تحدید محلّ النزاع
ظاهر عناوین القوم أنّ النزاع إنّما هو بعد الفراغ عن اشتمال القضیة علی المفهوم ؛ ووقوع التعارض بین المفهوم وما له المفهوم فی حدّ نفسه ، سواء کانت النسبة بینهما عموماً مطلقاً ، کما لو ورد «أکرم کلّ عالم» وورد «إن جاءک زید فلا تهن فسّاق العلماء» أو کانت النسبة عموماً من وجه ، کما لو ورد «أکرم العلماء» وورد «إن جاءک زید فأکرم الفسّاق» .
ولعلّ الوجه فی تعمیم محطّ البحث لصورة کون النسبة بین العامّ والمفهوم عموماً مطلقاً ، أنّ أقوائیة العامّ توجب ضعف اشتمال ظهور القضیة علی المفهوم ؛ وإن کان المفهوم أخصّ مطلقاً من العامّ ، وهذا لا ینافی اشتمال القضیة فی حدّ ذاتها علی المفهوم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 476
ولکن یظهر من بعض الأکابر ، وشیخنا العلاّمة الحائری أنّ الکلام فی تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف عند القدماء فی الحقیقة ، هو الکلام بین المطلق والمقیّد ، وحکمه ـ بعد إحراز وحدة الحکم ـ هو حمل المطلق علی المقیّد .
وقد أوضحه بعض الأکابر قدس سره بما حاصله : أنّ المستفاد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شیء إلاّ ما غیّر لونه وطعمه» ، هو أنّ تمام الموضوع لعدم التنجّس ، هو عنوان الماء ، و لادخالة لقید آخر فی هذا الحکم ، ویستفاد من قوله علیه السلام : «إذا بلغ الماء قدر کرّ لا ینجّسه شیء» ، أنّ الماء بقید الکرّیة موضوع لعدم التنجّس ، ولأجل ذلک یستفاد منه المفهوم ، ومفاده أنّ عنوان الماء جزء الموضوع ، وجزؤه الآخر عبارة عن الکرّیة ، فالتعارض بین الدلیلین تعارض الإطلاق والتقیید ، وحیث إنّ ظهور القید فی کونه دخیلاً أقوی من ظهور المطلق فی مفاده ، فلا محالة یحمل المطلق علی المقیّد .
وأنت خبیر : بأنّ ما اُفید خروج عن محطّ البحث وعنوانه بلادلیل ؛ لأنّ محطّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 477
البحث تعارض العامّ مع ما یشتمل علی المفهوم ، ومجرّد دخالة شیء فی حکم غیر المفهوم ؛ لأنّ غایة ما یستفاد من ذکر القید دخالته فی ترتّب الحکم علی الموضوع ، وهذا غیر وافٍ بإثبات الحکم ما لم ینضمّ إلیه کون القید علّة منحصرة ، وبعد استفادة العلّیة المنحصرة یکون له مفهوم ؛ وهو فی المثال المذکور : إذا لم یبلغ الماء قدر کرّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 478
ینجّسه کلّ شیء من النجاسات ، أو شیء منها ؛ علی الاختلاف فی المراد بالمفهوم .
وعلی أیّ تقدیر : یکون بین الشرطیة المشتملة علی هذا المعنی فی حدّ نفسها وبین عموم قوله : «خلق الله الماء طهوراً لا ینجّسه شیء» ـ لوکان المفرد المعرّف باللام مفیداً للعموم ـ تعارض .
ولیعلم : أنّ سرّ اختلاف القوم هنا فی تقدیم المفهوم المخالف ؛ وأنّه إن استفید المفهوم من الوضع فکذا ، وإن استفید المفهوم من الإطلاق فکذا ، مع اتفاقهم فی محلّه علی تقدیم الخاصّ علی العامّ ؛ وأنّ المتعارضین لوکان بینهما عموم من وجه یقدّم ما هو الأرجح ، هو أنّ المعارض للعامّ هنا لیس هو المفهوم ، بل ما یکون له مفهوم لو خلّی وطبعه ، کالقضیة الشرطیة ، ولذا یختلف الحال فی استفادة المفهوم من القضیة باختلاف المشارب فی ذلک .
وبالجملة : التعارض بین العامّ ودلالة الجملة الشرطیة مثلاً علی الانحصار ، لا بین العامّ والمفهوم الأخصّ أو الأعمّ ، نعم ینتج انحصار الشرط مفهوماً یکون أخصّ من العامّ تارة من وجه ، وأعمّ منه من وجه اُخری .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 479