المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

مستند جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه

مستند جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه

‏ممّن ذهب إلی إجراء الأصل مطلقاً لتنقیح موضوع دلیل العامّ‏ ‏، شیخنا العلاّمة‏‎ ‎‏الحائری ‏‏قدس سره‏‏ فأفاد فی مجلس الدرس تقریباً حاصله : أنّ العوارض علی نحوین :‏

‏الأوّل : أن تکون من قبیل لوازم الماهیة التی تعرضها مع قطع النظر عن‏‎ ‎‏الوجودین‏ ‏؛ الذهنی‏ ‏، والخارجی‏ ‏، کالزوجیة للأربعة‏ ‏، ومساواة الزوایا الثلاث للمثلّث‏‎ ‎‏للزاویتین القائمتین‏ ‏، وقابلیة الإنسان للصنعة والکتابة‏ . . ‏. إلی غیر ذلک‏ ‏، وواضح أنّه‏‎ ‎‏لم تکن لهذه العوارض حالة سابقة علی الماهیة‏ ‏، بل هی کما تکون أزلیة‏ ‏، فکذلک‏‎ ‎‏العوارض اللازمة لها‏ ‏، فلم تکن لنا حالة سابقة منفکّة عن الماهیة لتستصحب‏ .

‏الثانی : أن تکون من قبیل عوارض وجودها الخارجی کالسواد والبیاض‏ ‏،‏‎ ‎‏وهو إمّا لازم‏ ‏، أو مفارق‏ ‏، والقرشیة مثلاً من عوارض الوجود‏ ‏؛ لأنّ المرأة قبل‏‎ ‎‏وجودها الخارجی وفی تقرّرها الماهوی‏ ‏، لم تکن قرشیة‏ ‏، کما لم تکن غیر قرشیة‏ ‏، وإنّما‏‎ ‎‏تتصف بأحدهما بلحاظ وجودها الخارجی‏ ‏؛ لأنّها إن تکوّنت وولدت من ماء من‏‎ ‎‏انتسب إلی قریش تکون قرشیة‏ ‏، وإلاّ فغیر قرشیة‏ .

‏ومخالفة الشرط والصلح للکتاب العزیز‏ ‏، أیضاً من هذا القبیل‏ ‏؛ فإنّ مخالفة‏‎ ‎‏الشرط أو الصلح للکتاب قبل تحقّقها خارجاً‏ ‏، لا تکون داخلة فی ماهیتهما‏ ‏، بل بعد‏‎ ‎‏تحقّقهما وملاحظتهما للکتاب الموجود خارجاً توافقاه تارة‏ ‏، وتخالفاه اُخری‏ .

‏فإذن نقول : یمکنک أن تشیر إلی ماهیة المرأة المشکوک کونها قرشیة مجرّداً‏‎ ‎‏إیّاها عن الوجود‏ ‏؛ أی تلحظ الوجود منظوراً به‏ ‏، لا منظوراً فیه‏ ‏، فتقول : إنّ هذه‏‎ ‎‏المرأة قبل وجودها لم تکن قرشیة‏ ‏، ولا غیر قرشیة‏ ‏، وبعد وجودها یشکّ فی أنّها‏‎ ‎‏وجدت قرشیة أم لا‏ ‏، فیستصحب عدم القرشیة‏ ‏، ویترتّب علیه حکم العامّ‏ ‏، ویشملها‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 401
‏عموم ما دلّ علی أنّ المرأة التی لیس بینها وبین قریش انتساب‏ ‏، تحیض إلی خمسین‏ .

ویقرب من هذا التقریب‏ التقریب الذی ذکره المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‎[1]‎ .

