مستند جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه
ممّن ذهب إلی إجراء الأصل مطلقاً لتنقیح موضوع دلیل العامّ ، شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره فأفاد فی مجلس الدرس تقریباً حاصله : أنّ العوارض علی نحوین :
الأوّل : أن تکون من قبیل لوازم الماهیة التی تعرضها مع قطع النظر عن الوجودین ؛ الذهنی ، والخارجی ، کالزوجیة للأربعة ، ومساواة الزوایا الثلاث للمثلّث للزاویتین القائمتین ، وقابلیة الإنسان للصنعة والکتابة . . . إلی غیر ذلک ، وواضح أنّه لم تکن لهذه العوارض حالة سابقة علی الماهیة ، بل هی کما تکون أزلیة ، فکذلک العوارض اللازمة لها ، فلم تکن لنا حالة سابقة منفکّة عن الماهیة لتستصحب .
الثانی : أن تکون من قبیل عوارض وجودها الخارجی کالسواد والبیاض ، وهو إمّا لازم ، أو مفارق ، والقرشیة مثلاً من عوارض الوجود ؛ لأنّ المرأة قبل وجودها الخارجی وفی تقرّرها الماهوی ، لم تکن قرشیة ، کما لم تکن غیر قرشیة ، وإنّما تتصف بأحدهما بلحاظ وجودها الخارجی ؛ لأنّها إن تکوّنت وولدت من ماء من انتسب إلی قریش تکون قرشیة ، وإلاّ فغیر قرشیة .
ومخالفة الشرط والصلح للکتاب العزیز ، أیضاً من هذا القبیل ؛ فإنّ مخالفة الشرط أو الصلح للکتاب قبل تحقّقها خارجاً ، لا تکون داخلة فی ماهیتهما ، بل بعد تحقّقهما وملاحظتهما للکتاب الموجود خارجاً توافقاه تارة ، وتخالفاه اُخری .
فإذن نقول : یمکنک أن تشیر إلی ماهیة المرأة المشکوک کونها قرشیة مجرّداً إیّاها عن الوجود ؛ أی تلحظ الوجود منظوراً به ، لا منظوراً فیه ، فتقول : إنّ هذه المرأة قبل وجودها لم تکن قرشیة ، ولا غیر قرشیة ، وبعد وجودها یشکّ فی أنّها وجدت قرشیة أم لا ، فیستصحب عدم القرشیة ، ویترتّب علیه حکم العامّ ، ویشملها
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 401
عموم ما دلّ علی أنّ المرأة التی لیس بینها وبین قریش انتساب ، تحیض إلی خمسین .
ویقرب من هذا التقریب التقریب الذی ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره .
وهناک تقریب آخر لجریان الأصل ، حاصله : أنّ حکم العامّ معلّق علی عنوان ، وبمعرفة إطلاق المتعلّق ، یشمل الحکم جمیع أفراد ذلک العنوان بأیّ عنوان تعنون ، فالمرأة ـ قرشیة کانت أو غیرها ، نبطیة کانت أو غیرها ـ محکومة بحکم العامّ ، ولم یخرج منه إلاّ عنوان خاصّ ؛ وهو المرأة القرشیة مثلاً ؛ لأنّها تری الدم ، وبقی غیرها ـ ومنها عدم القرشیة بعنوان السلب التحصیلی ـ تحت العامّ ، فیلاحظ ماهیة المرأة ویقال : إنّها قبل وجودها لم تکن منتسبةً إلی قریش ، أو لم تکن قرشیة ، وبعد وجودها یشکّ فی تحقّق الانتساب ، فیستصحب عدم انتسابها إلی قریش ، أو عدم قرشیتها ، وینقّح بذلک موضوع العامّ .
وقد یقال فی تقریبه ما حاصله : أنّ الحکم إذا رتّب علی موضوع ذی نعت ومفاد «کان» الناقصة وکون رابط کقوله : «المرأة القرشیة تری الدم إلی ستّین» فلا یقتضی أخذ عدم تلک الطبیعة نعتاً فی موضوع ، عدمَ ذلک الحکم بنحو السلب
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 402
الناقص ، بل عدم ذلک الحکم لعدم اتصاف ذات الموضوع بذلک القید علی نحو السالبة المحصّلة ، فإذن لیس مقابل قوله : «المرأة القرشیة تری الدم إلی ستّین» المرأة التی لم تکن أو لا تکون من قریش بعنوان الموجبة المعدولة المحمول ، أو السالبة المحمول ؛ بل هی المرأة التی لا تتّصف بکونها من قریش ، تری الحمرة إلی خمسین علی نحو السالبة المحصّلة .
وبالجملة : مفاد المستثنی فی قوله : «المرأة تری الحمرة إلی خمسین ، إلاّ إذا کانت قرشیة» المرأة المتصفة بکونها من قریش تری الدم إلی ستّین ، ومقابله هی المرأة التی لا تتصف بکونها قرشیة ـ علی نحو السالبة المحصّلة ـ تری الدم إلی خمسین لا المرأة المتصفـة بأن لا تکون مـن قریش ، فعلی هـذا حیث یکون للسلب التحصیلی حالـة سابقة ، فلا مانع من جریان الأصل لإحراز موضوع العامّ .
ولا یخفی : أنّ هـذه التقـاریب متقاربـة المفهـوم ، وأساسها أمر واحـد ؛ وهو إرجاع الأمر إلی السلب التحصیلی وإثبات حالة سابقة له .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 403