بیان مختارنا وأنّه التفصیل
التحقیق فی المقام هو التفصیل ؛ فإذا لم یکن فی الکلام قرینة متصلة توجب اختصاص الحکم فی ناحیة الضمیر ببعض أفراد العامّ ، بل فهم ذلک من دلیل منفصل ، فلا یوجب ذلک قدحاً فی عموم العامّ ومجازیته فیه ، بل حکمه حکم سائر العمومات ، وقد أشرنا ـ لعلّه بما لامزید علیه ـ إلی أنّ ألفاظ العموم مستعملة فی معانیها ؛ ففی الآیة المبارکة اُطلقت«المُطَلَّقَات» واُرید منها جمیع المطلّقات ، ولو لاقیام الدلیل من الخارج والسنّة علی اختصاص الحکم فی مورد الضمیر بالرجعیات لحکمنا برجوع ضمیر«وَ بُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» إلی جمیع المطلّقات ، فالعلم بعدم تطابق الجدّ للاستعمال فی مورد الضمیر وأنّ أحقّیة الردّ مختصّة بالرجعیات ، لا یوجب رفع الید عن ظهور المرجع فی العموم .
وبالجملة : لا فرق بین العموم فی مثل هذه الموارد ، وبین سائر موارد العموم المخصّص ، فکما قلنا : إنّ التخصیص لا یوجب تغییراً فی ناحیة الاستعمال ، وتکون ألفاظ العموم مستعملة فی العموم ، ولا یکون العامّ المخصّص مجازاً فیما بقی ، فکذلک فی المقام ، وغایة ما أوجبه الدلیل الخارجی ، عدم تطابق الجدّ للاستعمال فی مورد الضمیر ، إلاّ أنّ تخصیص مورد الضمیر فی الآیة المبارکة ببعض الأفراد ، لا یوجب تخصیص المرجع أیضاً . ولو شکّ فی ذلک فأصالة العموم محکّمة ، نظیر سائر موارد العمومات من دون فرق بینها أصلاً ، فتدبّر .
ذکر وتعقیب
والعجب من بعضهم ؛ حیث یظهر منه الفرق بین العامّ وسائر العمومات وذلک لأنّ المحقّق النائینی قدس سره حکی أوّلاً عن بعضهم : أنّ الأمر فی المقام یدور بین تخصیص
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 464
المرجع ، وبین الاستخدام فی الضمیر ؛ لأنّ لازم إرادة العموم من «المطلّقات» هو الاستخدام فی ناحیة الضمیر ؛ لرجوعه حینئذٍ إلی بعض أفراد المرجع ، لا ما هو المراد من المرجع ، کما أنّ لازم عدم الاستخدام ، تخصیص العامّ وأنّ المراد منه خصوص الرجعیات ، فکما أنّ أصالة العموم تقتضی الاستخدام ، کذلک أصالة عدم الاستخدام ـ التی هی أصل عقلائی فی باب المحاورات ـ تقتضی تخصیص العامّ ، فیتعارض الإطلاق من الطرفین ، وحینئذٍ لاطریق إلی إثبات تعلّق الأحکام السابقة علی قوله تعالی :«وَ بُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» بمطلق المطلّقات .
ثمّ إنّه قدس سره تصدّی للتخلّص من المعارضة بوجوه تأمّل فی جمیعها .
فقال أوّلاً : «إنّ أصالة عدم الاستخدام لا تجری فی المقام ؛ لأنّ الاستخدام یبتنی علی مجازیة العامّ المخصّص ، ولم نقل به ، فبناءً علی کون العامّ المخصّص حقیقة فی الباقی ، لا یتحقّق شیء من أسباب المغایرة بین المرجع والضمیر ؛ لأنّ «المطلّقات» موضوعة لنفس الطبیعة ، وکان العموم والشمول فی مصبّ العموم ، مستفاداً من مقدّمات الحکمة ؛ علی ما تقدّم تفصیله ، ومعلوم أنّ المعنی الموضوع له للفظ«المطلّقات» محفوظ فی المطلّقات الرجعیات ، ولیس ذلک معنی مجازیاً لمعنی مطلق «المطلّقات» ولا أنّ «المطلّقات» من المشترکات اللفظیة حتّی تکون المطلّقات الرجعیات إحدی معانیها ، فأین المغایرة بین المرجع والضمیر حتّی یتحقّق الاستخدام؟! فتأمّل» .
ولا یخفی : أنّ ما ذکره فی الصدر ـ «من أنّ العامّ المخصّص حقیقة لامجاز» ـ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 465
صحیح ، فعلیه یلزمه أن یقول : إنّ الضمیر أیضاً یرجع إلی ذلک ، وبعد دلالة الدلیل علی اختصاص الضمیر ببعض أفراد المرجع یستکشف عدم تعلّق الإرادة الجدّیة فی «وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» بالنسبة إلی جمیع المطلّقات ، ولکن لم یقل ذلک ، بل تصدّی لدفع المغایرة بأنّ «المطلّقات» موضوعة لنفس الطبیعة ، والشمول مستفاد من مقدّمات الحکمة . . . إلی آخر ما ذکره .
