المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

التنبیه الثانی فی التمسّک بعمومات النذر و أمثاله لکشف حال الفرد

التنبیه الثانی فی التمسّک بعمومات النذر و أمثاله لکشف حال الفرد

‏ ‏

‏بعد ما عرفت عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة یقع الکلام فی أنّه‏‎ ‎‏هل یجوز التمسّک بالعمومات فیما لوشکّ فی حکم فرد ـ مع العلم بفردیّته ـ لا من جهة‏‎ ‎‏التخصیص‏ ‏، بل من جهة اُخری‏ ‏، کما إذا کان الشکّ لاحتمال فقدان شرطٍ‏ ‏، أو وجود‏‎ ‎‏مانع؟ فلوشکّ فی صحّة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف‏ ‏، ولم یکن ناشئاً من الشکّ فی‏‎ ‎‏التخصیص‏ ‏، بل کان ناشئاً من احتمال اشتراط صحّة الوضوء أو الغسل بالماء المطلق‏ ‏؛‏‎ ‎‏لو فرض إجمال فی أدلّة تشریع الوضوء أو الغسل من هذه الجهة‏ ‏، فهل یصحّ التمسّک‏‎ ‎‏بعموم أدلّة وجوب الوفاء بالنذر لتصحیح هذا الوضوء أو الغسل إذا تعلّق النذر به‏ ‏،‏‎ ‎‏فیحکم ببراءة الذمّة من النذر أم لا؟ وجهان‏ ‏، بل قولان‏ .

یظهر‏ من بعضهم : أنّه تمسّک بعموم الوفاء بالنذر لتصحیح الوضوء أو الغسل‏‎ ‎‏بالماء المشکوک کونه مضافاً‏ ‏، أو بالمضاف المشکوک جواز التوضّؤ به‏ ‏، واستکشف‏‎ ‎‏من ذلک حال الفرد فیما إذا وقع الماء الکذائی‏ ‏، متعلّقاً للنذر‏ ‏، بتقریب أنّه یجب‏‎ ‎‏الإتیان بهذا الوضوء أو الغسل امتثالاً لعموم أدلّة لزوم الوفاء بالنذر‏ ‏، وکلّ ما یجب‏‎ ‎‏الوفاء به لامحالة یکون صحیحاً‏ ‏؛ للقطع بأنّه لولا صحّته لما وجب الوفاء به‏ ‏،‏‎ ‎‏فبعد کشف حال الفرد فی الموضوعی أو الحکمی‏ ‏، یجوز التوضّؤ بالماءین الکذائیین‏‎ ‎‏لمن لم ینذر‏‎[1]‎ .

‏وقال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ : «ربما یؤیّد ذلک بما ورد من صحّة الإحرام والصیام‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424
‏قبل المیقات وفی السفر إذا تعلّق بهما النذر کذلک‏‎[2]‎‏»‏‎[3]‎ .

‏وأضاف شیخنا العلاّمة الحائری ‏‏قدس سره‏‏ مثالاً آخر‏ ‏؛ وهو صحّة النافلة فی وقت‏‎ ‎‏الفریضة إذا تعلّق بها النذر‏ ‏؛ بناءً علی المنع عنها‏‎[4]‎ .

‏و‏ لا یخفی‏ : أنّ هذا من باب التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏؛ لأنّه بعد‏‎ ‎‏تخصیص عموم الوفاء بالنذر بما دلّ علی أنّه «‏لا نذر إلاّ فی طاعة الله ‏» یکون متعلّق‏‎ ‎‏الإرادة الجدّیة مقیّداً أو مخصصاً بعنوان طاعة الله ‏ ‏، أو بما لم یکن فی معصیة الله ‏ ‏، فلابدّ‏‎ ‎‏من إحراز موضوع الراجح‏ ‏، فالتمسّک بعموم وجوب الوفاء فی الماء المشکوک کونه‏‎ ‎‏مضافاً‏ ‏، تمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏، وقد عرفت حاله‏ .

‏وأنت خبیر : بأنّ الأمثلة المذکورة خارجة عمّا نحن بصدده‏ ‏، فلا تکاد تؤیّد‏‎ ‎‏الدعوی‏ ‏؛ لأنّ المدّعی صحّة التمسّک بالعامّ المخصّص لکشف حال الفرد المشکوک کونه‏‎ ‎‏مصداقاً للمخصّص‏ ‏، وأین هذا من صیرورة الشیء واجباً بالنذر بدلیل خاصّ؟! فإنّ‏‎ ‎‏الإحرام قبل المیقات حرام‏ ‏، وبالنذر یصیر واجباً بدلالة الأخبار‏ ‏، وکذا الصوم فی‏‎ ‎‏السفر‏ ‏، فإنّه حرام‏ ‏، وبالنذر یصیر واجباً بدلالة الدلیل‏ ‏، وکذا لا یجوز التطوّع فی وقت‏‎ ‎‏الفریضة‏ ‏، وبالنذر یصیر واجباً‏ ‏؛ بناءً علی المنع عنها‏ .

‏وبالجملة : وجوب شیء بالنذر لدلالة دلیل خاصّ علیه‏ ‏، غیر التمسّک بالعامّ فی‏‎ ‎‏الشبهة المصداقیة لکشف حال الفرد‏ ‏، والکلام فی الثانی دون الأوّل‏ ‏، فالتأیید فی غیر‏‎ ‎‏محلّه‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 425

  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 195 / السطر 36 .
  • )) قلت : أی بأن قیّد نذر الإحرام بکونه قبل المیقات ، ونذر الصوم بکونه فی السفر . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) کفایة الاُصول : 262 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 220 .