ما یعتبر فی صحّة النسخ
وقع الکلام فی أنّه هل یعتبر فی النسخ صیرورة الحکم المنسوخ فعلیاً ؛ بحیث تکون جمیع شروط الحکم فعلیة ، سواء عملوا به ، أم لم یعملوا ، أو لا یعتبر ذلک ، فیصحّ نسخ الحکم قبل حضور وقت العمل ، بل یصحّ أن ینسخ الحکم قبل صیرورته فعلیاً ، أو یکفی فیه تحقّق شروط تقرّبه إلی مرحلة الفعلیة ، ویکون الحکم مراهقاً لها؟ وجوه :
یظهر من صدر کلام المحقّق الخراسانی قدس سره أنّه یعتبر فی النسخ أن لا یکون قبل
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 492
حضور وقت العمل ، ولکن یظهر من أثناء کلامه أنّه یمکن أن ینسخ الحکم قبل وقت العمل أیضاً ، ووافقه فی ذلک العلمان العراقی والحائری وحیث إنّ المحقّق العراقی قدس سره ذکر وجه ذلک مفصّلاً ، لذا نذکره أوّلاً ثمّ نعقّبه بما یرد علیه ، ثمّ نشیر إلی ما ذکره شیخنا العلاّمة قدس سره ومافیه .
قال المحقّق العراقی قدس سره فی ضمن بیان مطلب آخر :
إنّ کون النسخ عبارة عن رفع الحکم الفعلی ، فی غایة المتانة ، وإنّما الکلام فی میزان فعلیة الحکم ، ولکن هل المراد بالحکم الفعلی ـ ببیان منّا ـ ما تحقّقت فیه جمیع الشروط ، وارتفعت عنه جمیع الموانع ؛ بحیث تکون فعلیة الحکم مساوقةً لمحرّکیة العبد فعلاً ، أو المراد به حصول مقدار من الشروط وارتفاع موانع کذلک ؛ بحیث تکون
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 493
فعلیته مساوقة لمحرکیة الاشتیاق نحو الشیء المنوط بقیوده فی لحاظ الآمر فی فرض تحقّق قیوده؟
ولکن یستحیل أن یراد بفعلیة الحکم المعنی الأوّل ؛ لأنّ محرّکیة العبد فعلاً ، من شؤون تطبیق العبد مضمون الخطاب علی المورد ، وهو فی الرتبة المتأخّرة عن الخطاب ، ویستحیل أن یؤخذ فی مضمونه ، فلا محیص من إرادة المعنی الثانی ، فإذن لیست فعلیة الحکم إلاّ محرّکیة الاشتیاق للآمر ؛ بإبرازه علی عبده توطئة لتطبیقه علی المورد ، فیتحرّک من قبله ، فحینئذٍ لوکان المراد من النسخ رفع الحکم الفعلی ، فلابدّ وأن یکون المقصود منه رفع مضمون الخطاب بما له من الفعلیة المناسبة له ، لا بالفعلیة المناسبة لتطبیق العبد مضمونه علی مورده .
فعلی هذا یکون تصوّر النسخ فی الموقّتات والمشروطات قبل وقتها وشرطها ، بمکان من الإمکان ، بل لابدّ وأن یکون النسخ فی الأحکام جمیعها من هذا الباب ؛ حتّی فی ظرف وجود الشرط خارجاً ، إذ فی هذا الظرف لا ینقلب مضمون الخطاب الصادر من المولی ؛ لاستحالة شمول مضمونه ولو بترقّیه مرتبة منوطة بمقام تطبیقه المتأخّر عنه رتبة ، فما هو من شؤون التطبیق ـ وجد أم لم یوجد ـ أجنبی عن مضمون الخطاب ، ولا یوجب قلب مضمونه من مرتبة إلی مرتبة ، بل الخطاب بما له من المضمون محفوظ فی مرتبة نفسه ؛ وجد الشرط المزبور خارجاً ، أم لم یوجد .
