المقصد الخامس فی المطلق والمقیّد

منها‏: اسم الجنس

منها : اسم الجنس

‏وهو کـ‏ ‏«إنسان» و«رجل» و«فرس» و«سواد» و«بیاض» و«الزوجیة»‏‎ ‎‏ونحوها من أسماء الکلّیات من الجواهر والأعراض والعرضیات‏ ‏. والحقّ أنّ اسم‏‎ ‎‏الجنس موضوع لنفس الماهیة المجرّدة من قید الوجود والعدم‏ ‏؛ حتّی من التقیید‏‎ ‎‏بکونها عاریة عن قید الإرسال وعدم الاشتراط‏ ‏، لأنّ الذات فی حدّ ذاتها مجرّدة عن‏‎ ‎‏کافّة القیود‏ .

‏وهذه الماهیة مجرّدة عن القیود وإن لم توجد ـ لا فی الذهن‏ ‏، ولا فی الخارج‏ ‏ـ‏‎ ‎‏ولا یمکن تعقّلها وتحقّقها مجرّدة عن کافّة الوجودات‏ ‏، ولکن یمکن تصوّرها مع الغفلة‏‎ ‎‏عن کافّة الوجودات واللواحق‏ ‏؛ لأنّ الماهیة الملحوظة وإن کانت موجودة بالوجود‏‎ ‎‏اللحاظی‏ ‏، لکنّ اللاحظ فی بدء لحاظه یکون غافلاً عن لحاظه غیر متوجّه إلاّ إلی‏‎ ‎‏معقوله‏ ‏؛ إذ لحاظ هذا اللحاظ الابتدائی یحتاج إلی لحاظ آخر‏ ‏، فلا یمکن أن تکون‏‎ ‎‏ملحوظاً بهذا اللحاظ‏ ‏، فلا محالة یکون لحاظ الماهیة مغفولاً عنه‏ ‏، وحیث إنّ غرض‏‎ ‎‏الواضع إفادة نفس المعانی‏ ‏، یکون الموضوع له نفس الماهیة لا بما هی موجودة فی‏‎ ‎‏الذهن وملحوظة‏ ‏، فاللفظ موضوع لنفس الماهیة بلا لحاظ السریان واللاسریان‏ ‏؛ وإن‏‎ ‎‏کانت بنفسها ساریة فی المصادیق‏ ‏، ومتحدة معها‏ ‏، لکن لا بمعنی انطباق الماهیة الذهنیة‏‎ ‎‏علی الخارج‏ ‏، بل بمعنی کون نفس الماهیة متکثّرة بتکثّر الوجود‏ ‏، وتوجد فی‏ ‏الخارج‏‎ ‎‏بعین وجود الأفراد‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 520
‏فظهر : أنّ الماهیة الموجودة فی الذهن ـ بلا لحاظ کونها فی الذهن ـ تصلح لأن‏‎ ‎‏تکون معنی لاسم الجنس فی الوضع وموضوعیته للحکم فی بعض الموارد‏ ‏؛ من دون‏‎ ‎‏تقییدها بقید اللابشرطیة‏ .

نعم ‏، یمکن أخذ اللابشرطیة بعنوان المعرّفیة والمشیریة إلی تلک الطبیعة بنحو‏‎ ‎‏السالبة المحصّلة‏ ‏؛ أی سلب الشرط‏ ‏، لا إثبات عدم الشرط بنحو الإیجاب العدولی‏ ‏،‏‎ ‎‏فإنّ لفظ «الإنسان» مثلاً موضوع لنفس طبیعة الحیوان الناطق المجرّدة عن جمیع‏‎ ‎‏القیود والطوارئ‏ ‏، ولذا یطلق علیها مهما وجدت‏ ‏، وهی التی ـ مع قطع النظر عن وضع‏‎ ‎‏اللفظ ـ لها أفراد وکثرات فی الخارج‏ ‏، وتتکثّر بتکثّرها‏ .

ونظیر‏ ما ذکرناه هنا ما یقال : «من أنّ الأصل فی المشتقّات المصدر» أو «اسمه»‏‎ ‎‏أو غیر ذلک ـ إن صدر عن محقّق عارف بالدقائق ـ إذ لا وجود لمادّة المشتقّات بما هی‏‎ ‎‏مادّة إذا لم تتصوّر بصورة‏ ‏؛ لاخارجاً‏ ‏، ولاذهناً‏ ‏، فلابدّ من ملاحظتها فی ضمن صورة‏‎ ‎‏ما‏ ‏، فتتحقّق المادّة المتحصّلة بصورة خاصّة ـ کالمصدر أو غیره ـ التی هی مبدأ‏‎ ‎‏للمشتقّات بلادخالة لتلک الصورة الخاصّة‏ ‏، فتکون الصورة دخیلة فی وجود المادّة‏ ‏،‏‎ ‎‏وأجنبیة عن حقیقتها‏ ‏، فعلی هذا یکون مرجع النزاع فی أنّ المصدر أصل أو اسمه أو‏‎ ‎‏غیرهما‏ ‏، هو أنّ الصورة التی تتصوّر بها المادّة أوّلاً‏ ‏، هل هی المصدر‏ ‏، أو اسمه‏ ‏،‏‎ ‎‏أوغیرهما؟ فتدبّر‏ .

