تذنیب : فی التمسّک بالأصل العملی فی المقام عند الشکّ والإجمال
قد عرفت : أنّه لا إشکال فی أنّ القدر المتیقّن ، رجوع الضمیر إلی الأخیرة ؛ لأنّ عوده إلی غیرها وصرفه عنها ، خلاف الارتکاز وقانون المحاورة . فإذا لم یمکن الاستظهار بالنسبة إلی ما عدا الأخیرة ، هل یصحّ الأخذ بأصالة العموم فی سائر الجمل مطلقاً ، أو لا یمکن الأخذ کذلک ، بل المرجع الأصل العملی ، کما اختاره فی «الکفایة» أو یفصّل بین ما إذا استفید العموم من اللفظ ، أو من مقدّمات الحکمة ، فیجوز فی الأوّل ، دون الثانی؟وجوه .
والذی یقتضیه النظر عدم صحّة التمسّک بأصالة العموم مطلقاً ؛ لما أشرنا غیر مرّة من أنّ مجرّد ظهور الکلام فی أمر ، لا یصحّح الاحتجاج به ، بل لابدّ فی ذلک من إحراز تطابق الجدّ للاستعمال ، ومع قرینیّة الاستثناء الواقع فی الکلام لا یکاد یحرز ذلک ؛ فإنّ أصالة العموم إنّما تکون حجّة ، فیما إذا اُحرز تطابق الجدّ للاستعمال ، وذلک فیما إذا ورد ما یصلح للقرینیة بعد استقرار ظهور الکلام فی کلام منفصل ، ولکنّه خارج عن محطّ البحث ؛ لأنّه فی الاستثناء المتصل بالکلام ، فحیث حفّ الکلام بما یصلح للقرینیة وتقیید مدخول إرادة العموم ، فلا یکاد یحرز عند ذلک تطابق الإرادتین ، فیصیر الکلام مجملاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 489
وتوهّم : أنّ ذلک مخلّ بغرض المتکلّم ، مدفوع بإمکان تعلّق غرضه أحیاناً بإلقاء الکلام المجمل ، وإلاّ لوجب أن لا یصدر المتشابهات والمجملات ، وهو کما تری .
إن قلت : إنّ أصالة الإطلاق فی الاستثناء والمستثنی ، جاریة فی حدّ نفسها لو لا حکومة أصالة العموم علیها ، ومعها لامجال لقرینیة الإطلاق ؛ لأنّه دوری ، نعم لوکانت دلالة العموم بمقدّمات الحکمة ، لم یکن وجه لتقدیم أصالة العموم ، ولکنّه بمعزل من التحقیق .
قلت أوّلاً : إنّ العموم وإن کان وضعیاً لا یحتاج إلی جریان المقدّمات ، لکنّک عرفت أنّه بمجرّد ذلک ، ما لم یحرز تطابق الجدّ للاستعمال ، لا یصلح للاحتجاج به ، ولا یکاد یحرز فیما إذا حفّ الکلام بما یصلح للقرینیة وتقیید مدخول أداة العموم .
وبالجملة : لم یحرز بناء العقلاء فی العمل بأصالة العموم عند احتفاف الکلام بمایصلح للقرینیة .
وثانیاً : إنّ إطلاق المستثنی تابع لإطلاق الضمیر المشتمل علیه ، ولا یعقل أن یکون الإطلاق مشخّصاً لمرجع الضمیر ، وإلاّ للزم الدور .
وهکذا الإشکال فی صورة عدم اشتماله علی الضمیر ؛ لصحّة انطباق عنوانه علی الجمیع ، سواء قلنا : إنّ الضمیر منوی أم لا ، فحینئذٍ لا تکون أصالة الجدّ محرزة ، فتأمّل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 490