المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

حول ما یستدلّ به علی عدم جواز التخصیص أو التقیید

حول ما یستدلّ به علی عدم جواز التخصیص أو التقیید

‏إذا أحطت خبراً بما ذکرنا‏ ‏، یظهرلک ضعف ما استدلّ به علی عدم جواز‏‎ ‎‏تخصیص أو تقیید العموم أو الإطلاق الکتابی بخبر الواحد‏ ‏، وهی وجوه :‏

منها‏ : أنّ الکتاب العزیز قطعی السند‏ ‏، وخبر الواحد ظنّی السند‏ ‏، فکیف ترفع‏‎ ‎‏الید عن القطعی بالظنّی؟!‏

وفیه‏ : أنّ الکتاب وإن کان قطعیاً بحسب الصدور‏ ‏، إلاّ أنّ العامّ أو المطلق ظنّی‏‎ ‎‏الدلالة‏ ‏، وخبر الواحد لا ینافیه من حیث السند‏ ‏، بل من حیث الدلالة‏ ‏، فیقدّم علیه‏‎ ‎‏بلحاظ أظهریة الخاصّ أو المقیّد فی مفاده من ظهور العامّ أو المطلق‏ ‏، فرفع الید عن‏‎ ‎‏عموم الکتاب أو إطلاقه بالخبر‏ ‏، من قبیل رفع الید عن الظنّی بمثله‏ .

ومنها‏ : أنّ حجّیة الخبر ثابتة بالإجماع‏ ‏، والقدر المتیقّن منه ما إذا لم یخالف‏‎ ‎‏عموم الکتاب أو إطلاقه‏ ‏. بل یمکن أن یقال : إنّه لا إجماع علی العمل بخبر الواحد فی‏‎ ‎‏عَرْض الکتاب العزیز‏ .

وفیه‏ : أنّا أشرنا إلی أنّ عمدة ما یستدلّ به لحجّیة خبر الواحد ـ بل الدلیل‏‎ ‎‏الوحید علیهاـ هو بناء العقلاء الممضی لدی الشرع‏ ‏، وقد أشرنا أیضاً إلی أنّ‏‎ ‎‏احتجاج العقلاء بأصالة العموم أو الإطلاق‏ ‏، هو بلحاظ تطابق الجدّ للاستعمال‏ ‏،‏‎ ‎‏ولا یکاد یحرز تطابقهما مع وجود خبر معتبر علی خلافه‏ ‏، بل یجمع بینهما فی محیط‏‎ ‎‏التقنین بتقدیم الخاصّ والمقیّد علی عموم الکتاب وإطلاقه‏ .

ومنها‏ : أنّه لو جاز تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد‏ ‏، لجاز نسخه به أیضاً‏ ‏،‏‎ ‎‏لأنّه قسم من التخصیص‏ ‏، وهو التخصیص بحسب الأزمان‏ ‏، والثانی باطل بالإجماع‏ ‏،‏‎ ‎‏فالمقدّم مثله‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509
وفیه‏ : ما أفاده اُستاذنا الأعظم البروجردی ‏‏قدس سره‏‏ : من أنّه أوّلاً : لم یرد دلیل‏‎ ‎‏قطعی علی عدم جواز نسخ الکتاب به. وثانیاً : أنّه لوفرض قیام دلیل قطعی علی‏‎ ‎‏عدم جواز نسخه به‏ ‏، لم یثبت بذلک عدم جواز التخصیص بسببه‏‎[1]‎ .

‏وفی «المحاضرات» جواب لطیف آخر‏ ‏، فلیلاحظ‏‎[2]‎ .

ومنها‏ : الأخبار الدالّة علی المنع من العمل بما خالف کتاب الله ‏ ‏؛ وأنّ ما خالفه‏‎ ‎‏زخرف‏ ‏، أو باطل‏ ‏، أو یضرب علی الجدار‏ ‏، أو«لم أقله»‏ . . ‏. وما شاکل ذلک‏ ‏؛ فإنّها‏‎ ‎‏شاملة للأخبار المخالفة لعمومات الکتاب ومطلقاته أیضاً‏ ‏، وعلیه فکیف یمکن‏‎ ‎‏تخصیصها أو تقییدها بها؟!‏

وفیه‏ : أنّا أشرنا إلی أنّ الظاهر ـ بل المقطوع به من تلک الأخبار ـ عدم شمولها‏‎ ‎‏المخالفة بنحو العموم والخصوص المطلقین‏ ‏، حیث یوفّق ویجمع بینهما مطلقاً‏ ‏، أو فی‏‎ ‎‏محیط التقنین‏ ‏، فلا تعدّ هذه المخالفة مخالفة عند العرف‏ ‏، کیف وقد صدرت عنهم‏‎ ‎‏صلوات الله علیهم أخبار کثیرة مخالفة لعموم الکتاب العزیز أو إطلاقه؟!‏

‏فالمراد بالمخالفة فی تلک الأخبار‏ ‏، المخالفة للکتاب بنحو التباین الکلّی‏ ‏، أو‏‎ ‎‏العموم والخصوص من وجه‏ .

‏فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لامانع من تخصیص عموم الکتاب أو تقیید مطلقه بخبر‏‎ ‎‏الواحد‏ ‏، بل علیه سیرة الأصحاب بلانکیر‏ .

‏هذا تمام الکلام فیما یتعلّق بالعامّ والخاصّ‏ ‏. والحمدلله أوّلاً وآخراً‏ ‏، وظاهراً‏‎ ‎‏وباطناً‏ ‏، وهو حسبنا ونعم الوکیل‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 510

  • )) نهایة الاُصول : 365 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 5 : 314 .