المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

مستند عدم جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه

مستند عدم جواز التمسّک بالأصل لتنقیح موضوع العامّ وتزییفه

‏وکیفما کان : احتجّ المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ لعدم جریان الأصل فی إحراز الموضوع :‏‎ ‎‏«بأنّ جریان الأصل السلبی وإجراء حکم العامّ‏ ‏، إنّما یتمّ بناءً علی توهّم إجراء التقیید‏‎ ‎‏علی التخصیص‏ ‏؛ وأنّ المخصّص یقلب العامّ عن تمام الموضوعیة إلی جزئها‏ ‏، وإلاّ فبناءً‏‎ ‎‏علی المختار ـ من أنّ باب التخصیص غیر مرتبط بباب التقیید‏ ‏، وإنّما یکون شأن‏‎ ‎‏المخصّص‏ ‏، إخراج الفرد الخاصّ مع بقاء العامّ علی تمامیة موضوعه بالإضافة إلی‏‎ ‎‏البقیة‏ ‏؛ بلا انقلاب فی العامّ‏ ‏، نظیر صورة موت الفرد ـ فلا یبقی مجال لجریان الأصل‏‎ ‎‏المذکور‏ ‏؛ إذ الأصل السلبی لیس شأنه إلاّ نفی حکم الخاصّ عنه‏ ‏، لا إثبات حکم‏‎ ‎‏العامّ‏ ‏؛ لأنّ هذا الفرد حینئذٍ مورد العلم الإجمالی بکونه محکوماً بحکم الخاصّ‏ ‏، أو‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 397
‏محکوماً ـ بلا تغیّر عنوان ـ بحکم العامّ‏ ‏، ونفی أحد الحکمین بالأصل لا‏ ‏یثبت الآخر‏ ‏،‏‎ ‎‏کما هو ظاهر‏ .

‏نعم‏ ‏، فی مثل الشکّ فی مخالفة الشرط أو الصلح للکتاب‏ ‏، أمکن دعوی : أنّه من‏‎ ‎‏الشبهة المصداقیة الناشئة عن الجهل بالمخالفة‏ ‏، الذی کان أمر رفعه بید المولی‏ ‏، وفی مثله‏‎ ‎‏لا بأس بالتمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏؛ من دون احتیاج فی مثله إلی الأصل‏ ‏،‏‎ ‎‏ولعلّ بناء المشهور فی تمسّکهم بالعامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏، مختصّ بأمثال المورد»‏‎[1]‎ .

‏ولا یخفی : أنّ هـذا المحقّق مفصّـل فی الحقیقـة فی مسألـة جـواز التمسّـک‏‎ ‎‏بالعـامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏، وأمّا من حیث جریان الأصل الذی هو محطّ البحث‏ ‏،‏‎ ‎‏فقد منعه مطلقاً‏ .

ویرد علیه أوّلاً‏ : أنّه إن أراد بالفرق الذی ذکره بین التخصیص والتقیید‏ ‏، أنّ‏‎ ‎‏التقیید یعنون موضوع المطلق زائداً علی ما کان علیه قبل عروض القید ـ دون‏‎ ‎‏التخصیص‏ ‏؛ لأنّ التخصیص لا یفید عنواناً زائداً بحسب الظهور الاستعمالی علی ما‏‎ ‎‏اُخذ موضوعاً فی موضوع دلیل العامّ ـ فهو حقّ لا سترة علیه‏ ‏، بل هو الفرق بین‏‎ ‎‏التخصیص والتقیید‏ ‏، کما أشرنا‏ ‏، ولکن لا یوجب ذلک عدم جریان الأصل‏ ‏، کما‏‎ ‎‏لا یخفی‏ .

‏وإن أراد أنّ التخصیص کما لا یوجب تغیّر العنوان ظاهراً لا یوجبه واقعاً‏‎ ‎‏أیضاً‏ ‏، وأنّ موضوع حکم العامّ بعد التخصیص جدّاً وواقعاً هو الذی کان قبله‏ ‏، فهو‏‎ ‎‏غیر سدید‏ ‏؛ لما أشرنا إلیه غیر مرّة من أنّ الموضوع جدّاً فی المثل المعروف بعد‏‎ ‎‏التخصیص هو «کلّ عالم غیر فاسق» أو «کلّ عالم عادل» لا العالم فقط‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 398
‏وبالجملة : ربما یجعل حکم قانونی ـ لمصالح ـ علی عنوان عامّ‏ ‏، نحو «أکرم کلّ‏‎ ‎‏عالم» وبعد التخصیص یستکشف أنّ الموضوع لبّاً وواقعاً‏ ‏، هو المعنون بغیر عنوان‏‎ ‎‏الخاصّ‏ ‏، فلم‏ ‏یبقَ موضوع العامّ واقعاً وفی نفس الأمر علی ما هو علیه بعد‏‎ ‎‏التخصیص‏ ‏، فهنا حکمان وموضوعان‏ ‏؛ فموضوع الدلیل الاجتهادی لبّاً العالم غیر‏‎ ‎‏الفاسق‏ ‏، فکما یجوز إحراز کلا جزأیه بالوجدان‏ ‏، فکذلک یجوز إحراز أحد جزأیه‏‎ ‎‏بالوجدان‏ ‏، والثانی بالأصل‏ ‏، کما فی المقام‏ ‏، حیث إنّه فی زید العالم المشکوک فسقه‏ ‏،‏‎ ‎‏یکون أحد الجزءین محرزاً بالوجدان‏ ‏، وأمّا الجزء الآخر فحیث إنّه متیقّن عدمه‏ ‏،‏‎ ‎‏فیستصحب عدمه‏ .

