المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

تفصیل المحقّق النائینی فی المقام وما یرد علیه

تفصیل المحقّق النائینی فی المقام وما یرد علیه

‏وأمّا لواستفید کلّ من العموم والإطلاق من مقدّمات الحکمة‏ ‏؛ سواء وقعا فی‏‎ ‎‏کلام واحد‏ ‏، أو متعدّد‏ ‏، فهل یقدّم المفهوم علی العامّ‏ ‏، أو یتساقطان فیوجب الإجمال؟‏‎ ‎‏وجهان‏ ‏، بل قولان‏ .

یظهر‏ من المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ اختیار الأوّل‏ ‏؛ لأنّه قال : «إنّ المفهوم المخالف‏‎ ‎‏مهما کان أخصّ من العامّ‏ ‏، یقدّم علی العامّ‏ ‏، ویخصّص به مطلقاً‏ ‏؛ سواء کان العامّ‏‎ ‎‏متصلاً بالقضیة التی تکون ذات مفهوم‏ ‏، أو منفصلاً عنها‏ ‏، ولا یصلح أن یکون العامّ‏‎ ‎‏قرینة علی عدم کون القضیة ذات مفهوم‏ ‏؛ لما سبق فی المفاهیم من أنّ العبرة فی کون‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 480
‏القضیة ذات مفهوم‏ ‏، هی أن یکون القید راجعاً إلی الحکم‏ ‏؛ لأنّها وضعت لتقیید جملة‏‎ ‎‏بجملة اُخری‏ .

‏وبعبارة اُخری : یکون القید فی رتبة الإسناد‏ ‏، لا فی الرتبة السابقة علی‏‎ ‎‏الإسناد‏ ‏؛ فإنّه لوکان التقیید قبل الإسناد‏ ‏، کان القید راجعاً إلی الموضوع‏ ‏، وتکون‏‎ ‎‏القضیة مسوقة لفرض وجود الموضوع‏ ‏، بخلاف ما إذا کان التقیید فی رتبة الإسناد‏ ‏،‏‎ ‎‏فإنّ القید حینئذٍ یکون راجعاً إلی الحکم‏ ‏، ویکون من تقیید جملة بجملة اُخری‏ ‏،‏‎ ‎‏وحیث إنّ القضیة الشرطیة مثلاً ظاهرة فی کون القید راجعاً إلی الحکم ـ لأنّها‏‎ ‎‏وضعت لتقیید جملة بجملة کما عرفت ـ فتکون القضیة الشرطیة بنفسها ظاهرة فی‏‎ ‎‏کونها ذات مفهوم‏ ‏، وأصالة العموم فی طرف العامّ‏ ‏، لا تصلح أن تکون قرینة علی کون‏‎ ‎‏القید راجعاً إلی الموضوع‏ ‏؛ لأنّ العموم إنّما یستفاد من مقدّمات الحکمة الجاریة فی‏‎ ‎‏مصبّ العموم‏ ‏، وظهور القضیة فی المفهوم وإن کان بمقدّمات الحکمة‏ ‏، لکنّه مقدّم‏‎ ‎‏وحاکم علی جریان مقدّمات الحکمة فی طرف العامّ‏ ‏؛ لأنّ المقدّمات الجاریة فی طرف‏‎ ‎‏المفهوم‏ ‏، تکون بمنزلة القرینة علی أنّ المراد من العامّ هو الخاصّ‏ ‏، والعامّ لا یصلح لأن‏‎ ‎‏یکون قرینة علی کون القضیة الشرطیة‏ ‏، مسوقة لفرض وجود الموضوع‏ ‏؛ لأنّ کون‏‎ ‎‏القضیة مسوقة لفرض وجود الموضوع یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه‏ . . . » .

‏إلی أن قال : «هذا إذا کان المفهوم أخصّ مطلقاً من العامّ‏ ‏. وأمّا لوکان أعمّ من‏‎ ‎‏وجه فیعامل معهما معاملة العموم من وجه‏ ‏؛ فربما یقدّم المفهوم فی مورد الاجتماع‏ ‏،‏‎ ‎‏وربما یقدّم العامّ»‏‎[1]‎ .

أقول‏ : لعلّ منشأ التفصیل الذی ذکره فی المقام‏ ‏، هو اُنس ذهنه الشریف بأنّ‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 481
‏الخاصّ یقدّم علی العامّ مطلقاً‏ ‏، وأنّ العامّین من وجه یؤخذ بما هو الأرجح منهما‏ ‏،‏‎ ‎‏مع أنّ الأمر لیس کذلک‏ ‏؛ لأنّ المعارضة لم تکن بین العامّ وبین المفهوم أوّلاً وبالذات‏ ‏،‏‎ ‎‏حتّی یلاحظ حال المفهوم من حیث الأخصّیة والأعمّیة‏ ‏، بل بین ما له المفهوم‏ ‏،‏‎ ‎‏وبین ما یدلّ علی العموم‏ ‏، فیکون التعارض فی الرتبة السابقة علیهما‏ ‏؛ وفی الألفاظ‏‎ ‎‏الدالّة علی المفهوم والعموم‏ ‏، فلابدّ من رفع التعارض هناک‏ ‏، ومعلوم أنّ استفادة کلّ‏‎ ‎‏منهما ـ‏ ‏حسب الفرض ـ مرهونة بجریان المقدّمات‏ ‏، فلاوجه لجعل أحدهما بیاناً‏‎ ‎‏للآخر‏ ‏، ولا لکون جریان المقدّمات فی المفهوم بمنزلة القرینة للعامّ‏ ‏، لیقدّم الإطلاق‏‎ ‎‏فی المفهوم فی خصوص ما یکون المفهوم أخصّ‏ ‏، مع أنّه لوکان الإطلاق فی أحدهما‏‎ ‎‏مقدّماً علی الآخر‏ ‏، لکان ینبغی أن یقدّم ولو فیما إذا کانت النسبة بینها عموماً من‏‎ ‎‏وجه‏ ‏، ولم یقل به‏ .

‏ثمّ إنّ جریان مقدّمات الحکمة فی العامّ‏ ‏، لا یوجب رجوع القید فی الشرطیة إلی‏‎ ‎‏الموضوع‏ ‏؛ حتّی یقال : إنّ أصالة الإطلاق فی طرف العامّ لا تصلح لذلک‏ ‏، بل یمنع‏‎ ‎‏جریانها فی الشرطیة لإثبات الانحصار‏ .

‏هذا مضافاً إلی أنّه قد سبق : أنّ باب العموم غیر باب الإطلاق‏ ‏، وأنّ دلالة‏‎ ‎‏العامّ علی العموم لم تکن مرهونة بجریان المقدّمات فی مصبّ العموم‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 482

  • )) فوائد الاُصول 1 : 561 .