إلـی أن قال : «ویکفی شاهـداً لما ذکـرنا فـی المقـام ، أنّـه لو قـال المولـی : «إن جاءک زید أکرمـه» ثمّ بعـد هنیئـة قال : «فسخت هذا الحکم» ولو قبل مجیء زیـد ، لا یری العرف قبح هـذا الکلام واستهجانـه کما لا یخفی . ولعمری ، إنّ مثل هـذا الوجدان أعظم شاهد علی المدّعی ؛ من عدم احتیاج صحّة النسخ إلی حضور
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 494
وقت العمل ووجود شرائط الحکم خارجاً» .
وفیه : أنّه لو أنشأ الشارع الأقدس حکماً مشروطاً بشرط ـ کالحجّ المشروط بالاستطاعة ـ قبل تحقّق الشرط ، ورفع ذلک الحکم ، فلا یخلو إمّا أن یکون مراداً له جدّاً قبل الحکم المجعول أوّلاً ، وکان یری الصلاح فی إیجابه ، ولکن بعد ذلک بدا له فیه وانکشف خلافه ؛ بأن ظهر فساده .
أو لم یرده جدّاً ، وإنّما ألقاه صوریاً لمصلحة :
فعلی الأوّل : یلزم البداء المستحیل فی حقّه تعالی .
وعلی الثانی : لا یصدق النسخ ؛ لأنّه إعلام بزوال الحکم الشرعی ، والمفروض أنّه لیس حکماً شرعیاً حقیقیاً ، وإنّما هو صورة للحکم ، فلا یصدق علی رفعه النسخ .
وأمّـا المثال الـذی استند إلیـه قدس سره لا یکون دلیلاً له ؛ لأنّه لا مانـع مـن
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 495
تصویر البـداء ـ المستحیل فی حقّـه تعالی ـ فـی حـقّ الموالی العـرفیین ؛ فإنّ مـن قال : «إن جاءک زید أکرمه» یمکن أن یکون معتقداً بأنّ الإکرام عند مجیء زید ذو مصلحـة ملزمـة ، وبعـد هنیئـة یبدو له فی ذلک ؛ وأنّه غیر ذی مصلحة ، لذا ینسخه ، ولا مانع ولا إشکال فیه ، ولکن کیف یکون هذا شاهداً لمورد یستحیل البداء فی حقّه؟! فتدبّر .
إذا أحطت خبراً بما ذکرنا ، یظهرلک النظر فیما قاله شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره : «من أنّه لا یشترط فی النسخ أن یکون وارداً بعد وقت العمل ؛ لأنّه من الممکن أن یکون وجود المصلحة ، فی جعل حکم ونسخه قبل زمان العمل به» .
وجه النظر : هو أنّه علی هذا لا یکون الحکم المنسوخ حقیقیاً ، بل یکون صوریاً ، وقد أشرنا إلی أنّه یعتبر فی النسخ أن یکون الحکم المنسوخ حقیقیاً .
فظهر بما ذکرنا : أنّه یعتبر فـی الحکم المنسوخ ، أن یکون فعلیاً حقیقیاً عمل به فی برهة مـن الزمان ، وظهر أنّ النسخ لیس تخصیصاً زمانیاً ، والحکم المنسوخ ملقی بصورة العموم ، وغایة ما هناک أنّ الحکم المنسوخ ، غیر موقّت بوقت ومطلق بحسب الزمان ، والناسخ کأنّه یقیّده ، ولأجل ذلک لا یکون ورود دلیل الناسخ بعد العمل بالمنسوخ بزمان قلیل مستهجناً ، کما هو الغالب فـی الشریعة ، فإنّه قد نسخ بعض الأحکام المجعولة فی بدء الأمر فی أواخر البعثة ، وإلاّ فلو کان الحکم الملقی بصورة العموم فی عمود الزمان إلی یوم القیامة ، یکون تخصیصـه فی حصّـة مـن الزمان مستهجناً ، ألا تـری أنّه إذا قیل : «أکرم جمیع العلماء» ثمّ خصّـص معظمه بنحو لم یبق
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 496
إلاّ إکرام أفراد قلیلة ، یکون مستهجناً!! هذا کلّه فی ماهیة النسخ ثبوتاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 497