ومنها : علم الجنس
قد رتّب علی بعض الأسماء التی تشبه اسم الجنس ، أحکام العلمیة ، کوقوعه مبتدأ ، أو ذاحال ، أو موصوفاً بالمعرفة ، أو نعتاً لمعرفة . . . إلی غیر ذلک ، وذلک مثل لفظة «اُسامة» و«ثعالة» .
وقد اختلف فی کونه معرفة وعدمه ، فذهب بعضهم إلی أنّه لا فرق بین اسم الجنس وعلم الجنس ؛ بلحاظ المعنی والحقیقة ، فالموضوع له فی علم الجنس هو صِرف المعنی بلا لحاظ شیء معه أصلاً ، کما هو الشأن فی اسم الجنس ، فالتعریف فی علم الجنس لفظی ؛ أی یتعامل معه معاملة المعرفة ، کما یرتّب علی بعض الأسماء أحکام التأنیث لفظاً ، مع أنّه لم یکن مؤنّثاً .
ولکن ینسب إلی المشهور : أنّ الفرق بین اسم الجنس وعلم الجنس واقعی ؛ لأنّ اسم الجنس وضع لنفس الطبیعة من حیث هی هی ، وأمّا علم الجنس فوضع لها لا بما هی هی ، بل بما هی متعیّنة بالتعیّن الذهنی ، وهذا التعیّن الذهنی یکفی فی إیجاب ترتّب أحکام المعرفة علیه .
وقد أورد المحقّق الخراسانی قدس سره علی ما ذهب إلیه المشهور بأمرین :
الأوّل : أنّه لو وضع علم الجنس للملحوظ الذهنی والمتعیّن بالتعیّن الذهنی ، یکون کلّیاً عقلیاً ، فلا یمکن صدقه علی الخارج والأفراد إلاّ مع تصرّف وتأوّل ، مع أنّه یصدق علیه بلاتأوّل ومجازیة ؛ لأنّ التصرّف فی المحمول بإرادة نفس المعنی بدون قیده ، تعسّف لا یکاد یکون بناء القضایا المتعارفة علیه .
الثانی : أنّ وضع اللفظ لخصوص معنی ، یحتاج إلی تجریده عن خصوصیته عند
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 530
الاستعمال ، وهذا ینافی حکمة الوضع ، فلا یکاد یصدر عن جاهل ، فضلاً عن العالم الحکیم .
وقد ناقش شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره فی مقال اُستاذه المحقّق الخراسانی قدس سرهبما حاصله : أنّ اللحاظ الذی یجعل قیداً للمعنی لحاظ حرفی ، لا اسمی ، وهو لا یوجب امتناع انطباقه علی الخارج ، کما أنّ الماهیة الملحوظة فی الذهن تقبل الصدق علی الأفراد ، وتکون کلّیة بهذه الملاحظة ؛ لأنّه لو کان الموجود ذهناً ملحوظاً للمتصوّر اسماً ، لکان مبایناً للخارج ، ولا ینطبق علی شیء ، ولا معنی لکلّیة شیء لا ینطبق علی الخارج أصلاً ، فلفظة «اُسامة» موضوعة للأسد بشرط تعیّنه فی الذهن علی نحو الحکایة عن الخارج ، ویکون استعمال ذلک اللفظ فی معناه بملاحظة القید المذکور ، کاستعمال الألفاظ الدالّة علی المعانی الحرفیة ، فافهم وتدبّر .
وفیه أوّلاً : أنّ حدیث قابلیة صدق مفهوم علی الأفراد ، غیر مرتبط بالماهیة بما هی متقیّدة وملحوظة فی الذهن ولو حرفاً ؛ لأنّ حکم القابلیة إنّما هو علی ذات الماهیة من حیث هی مجرّدة من کافّة الخصوصیات ، حتّی لحاظ کونها فی الذهن وإن لم تکن منفکّة عنها ، إلاّ أنّها مغفول عنها .
وبالجملة : قابلیة الصدق لم تکن للملحوظ باللحاظ ، بل لنفس الماهیة من حیث هی هی .
