حول ما یستدلّ به علی جواز التخصیص والتقیید
منها : ما أفاده سماحة الاُستاذ دام ظلّه فی الدورة السابقة ، وحاصله :
أنّا ذکرنا فی محلّه أنّ عمدة ما یستدلّ به لحجّیة خبر الواحد ـ بل الدلیل الوحید فیها ـ هو بناء العقلاء الممضی عند الشرع ، ولیس للشارع تأسیس أو إعمال
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 505
تعبّد فی هذا ، ولا یأبی هذا عن تقدیم الخاصّ الخبری علی عموم الکتابی ، ولا یکون فیه أیّ محذور وإن کان سند أحدهما ظنّیاً والآخر قطعیاً ؛ لعدم وقوع التعارض بین السندین حتّی یتخیّل أنّ مقتضی التخصیص ، ترجیح ما هو ظنّی السند علی ما هو قطعی السند ، بل اختلافهما فی مقام الدلالة ، وواضح أنّ کلاًّ منهما ظنّی المفاد ، مع أظهریة الخاصّ أو المقیّد الخبری فی مفاده علی العموم أو الإطلاق الکتابی ، وقد أشرنا غیر مرّة إلی أنّ التخالف بین العامّ والخاصّ وکذا بین المطلق والمقیّد ـ فی محیط التقنین ـ لا یعدّ مخالفة ، ولذا یقول الله تعالی فی حقّ القرآن الکریم :«وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ الله ِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلاَفَاً کَثِیرَاً» مع وجود التخالف فی القرآن بالعموم والخصوص ، والإطلاق والتقیید کثیراً ، فیستفاد منه بوضوح أنّه لا یعدّ التخصیص أو التقیید ، اختلافاً وتناقضاً فی محیط التقنین ، ولذا یخصّص العامّ أو المطلق المتواترین بخبر الواحد ، مع اشتراکهما مع القرآن الکریم فی القطعیة .
وبالجملة : إنّ التعارض بین العموم والخصوص والمطلق والمقیّد ، لا یکون تعارضاً حقیقیاً فی محیط التقنین ، فلا یعمّهما ما ورد من قوله علیه السلام : «ما لم یوافق من الحدیث القرآن فهو زخرف» أو «باطل» ، أو یجب طرحه ، أو ضربه علی الجدار ، أو أنّه لم یقله المعصوم علیه السلام . . . إلی غیر ذلک من التعابیر ، ولذا نری وجود مخصّصات أو مقیّدات فی نفس الآیات من غیر نکیر ، مع تصریح القرآن الکریم بعدم وجود الاختلاف فیه ، ولیس هذا إلاّ لأجل عدم عدّ التخصیص أو التقیید ، اختلافاً وتناقضاً فی محیط التقنین وإن کان بینهما تعارض وتخالف فی غیر محیط التقنین ، ضرورة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 506
أنّ نقیض الموجبة الکلّیة السالبة الجزئیة .
وبالجملة أنّ التنافی المتوهّم بینهما بدواً ، إنّما هو بین دلالة عموم الکتاب أو إطلاقه ، وبین دلالة الخبر ؛ ضرورة تنافی الموجبة الکلّیة مع السالبة الجزئیة ، إلاّ أنّه قد تعارف التخصیص والتقیید فی محیط التقنین ؛ بحیث قیل : «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ» و«ما من مطلق إلاّ وقد قیّد» فیجمع بینهما بتقدیم الأظهر ـ أی الخاصّ أو المقیّد فی مفادهما ـ علی الظاهر ؛ أی العامّ أو المطلق فی مفادهما ، فمرکز توهّم التنافی إنّما هو بین عموم العامّ والمطلق ، وبین مفاد الخبر ، فمرجع التنافی لابدّ وأن یکون من هذه الجهة ، وقد أشرنا إلی أنّه یوفّق بینهما بتقدیم الخاصّ أو المقیّد علی العامّ والمطلق ، لأظهریته فی مفاده من ظهور العامّ أو المطلق فی مفاده ، فتدبّر .
فإذن لابدّ من إرجاع تلک الأخبار إلی التباین الکلّی ، أو العموم من وجه ، فقد کان باب الافتراء والتکذیب من خصماء أئمّة أهل البیت علیهم السلام مفتوحاً علی مصراعیه ، وکانوا یدسّون فی کتب أصحاب أبی جعفر علیه السلام کما هو مذکور فی کتب التراجم والرجال ، وغرضهم من هذا ، الحطّ من مقامهم السامی بالأکاذیب والافتراء علیهم عند الناس ، وإعراضهم عن أبوابهم ، بل سدّ أبوابهم ، ففعلوا ما فعلوا وأتوا بما قدروا ولکن أبی الله إلاّ أن یتمّ نوره ولو کره المشرکون ، ولو کره الکافرون . فالقول بأنّ الدسّ منهم فی أخبار أئمّة أهل البیت علیهم السلام لم یکن علی نحو التباین والتناقض أو العموم من وجه ، فی غیر محلّه .
ولو شملت تلک الأخبار ، المخالفة بالعموم والخصوص والمطلق والمقیّد لزم عدم جواز تخصیص أو تقیید العموم أو المطلق الکتابی بالخبر المتواتر ، وهو کما تری .
ومنها : استقرار سیرة الأصحاب علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب الکریم من زماننا هذا إلی زمن أئمّة أهل البیت علیهم السلام والنبی الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507
وکان ذلک بمرأی من الشارع الأقدس من دون ردع ، وهذا کاشف عن رضاهم صلوات الله علیهم .
واحتمال أن یکون عملهم بالأخبار المخصّصة والمقیّدة للعمومات والمطلقات الکتابیة بلحاظ القرائن القطعیة الحافّة بها الموجبة للقطع بصدورها ، واضح البطلان ؛ ضرورة أنّه لو کان عملهم لأجل القرینیة لَبان وظهر ؛ لکثرة موارد العمل بها قبال العمومات والمطلقات مع عدم ظهور القرینة ، فیکون من موارد مایقال : «إنّ عدم الوجدان دلیل قطعی علی عدم الوجود» . فتحصّل : أنّ قیام السیرة المستمرّة الممضاة علی العمل بتلک الأخبار ، لیس لاحتفافها بالقرینة ، بل لحجّیة خبر الواحد نفسه ، فما تردّد فی بعض الألسن من الإشکال فی السیرة غیر سدید ، بل واضح البطلان کما قیل .
ومنها : أنّه لولا جواز العمل بخبر الواحد قبال عمومات الکتاب ومطلقاته ، للزمت اللغویة فی أدلّة جعل خبر الواحد ؛ لندرة وجود خبر لا یخالف عموم الکتاب أو مطلقه ، ولذا صرّح المحقّق الخراسانی بأنّ الخبر غیر المخالف للکتاب ، إمّا غیر موجود ، أو نادر ملحق بالعدم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 508