المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

فی إمکان رجوع الاستثناء إلی الجمیع ثبوتاً

فی إمکان رجوع الاستثناء إلی الجمیع ثبوتاً

‏وقد یذکر فی المقام إشکال ثبوتی : وهو عدم إمکان الرجوع إلی الجمیع فیما إذا‏‎ ‎‏کانت آلة الاستثناء حرفاً‏ ‏؛ فإنّ التحقیق أنّ الموضوع فی الحروف خاصّ‏ ‏، کالوضع‏ ‏،‏‎ ‎‏فلابدّ وأن تستعمل لفظة «إلاّ»فی إخراج خاصّ‏ ‏؛ أی ما یکون إخراجاً بالحمل‏‎ ‎‏الشائع‏ ‏، فإن استعملت فی إخراجات متعدّدة‏ ‏، یلزم استعمال اللفظ فی أکثر من معنی‏‎ ‎‏واحد‏ ‏، وقد حقّق فی محلّه عدم جواز ذلک‏ ‏؛ لأنّ اللفظ فانٍ فی المعنی ووجهه وعنوان‏‎ ‎‏له‏ ‏، ولا یجوز عقلاً أن یکون شیء واحد فانیاً فی أکثر من معنی واحد‏ ‏. بل محذور‏‎ ‎‏استعمال الحروف فی الأکثر أشدّ من غیرها‏ ‏؛ لأنّها تکون آلات لملاحظة الغیر‏ ‏، فیلزم‏‎ ‎‏أن یکون شیء واحد فانیاً فی شیئین أو أکثر‏ ‏. هذا بالنسبة إلی آلة الاستثناء‏ .

‏وقد یورد هذا المحذور فی المستثنی أیضاً‏ ‏؛ وذلک فیما إذا کان المستثنی لفظاً‏‎ ‎‏مشترکاً‏ ‏، کلفظ «زید» إذا کان مشترکاً بین عدّة أشخاص‏ ‏، ویکون فی کلّ جملة‏‎ ‎‏شخص مسمّی بزید‏ ‏، فإخراج کلّ منهم بلفظ واحد‏ ‏، مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر‏‎ ‎‏من معنی واحد‏ .

‏فظهر : أنّ الرجوع إلی الجمیع‏ ‏، یستلزم استعمال آلة الاستثناء أو المستثنی‏‎ ‎‏أحیاناً‏‎[1]‎‏ فی أکثر من معنی واحد‏ ‏، وقد حقّق فی محلّه عدم الجواز‏ ‏، فإذا لم یمکن‏‎ ‎‏الرجوع إلی الجمیع وامتنع‏ ‏، فالقدر المتیقّن الرجوع إلی الجملة الأخیرة‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 484
ولا یخفی‏ : أنّ الإشکال غیر وارد‏ ‏؛ لما أشرنا فی محلّه من جواز استعمال اللفظ‏‎ ‎‏الواحد فی أکثر من معنی واحد‏ ‏، بل ربما یکون مستحسناً‏ ‏، وأنّ حدیث فناء اللفظ فی‏‎ ‎‏المعنی وکونه وجهاً وعنواناً له‏ ‏، أشبه بالخطابة‏ ‏؛ بلافرق فی ذلک بین الحروف والأسماء‏ ‏،‏‎ ‎‏والسرّ فی ذلک أنّ الاستعمال عبارة عن طلب عمل اللفظ فی المعنی‏ ‏، وجعل اللفظ‏‎ ‎‏علامة وأمارة علیه‏ ‏، فکما یصحّ أن یکون شیء واحد أمارة وعلامة علی أشیاء‏‎ ‎‏متعدّدة‏ ‏، فکذلک یصحّ أن تکون لفظة واحدة أمارة وإشارة إلی معانٍ متعدّدة‏ .

ولو سلّم‏ عدم جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد‏ ‏، فنمنع کون المقام‏‎ ‎‏من ذلک‏ ‏؛ لأنّه إذا کان المستثنی عنواناً منطبقاً علی الجمیع کعنوان «الفاسق» فواضح‏‎ ‎‏أنّه لم یستعمل فی الأکثر‏ ‏، ولفظة «إلاّ» مثلاً مخرجة لهذا المعنی الواحد القابل للانطباق‏‎ ‎‏علی الجمیع‏ ‏، فکما أنّ نداء جماعة بلفظة «یا» لا یوجب أن یکون هناک خطابات‏‎ ‎‏وإشارات‏ ‏، فکذلک فی المقام لا یوجب إخراجات‏ .

‏وبالجملة : کما أنّ الإشارة إلی جماعة لا توجب تعدّداً فی الإشارة‏ ‏، بل غایة ما‏‎ ‎‏هناک التعدّد فی المشار إلیه‏ ‏، فکذلک إخراج عنوان منطبق علی الجمیع لا یوجب أن‏‎ ‎‏یکون هناک إخراجات‏ ‏، وکذا إذا کان المستثنی فرداً مشترکاً‏ ‏؛ لأنّه یأوّل بالمسمّی‏ ‏،‏‎ ‎‏فیکون واحداً‏ ‏، ولفظة «إلاّ» تخرج هذا المعنی‏ ‏، فتکون لفظة «زید» المشترکة نظیر‏‎ ‎‏«زیدون» فکما أنّ فی قولنا «إلاّ زیدین» لم تستعمل لفظة «إلاّ» فی الأکثر‏ ‏، فکذلک فیما‏‎ ‎‏إذا کان المستثنی مسمّی بزید‏ .

وإن أبیت‏ عمّا ذکرناه فالإشکال مختصّ بما إذا کانت آلة الاستثناء حرفاً‏ ‏، وأمّا‏‎ ‎‏إذا کانت اسماً فلا محذور حینئذٍ‏ .

‏فتحصّل ممّا ذکرنا عدم تمامیة الإشکال وإمکان إرجاع الاستثناء إلی الجمیع‏ ‏،‏‎ ‎‏وأنّه لامحذور فی البین‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 485

  • )) قلت : أفاد سماحة الاُستاذ فی الدورة السابقة ـ کما فی کرّاستناـ : أنّه لوقلنا بأنّ الموضوع له فی الحروف عامّ ، کما یراه المحقّق الخراسانی قدس سره أو کانت آلة الاستثناء اسماً ، کلفظة «غیر» أو کان المستثنی عنواناً کلّیاً ، أو کان بحیث یصدق علیه عناوین المأخوذة فی الجمل مع کون آلة الاستثناء اسماً کقولک : «أکرم الفقهاء ، وأضف النحاة ، وشاور الاُمراء ، غیر الفسّاق منهم» فلا إشکال فی إرجاع الضمیر إلی الجمیع ، فتدبّر.] المقرّر حفظه الله ]