‏فتحصّل : أنّه بعد التخصیص وإن لم ینقلب الموضوع الظاهری فی العامّ عن‏‎ ‎‏موضوعیته‏ ‏، ولکن لا یضرّ ذلک بإجراء الأصل بعد کون الموضوع ـ لبّاً وفی‏‎ ‎‏نفس الأمر ـ العالم غیر الفاسق‏ .

وثانیاً‏ : أنّ تنظیر التخصیص بموت الفرد‏ ‏، غیر وجیه‏ ‏؛ لأنّ الدلیل غیر متعرّض‏‎ ‎‏لحال الأفراد الخارجیة‏ ‏، ولم تکن الحوادث الخارجیة مورداً للقانون‏ ‏، فموت الأفراد‏‎ ‎‏وسائر الأعذار الخارجیة‏ ‏، لا یوجب تغییراً فی الموضوع‏ ‏؛ لا ظاهراً‏ ‏، ولا واقعاً‏ ‏،‏‎ ‎‏بخلاف إخراج بعض الأفراد‏ ‏، فهو یوجب تغییراً فی الموضوع واقعاً‏ ‏، کما لا یخفی‏ .

وثالثاً‏ : أنّ التفصیل الذی أفاده فی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة‏ ‏،‏‎ ‎‏غیر وجیه‏ ‏؛ لأنّ الشکّ ـ حسب الفرض ـ یکون راجعاً إلی الشبهة المصداقیة‏ ‏، ومعلوم‏‎ ‎‏أنّ رفعها لیس بید المولی‏ ‏؛ لأنّ منشأ الاشتباه الاُمور الخارجیة‏ ‏، فإذن حتّی لو کان‏‎ ‎‏رفع الشبهة بید المولی‏ ‏، ولکن حیث إنّ الموضوع لبّاً لم یکن مرسلاً بل مقیّداً‏ ‏، یکون‏‎ ‎‏الفرد المشتبه شبهة مصداقیة لما یکون موضوعاً جدّاً وحقیقة للحکم‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 399
ورابعاً‏ : أنّ الأمثلة التی ذکرها لا یکون رفع الشبهة فیها بید المولی‏ ‏؛ لأنّ المراد‏‎ ‎‏بالکتاب الکتاب الموجود خارجاً بین یدی المسلمین‏ ‏، وفیه عمومات‏ ‏، ومخصّصات‏ ‏،‏‎ ‎‏فلو ورد دلیل علی «أنّ کلّ شرط نافذ إلاّ ما خالف کتاب الله » أو «أنّ الصلح جائز‏‎ ‎‏إلاّ ما خالف کتاب الله » فلابدّ من عرضه علی الکتاب العزیز الموجود‏ ‏، فإن وافقه‏‎ ‎‏یکون نافذاً‏ ‏، وإلاّ فیطرح‏ ‏، ومعلوم بدیهة أنّه لو شکّ فی موافقة شرطه أو مخالفته‏‎ ‎‏للکتاب الموجود مثلاً‏ ‏، فرفع ذلک الشکّ إنّما هو بید المکلّف‏ ‏، لا الشارع الأقدس‏ ‏،‏‎ ‎‏فحدیث کون رفع الشبهة فی بعض الموارد بید المولی ـ بعد انقطاع الوحی وتبلیغ‏‎ ‎‏الأحکام ـ غیر وجیه‏ ‏، بل غیر صحیح‏ .

وخامساً‏ : أنّ مراده ‏‏قدس سره‏‏ بقوله : «ولعلّ بناء المشهور أیضاً فی تمسّکهم بالعامّ فی‏‎ ‎‏الشبهة المصداقیة‏ ‏، مختصّ بأمثال المورد» أنّ المشهور تمسّکوا بالعامّ فی المثالین اللذین‏‎ ‎‏ذکرهما‏ ‏؛ أی الشرط‏ ‏، والصلح‏‎[2]‎ ‏، وفیه : أنّ المخصّص منهما متصل بالکلام‏ ‏؛‏‎ ‎‏لقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : «‏المؤمنون عند شروطهم إلاّ ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً»‎[3]‎‏ و«‏الصلح‎ ‎جائز بین المسلمین إلاّ صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»‎[4]‎‏ ولا خلاف ولا ارتیاب‏‎ ‎‏فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المتصل‏ .

‏وإن أراد أنّ نظر المشهور إلی غیر المثالین‏ ‏، فلو کان مستندهم فی جواز التمسّک‏‎ ‎‏فی المخصّصات المنفصلة ما أشار إلیه‏ ‏، فقد عرفت ضعفه ولعلّهم علی تقدیر صحّة‏‎ ‎‏النسبة استندوا فی ذلک إلی وجوه اُخر‏ ‏، والله العالم‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 400

  • )) مقالات الاُصول 1 : 444 .
  • )) قلت : ولعلّ هذا الاحتمال هو الظاهر من کلامه ، وعلی الأقلّ یکون المثالان عنده ، مورداً متیقّناً لجواز التمسّک بالعامّ عندهم ، فیتوجّه علیه ما فی المتن ، فتدبّر . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) سنن الترمذی 2: 403 ، السنن الکبری ، البیهقی 6: 79 و 7: 249 .
  • )) الفقیه 3 : 20 / 52 ، وسائل الشیعة 18 : 443 ، کتاب الصلح ، الباب 3 ، الحدیث 2 .