وفیه أوّلاً : أنّا قدأشرنا سابقاً إلی أنّ استفادة العموم والشمول فی العموم ، بدلالة لفظیة ، لا بمقدّمات الحکمة .
وثانیاً : أنّ مدّعاه غیر تامّ ولو مع غضّ النظر عمّا ذکرنا فی عدم المجازیة وقصر النظر فی مقدّمات الحکمة ؛ لأنّ استعمال اللفظ الموضوع لنفس الطبیعة فی الطبیعة المقیّدة ، مجاز إن کان هناک مصحّح لاستعماله ، وإلاّ یکون الاستعمال غلطاً .
نعم ، لو استعمل اللفظ الموضوع لنفس الطبیعة فی معناها ، ولکنّه اُطلق علی الفرد ، فلا یلزم المجاز ؛ لأنّه استعمل کلّ منهما فی معناه مثلاً «الإنسان» موضوع لنفس الطبیعة ، ولو استعمل فی الطبیعة المتقیّدة یکون مجازاً إن کان مصحّح للادعاء ، وإلاّ یکون غلطاً .
فنقول فیما نحن فیه : إنّ استعمال«المطلّقات» فی الرجعیات التی هی قسم منها ، إن کان مع المصحّح یکون مجازاً ، وإلاّ یکون غلطاً ، فإنکار الاستخدام فی الضمیر لا وجه له .
وقال قدس سره ثانیاً : «إنّ الاستخدام إنّما یتوهّم فی المقام لوکان المراد من الضمیر فی قوله تعالی :«وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» هو خصوص الرجعیات ، ولم یستفد ذلک منه ؛ لأنّ الضمیر یرجع إلی«المطلّقات» وإنّما استفید ذلک من عقد الحمل ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 466
وهو قوله تعالی :«أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» فتکون من باب تعدّد الدالّ والمدلول ، فأین الاستخدام؟! فتأمّل» .
وفیه : أنّه إن کان لعقد الحمل دلالة علی کون المراد بقوله تعالی :«أحَقُّ بِرَدِّهِنّ»إنّما هو خصوص الرجعیات ، فیکون هذا قرینة علی کون المراد من الضمیر خصوص الرجعیات ، وإن لم یکن له دلالة علی هذا ـ کما هو الحقّ ـ فلا یستفاد من مجرّد عقد الحمل ذلک ؛ ضرورة أنّه لولا دلالة السنّة علی أنّ حقّ الرجوع مختصّ بالرجعیات ، لقلنا بالأحقّیة فی مطلق المطلّقات ، کما لا یخفی ، فتدبّر .
وقال قدس سره ثالثاً : ـ وقد أشار إلی هذا الوجه المحقّق الخراسانی قدس سره أیضاً ـ ما حاصله : أنّ أصالة عدم الاستخدام من الاُصول العقلائیة ، وهی إنّما تجری عند الشکّ فی المراد لتشخیص المراد ، وواضح أنّ المراد من الضمیر معلوم ؛ وهو المطلّقات الرجعیات ، وبعد العلم بما اُرید من الضمیر ، لا تجری أصالة عدم الاستخدام حتّی یلزم التخصیص فی ناحیة العامّ . . . إلی أن قال : «فتأمّل ؛ فإنّ ذلک لا یخلو من إشکال» .
وفیه : أنّ معلومیة المراد هنا لم تکن من نفس الدلیل ، بل من دلیل خارجی ، وإلاّ فلو قطع النظر عن الدلیل الخارجی لم یکن المراد معلوماً ، والمیزان فی جریان الاُصول المرادیة وعدمه ، إنّما هو فی معلومیة المراد وعدمها من نفس الدلیل ، لا من دلیل خارجی ، فیجری ذاک الأصل ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 467
هذا کلّه فیما إذا کانت استفادة اختصاص الضمیر ببعض أفراد العامّ ، من دلیل خارجی .
وأمّا لو استفید ذلک من قرینة عقلیة أو لفظیة حافّة بالکلام ، فالظاهر طروّ الإجمال فی الغالب ؛ لعدم إحراز بناء العقلاء علی إجراء أصالة التطابق فی مثل ما إذا حُفّت الکلام بما یصلح للاعتماد علیه ، فصحّة الاحتجاج بمثل «أهن الفسّاق واقتلهم» لإهانة غیر الکفّار ، مشکلة .
وبالجملة : لا یصحّ التمسّک بعموم العامّ فی مثل المقام ؛ لعدم إحراز بناء العقلاء علی تطابق الجدّ للاستعمال عند ذلک بعد احتفاف العامّ ـ من أوّل الإلقاء ـ بما یصلح أن یکون قرینة علی تخصیصه ، ولاأقلّ من الشکّ فی ذلک ، فیشکل الاحتجاج بعموم «أهن الفسّاق واقتلهم» علی وجوب إهانة الفسّاق من غیر المرتدّ والکفّار .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 468