وهناک تقریب آخر‏ لجریان الأصل‏ ‏، حاصله : أنّ حکم العامّ معلّق علی عنوان‏ ‏،‏‎ ‎‏وبمعرفة إطلاق المتعلّق‏ ‏، یشمل الحکم جمیع أفراد ذلک العنوان بأیّ عنوان تعنون‏ ‏،‏‎ ‎‏فالمرأة ـ قرشیة کانت أو غیرها‏ ‏، نبطیة کانت أو غیرها ـ محکومة بحکم العامّ‏ ‏،‏‎ ‎‏ولم یخرج منه إلاّ عنوان خاصّ‏ ‏؛ وهو المرأة القرشیة مثلاً‏ ‏؛ لأنّها تری الدم‏ ‏، وبقی‏‎ ‎‏غیرها ـ ومنها عدم القرشیة بعنوان السلب التحصیلی ـ تحت العامّ‏ ‏، فیلاحظ ماهیة‏‎ ‎‏المرأة ویقال : إنّها قبل وجودها لم تکن منتسبةً إلی قریش‏ ‏، أو لم تکن قرشیة‏ ‏، وبعد‏‎ ‎‏وجودها یشکّ فی تحقّق الانتساب‏ ‏، فیستصحب عدم انتسابها إلی قریش‏ ‏، أو عدم‏‎ ‎‏قرشیتها‏ ‏، وینقّح بذلک موضوع العامّ‏ .

وقد یقال‏ فی تقریبه ما حاصله : أنّ الحکم إذا رتّب علی موضوع ذی نعت‏‎ ‎‏ومفاد «کان» الناقصة وکون رابط کقوله : «المرأة القرشیة تری الدم إلی ستّین»‏‎ ‎‏فلا‏ ‏یقتضی أخذ عدم تلک الطبیعة نعتاً فی موضوع‏ ‏، عدمَ ذلک الحکم بنحو السلب‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 402
‏الناقص‏ ‏، بل عدم ذلک الحکم لعدم اتصاف ذات الموضوع بذلک القید علی نحو السالبة‏‎ ‎‏المحصّلة‏ ‏، فإذن لیس مقابل قوله : «المرأة القرشیة تری الدم إلی ستّین» المرأة التی‏‎ ‎‏لم تکن أو لا تکون من قریش بعنوان الموجبة المعدولة المحمول‏ ‏، أو السالبة المحمول‏ ‏؛‏‎ ‎‏بل هی المرأة التی لا تتّصف بکونها من قریش‏ ‏، تری الحمرة إلی خمسین علی نحو‏‎ ‎‏السالبة المحصّلة‏ .

‏وبالجملة : مفاد المستثنی فی قوله : «المرأة تری الحمرة إلی خمسین‏ ‏، إلاّ إذا کانت‏‎ ‎‏قرشیة» المرأة المتصفة بکونها من قریش تری الدم إلی ستّین‏ ‏، ومقابله هی المرأة التی‏‎ ‎‏لا تتصف بکونها قرشیة ـ علی نحو السالبة المحصّلة ـ تری الدم إلی خمسین لا المرأة‏‎ ‎‏المتصفـة بأن لا تکون مـن قریش‏ ‏، فعلی هـذا حیث یکون للسلب التحصیلی حالـة‏‎ ‎‏سابقة‏ ‏، فلا مانع من جریان الأصل لإحراز موضوع العامّ‏‎[2]‎ .

ولا یخفی‏ : أنّ هـذه التقـاریب متقاربـة المفهـوم‏ ‏، وأساسها أمر واحـد‏ ‏؛ وهو‏‎ ‎‏إرجاع الأمر إلی السلب التحصیلی وإثبات حالة سابقة له‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403

  • )) کفایة الاُصول : 261 .     قلت : کذا أفاده سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ ولکنّ المتراءی من النظر فی عبارته ، أنّ ما قرّبه المحقّق الخراسانی قدس سره أقرب إلی التقریب الثانی من التقریب الأوّل ؛ لأنّه قال : المرأة وإن کانت إذا وجدت إمّا قرشیة أو غیرها ، فلا أصل یحرز به أنّها قرشیة أو غیرها ، إلاّ أنّ أصالة عدم تحقّق الانتساب بینها وبین قریش ، تجدی فی تنقیح أنّها ممّن لا تحیض إلاّ إلی خمسین ؛ لأنّ المرأة التی لا یکون بینها وبین قریش انتساب ، أیضاً باقیة تحت ما دلّ علی أنّ المرأة إنّما تری الحمرة إلی خمسین ، والخارج عن تحته هی القرشیة ، فتأمّل تعرف ، انتهی . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) أجود التقریرات 1 : 468 ، الهامش .