ذکر وإعجاب

‏یظهر من المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ فی التعلیقة فی اسم الجنس وفی باب المطلق‏ ‏،‏‎ ‎‏مقال لا یتوقّع منه‏ ‏، فقال هنا ما حاصله : أنّه لامنافاة بین کون الماهیة فی مرحلة‏‎ ‎‏الوضع ملحوظة بنحو اللابشرط القسمی‏ ‏، وکون ذات المعنی موضوعاً له‏ ‏، فالموضوع‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 521
‏له فی اسم الجنس نفس المعنی‏ ‏، لا المعنی بما هومطلق وإن وجب لحاظه مطلقاً تسریة‏‎ ‎‏للوضع إلی الأفراد‏ .

‏وقال فی باب المطلق : «إنّ فی قوله : «أعتق رقبة» وإن لوحظت الرقبة مرسلة‏ ‏؛‏‎ ‎‏لتسریة الحکم إلی جمیع أفراد موضوعه‏ ‏، إلاّ أنّ ذات المحکوم بالوجوب عتق طبیعة‏‎ ‎‏الرقبة‏ ‏، لاعتق أیّ رقبة»‏‎[1]‎ .

‏وبالجملة : لابدّ للواضع فی اسم الجنس والحاکم فی المطلق‏ ‏، من ملاحظة‏‎ ‎‏السریان فی الأفراد مضافاً إلی لحاظ نفس الطبیعة‏ ‏؛ تسریة للوضع فی الأوّل‏ ‏، والحکم‏‎ ‎‏فی الثانی لها‏ ‏، مع أنّ الموضوع له فی الأوّل نفس المعنی‏ ‏، کما أنّ المحکوم علیه فی الثانی‏‎ ‎‏نفس الماهیة‏ .

‏وفیه ما لا یخفی‏ ‏؛ لأنّ الموضوع له فی اسم الجنس ـ کالوضع ـ إمّا یکون‏‎ ‎‏عامّاً‏ ‏، أو لا :‏

‏فإن کان الموضوع له عامّاً وأنّه نفس الطبیعة اللابشرط ـ کما هو الحقّ‏ ‏، وهو‏‎ ‎‏أیضاً معترف به ـ فتکون الأفراد أجنبیة عن دائرة الموضوع له‏ ‏، ویکون لحاظها‏‎ ‎‏وتسریة الوضع إلیها‏ ‏، لغواً لا معنی له‏ ‏؛ لکون لحاظ الأفراد علی هذا ـ کالحجر إلی‏‎ ‎‏جنب الإنسان ـ غیر مرتبط بحریم الموضوع له‏ ‏، ومجرّد انطباق الطبیعة اللابشرط علی‏‎ ‎‏الأفراد‏ ‏، لا یوجب وضع اللفظ لها‏ .

‏وأمّا إن کان الوضع بإزاء تلک الأفراد‏ ‏، فیلزم کون الموضوع له خاصّاً‏ ‏،‏‎ ‎‏وهو ‏‏قدس سره‏‏ غیر قائل به‏ ‏. مضافاً إلی خروجه عن محطّ البحث‏ ‏؛ أی کون الموضوع له‏‎ ‎‏الطبیعة اللابشرط‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 522
‏فظهر : أنّه لا معنی للحاظ الأفراد‏ ‏، ولا معنی لتسریة الوضع إلیها فی اسم‏‎ ‎‏الجنس‏ .

‏وهکذا الکلام فی المطلق‏ ‏، فإنّه لوکان الحکم فیه معلّقاً علی نفس الطبیعة‏ ‏، لما‏‎ ‎‏کان معنی لسرایة الحکم المعلّق علیها إلی الأفراد‏ ‏؛ لأنّ انطباق الطبیعة علی أفرادها‏‎ ‎‏یکون تکوینیاً قهریاً‏ ‏، فإذن لا یکاد یجدی لحاظ الأفراد وعدمه‏ ‏، فلیست الأفراد‏‎ ‎‏محکومة بحکم بمجرّد لحاظها‏ .

‏فتحصّل : أنّ مقاله ‏‏قدس سره‏‏ فی المقامین‏ ‏، لا یرجع إلی محصّل‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 523

  • )) نهایة الدرایة 2 : 493 .