مختار المحقّق العراقی قدس سره ونقده
ویظهر من المحقّق العراقی قدس سره وجه آخر لعدم جواز التمسّک بأصالة العموم فی المقام ، وجعله مراد اُستاذه المحقّق الخراسانی قدس سره وحاصله : أنّ أصالة العموم وأصالة الصحّة فی عمل الغیر وإن کانتا أمارتین علی الواقع ، ولکن لیس کلّ أمارة تکون مثبتاتها ولوازمها حجّة ، بل کلّما کان المولی بصدد إفادة ذلک اللازم وکان ناظراً إلیه یکون حجّة ، وإلاّ فلا ، ولم یکن نظر المولی فیما نحن فیه إلاّ فی بیان الکبری وإثباتها ، وأمّا تعیین الصغری وتعیین مصادیقها نفیاً وإثباتاً ، فلا یکون منظوراً فیهما ، ولذلک قلنا بعدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، ومبنی کلتا المسألتین واحد ؛ وإن کان بینهما فرق من جهة أنّ المقصود من أصالة العموم هناک ، إدخال المشکوک فیه فی العامّ ، وهنا إخراج المشکوک فیه عن العامّ مصداقاً بعد الجزم بخروجه حکماً ، فکون عکس النقیض لازماً للکبری الکلّیة وإن کان فی غایة المتانة ، إلاّ أنّ المهمّ فی أصالتی العموم والإطلاق وغیرهما من القضایا التعبّدیة ، ملاحظة مقدار التعبّد والبناء ، ولم یثبت لنا بناء من العرف والعقلاء علی إثبات تلک الاُمور ، فلا مجال للتشبّث بقاعدة منطقیة مفادها حجّیة عکس نقیض القضیة الموجبة الکلّیة عقلاً . . . إلی أن قال : «فتدبّر فی المقام ، کی لا تغشّک القواعد المنطقیة العقلیة» .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 428
وفیه : أنّا قد أشرنا إلی أنّ مراد المحقّق الخراسانی قدس سره هو الذی ذکرناه ، لا ما ذکره هذا المحقّق قدس سره والأمر سهل .
وکیفما کان : مسألة کون عکس النقیض لازم الکبری الکلّیة ، غیر مربوطة بکشف حال الفرد وعدمه ؛ لأنّه إن ثبت وجوب إکرام کلّ فرد من العلماء وتطابق الجدّ مع الاستعمال ، فلا یعقل الشکّ بعد ذلک فی فرد عالم أنّه غیر واجب الإکرام ، فمن لم یجب إکرامه لا یکون عالماً ، فبعد تسلیم جریان أصالة العموم وتطابق الجدّ مع الاستعمال فی المقام وأنّها من الأمارات بالنسبة إلی لوازمها ، فلا مجال لإنکار حجّیتها بالنسبة إلی عکس نقیضها اللازم لها غیر المنفکّ عنها .
وبالجملة : القول بأصالة العموم یلازم القول بعکس النقیض ، ولکن لا یرتبط ذلک بتشخیص المولی حال الفرد وعدمه .
نعم ، الذی یسهّل الخطب ـ کما ذکرنا ـ عدم جریان أصالة العموم فی المقام ؛ لما أشرنا من أنّها من الاُصول المرادیة ، ومجراها الشکّ فی المراد ، لا مثل المقام الذی یکون المراد معلوماً والشکّ من جهة اُخری .
وأمّا وجه عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، فقد أشرنا إلی أنّه لیس لأجل عدم لحاظ المولی ذلک ، بل لأجل محالیة تعرّض الکبری الکلّیة لتعیین
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 429
الصغری وتشخیص الفرد ؛ سواء کان ممّا لاحظه المولی ، أم لا .
والحاصل : أنّ لوازم الأمارة غیر مرهونة بلحاظ المتکلّم ونظره ، ولذا تری فی الإخبارات ، أنّه لو أخبر بشیء یحتجّ علیه بلازمه ؛ وإن کان المتکلّم غافلاً عنه .التنبیه الرابع
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 430