التنبیه الثانی فی التمسّک بعمومات النذر و أمثاله لکشف حال الفرد
بعد ما عرفت عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة یقع الکلام فی أنّه هل یجوز التمسّک بالعمومات فیما لوشکّ فی حکم فرد ـ مع العلم بفردیّته ـ لا من جهة التخصیص ، بل من جهة اُخری ، کما إذا کان الشکّ لاحتمال فقدان شرطٍ ، أو وجود مانع؟ فلوشکّ فی صحّة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، ولم یکن ناشئاً من الشکّ فی التخصیص ، بل کان ناشئاً من احتمال اشتراط صحّة الوضوء أو الغسل بالماء المطلق ؛ لو فرض إجمال فی أدلّة تشریع الوضوء أو الغسل من هذه الجهة ، فهل یصحّ التمسّک بعموم أدلّة وجوب الوفاء بالنذر لتصحیح هذا الوضوء أو الغسل إذا تعلّق النذر به ، فیحکم ببراءة الذمّة من النذر أم لا؟ وجهان ، بل قولان .
یظهر من بعضهم : أنّه تمسّک بعموم الوفاء بالنذر لتصحیح الوضوء أو الغسل بالماء المشکوک کونه مضافاً ، أو بالمضاف المشکوک جواز التوضّؤ به ، واستکشف من ذلک حال الفرد فیما إذا وقع الماء الکذائی ، متعلّقاً للنذر ، بتقریب أنّه یجب الإتیان بهذا الوضوء أو الغسل امتثالاً لعموم أدلّة لزوم الوفاء بالنذر ، وکلّ ما یجب الوفاء به لامحالة یکون صحیحاً ؛ للقطع بأنّه لولا صحّته لما وجب الوفاء به ، فبعد کشف حال الفرد فی الموضوعی أو الحکمی ، یجوز التوضّؤ بالماءین الکذائیین لمن لم ینذر .
وقال المحقّق الخراسانی قدس سره : «ربما یؤیّد ذلک بما ورد من صحّة الإحرام والصیام
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424
قبل المیقات وفی السفر إذا تعلّق بهما النذر کذلک» .
وأضاف شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره مثالاً آخر ؛ وهو صحّة النافلة فی وقت الفریضة إذا تعلّق بها النذر ؛ بناءً علی المنع عنها .
و لا یخفی : أنّ هذا من باب التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ؛ لأنّه بعد تخصیص عموم الوفاء بالنذر بما دلّ علی أنّه «لا نذر إلاّ فی طاعة الله » یکون متعلّق الإرادة الجدّیة مقیّداً أو مخصصاً بعنوان طاعة الله ، أو بما لم یکن فی معصیة الله ، فلابدّ من إحراز موضوع الراجح ، فالتمسّک بعموم وجوب الوفاء فی الماء المشکوک کونه مضافاً ، تمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، وقد عرفت حاله .
وأنت خبیر : بأنّ الأمثلة المذکورة خارجة عمّا نحن بصدده ، فلا تکاد تؤیّد الدعوی ؛ لأنّ المدّعی صحّة التمسّک بالعامّ المخصّص لکشف حال الفرد المشکوک کونه مصداقاً للمخصّص ، وأین هذا من صیرورة الشیء واجباً بالنذر بدلیل خاصّ؟! فإنّ الإحرام قبل المیقات حرام ، وبالنذر یصیر واجباً بدلالة الأخبار ، وکذا الصوم فی السفر ، فإنّه حرام ، وبالنذر یصیر واجباً بدلالة الدلیل ، وکذا لا یجوز التطوّع فی وقت الفریضة ، وبالنذر یصیر واجباً ؛ بناءً علی المنع عنها .
وبالجملة : وجوب شیء بالنذر لدلالة دلیل خاصّ علیه ، غیر التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة لکشف حال الفرد ، والکلام فی الثانی دون الأوّل ، فالتأیید فی غیر محلّه ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 425