاء القدر المتیقّن فی غیر مقام التخاطب أیضاً ، لکان مقتضاه سدّ باب الإطلاق ، وواضح أنّ انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب ، لیس کذلک ، فیصحّ الاتّکال علیه .
وقبل بیان عدم الحاجة إلی هذه المقدّمة ، نشیر إلی الفرق بین هاتین المقدّمتین ؛ وهو أنّه إذا کانت فی الکلام قرینة علی التعیین ، أوجبت تعیّن إرادته وأنّ غیره غیر مراد ، بخلاف وجود القدر المتیقّن ، فإنّ غایة ما یقتضیه کون القدر المتیقّن واجداً للحکم ، وأمّا الزائد علیه فلا دلیل علی إثباته ، أمّا انحصار الحکم وتعیّنه به فلا .
فإذا عرفت ما ذکرنا فنقول : إنّ توهّم اعتبار هذه المقدّمة ، إنّما یتمشّی علی مبنی القوم فی باب الإطلاق ؛ أی کون الطبیعة مرآة لجمیع الأفراد ، بلحاظ أنّ مرآتیة المطلق للأفراد أکثر من مرآتیة المقیّد لها ، فیدور الأمر بین الأقلّ والأکثر ، فإن کان قدر متیقّن فی مقام التخاطب ـ بأن کان الکلام مسبوقاً بالسؤال مثلاً ، أو ذکر مورد خاصّ ـ فلا یکاد یستفاد الإطلاق .
وفیه أوّلاً : أنّه مع ذلک لا یخلو من إشکال ؛ لأنّه یمکن أن یقال : إنّ وجود القدر المتیقّن مؤکّد للإطلاق ، لأنّه إذا کان المتکلّم فی مقام التخاطب ، وکان قدر متیقّن ، ومع ذلک لم یعتنِ به ، بل علّق الحکم علی نفس الطبیعة ، فیقوی بذلک الإطلاق ؛ وأنّ الحکم یعمّ المتیقّن وغیره .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 540
وثانیاً : أنّه لو أوجب القدر المتیقّن انصراف الکلام إلیه قطعاً ، فیکون اعتبار عدمه من محقّقات الإطلاق ، لا من شروط الأخذ بالإطلاق ، فترجع إلی المقدّمة الثانیة ، فیکون الکلام فیها هو الکلام فیها ، فیکون ذکر المقدّمة الثالثة مستدرکاً . هذا إذا فسّر الإطلاق علی مذاق القوم .
وأمّا علی المختار فی باب الإطلاق ـ من أنّه لا یستفاد من مقدّمات الإطلاق إلاّ کون الطبیعـة تمام الموضوع للحکم ؛ من دون دخالة قید آخر فیه ـ فیدور الأمر بین کون الطبیعة تمام الموضوع ، أو أنّ المقیّدة تمامه ، فالأفراد لم تکن موضوعة للحکم ، ومعلوم أنّه فی صورة کون المقیّد بما هو مقیّد موضوعاً ، لا یکون ذات الموضوع محکوماً ، والقید محکوماً آخر ؛ حتّی یکون من قبیل الأقلّ والأکثر لکی یتوهّم القدر المتیقّن .
نعم ، بحسب الخارج لو کان الحکم متعلّقاً بالطبیعة ، یکون انطباقه علی الأفراد أکثر ممّا إذا تعلّق الحکم بالمقیّد ، ولکن توسعة نطاق الانطباق الخارجی وتضییقه ، أجنبی عن القدر المتیقّن فی مقام التخاطب؛ لأنّ الحکم فیهما واحد تعلّق بموضوع واحد.
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ المقدّمات التی ذکرها المحقّق الخراسانی قدس سره فی استفادة الإطلاق ، غیر محتاج إلیها إلاّ المقدّمة الاُولی ، فبعد إحراز کون المولی فی مقام بیان تمام ما له دخل فی موضوع حکمه، لوشکّ فی اعتبار قید فیه لأمکن نفیه بالإطلاق، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 541