وثانیاً : أنّه لو اُخذ اللحاظ ولو حرفاً فی المعنی ، فهذا لا یوجب خروجه عن موطن الذهن ، ولا یصحّ صدقه علی الخارج إلاّ مع التجرید ، ومعه تلزم المجازیة ، وأمّا
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 531
لو اُخذ اللحاظ مرآة ـ بحیث یکون المعنی الموضوع له نفس الماهیة القابلة للصدق ـ فلا یکون فرق بین اسم الجنس وعلمه ، فرجع إلی مقال اُستاذه .
هذا مضافاً إلی أنّه لم یکن اللحاظ فی الحرف حرفیاً ؛ لأنّه لابدّ فی الوضع من تصوّر المعنی تصوّراً اسمیاً استقلالیاً لیوضع اللفظ له ، فتأمّل .
فظهر لک : أنّه لا تصحّ التفرقة بین اسم الجنس وعلم الجنس بما أفاده شیخنا العلاّمة قدس سره فیدور الأمر بین ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره من أنّ الفرق بین اسم الجنس وعلمه لفظی ، وبین ما احتملناه ؛ وحاصله : أنّ نفس الماهیة من حیث هی ، کما أنّها لا واحدة ولا کثیرة ، ولا موجودة ولا معدومة ، فکذلک لا تکون معرفة ولا نکرة ، ولا متمیّزة ولا غیر متمیّزة ؛ وإن لم یخلُ الواقع ونفس الأمر من واحد منها ، لأنّ تلک الاُمور متأخّرة ولاحقة للماهیة .
وبالجملة : وصفا التنکیر والتعریف یعرضان علی الماهیة ، کما یعرضان علی الوجود والعدم وغیرهما ، مع أنّ ذاتها ـ بذاتها ـ لا تکون شیئاً منها ؛ ألا تری أنّه یقال فی تعریف الإنسان : «إنّه حیوان ناطق» مع أنّ التعیّن المفهومی لازم له عارض علیه ، وإلاّ فلو وضع لما یکون متعیّناً أو غیر متعیّن ، للزم أن یکون استعماله فی الآخر بلحاظ التجرید والمجازیة لو لم نقل بتعدّد الوضع ، مع أنّه لیس منهما .
فإذا تمهّد لک ما ذکرنا فیمکن أن یقال : إنّ اسم الجنس وضع لنفس الطبیعة الکذائیة ، وعلم الجنس موضوع لها بما هی متعیّنة وممتازة عن غیرها من الماهیات ، فعلی هذا لا یکون فرق بین «اُسامة» و«الأسد» فی الدلالة علی تعریف الجنس ، وإنّما الفرق من جهة اُخری ؛ وهی أنّ دلالة «اُسامة» بدالّ واحد ، بخلاف «الأسد» فإنّها بدالّین : دلالة «أسد» علی نفس الطبیعة ، ودلالة الألف واللام علی تعیّن تلک الطبیعة .
وبالجملة : اسم الجنس عبارة عن نفس الطبیعة التی لا تکون معرفة ولا نکرة ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 532
وعلم الجنس عبارة عن الطبیعة المتقیّدة بالتعیّن الجنسی ، کما هو الشأن فیما إذا دخلت الألف واللام علی اسم الجنس ، ولا فرق بین علم الجنس واسم الجنس المعرّف باللام إلاّ من جهة أنّ استفادة التعیّن فی الأوّل بلفظ بسیط وبدالّ واحد ، وفی الثانی بلفظ مرکّب من دالّین .
ولیعلم : أنّه لا یوجد لفظ بسیط یدلّ علی تنکیر الطبیعة کما کان فی علم الجنس ، بل یدلّ التنوین علی تنکیر الطبیعة ، فتکون استفادة تنکیر الطبیعة من تعدّد الدالّ والمدلول .
هذا هو الذی احتملناه فی علم الجنس ولعلّ المنصِف یری أنّ هذا الاحتمال أقرب ممّا أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره من لفظیة التعریف ؛ إذ بناءً علی هذا الاحتمال لاداعی لاختیار التعریف اللفظی الذی هو بعید عن الأذهان ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 533