المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

حول کلام المحقّق الأصفهانی فی المقام

حول کلام المحقّق الأصفهانی فی المقام

‏وممّن یظهر منه جواز التمسّک بالعامّ فی المخصّص اللبّی‏ ‏، المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏وحاصل ما أفاده : هو أنّ حکم العامّ لیس حکماً جهتیاً من حیث عنوان «العالم» مثلاً‏‎ ‎‏فقط‏ ‏، بل حکم فعلی تامّ الحکمیة‏ ‏؛ بحیث إنّ العالم بأیّ عنوان تعنون‏ ‏، یکون محکوماً‏‎ ‎‏بوجوب الإکرام‏ ‏، فیکشف عن عدم المنافاة لصفة من صفاته وعنوان من عناوینه‏‎ ‎‏لحکمه‏ ‏، وشأن المخصّص إثبات منافاة عنوان الخاصّ لحکم العامّ‏ ‏، وهذا المقدار ممّا‏‎ ‎‏یشترک فیه المخصّص اللفظی واللبّی‏ .

‏نعم‏ ‏، تخصیص اللفظی یکشف عن وجود المنافی بین أفراد العامّ أیضاً‏ ‏؛ إذ لولاه‏‎ ‎‏ولولا الابتلاء به یکون قیام المولی مقام البیان لفظاً لغواً‏ ‏، وأمّا اللبّی فواضح أنّه لیس‏‎ ‎‏له هذا الشأن‏ .

‏ولکن مجرّد عدم کشف المخصّص اللبّی عن وجود المنافی بین أفراد العامّ‏ ‏،‏‎ ‎‏لا یصحّح التمسّک بالعامّ‏ ‏؛ لأنّ المانع ـ وهو وجود التردّد بین الدخول والخروج‏ ‏، مع‏‎ ‎‏عدم دلالة العامّ علی دخول المشتبه ـ مشترک فیه اللبّی واللفظی‏ .

‏ولکن یمکن أن یقال : إنّ العامّ کما یدلّ علی عدم المنافاة‏ ‏، کذلک یدلّ علی عدم‏‎ ‎‏المنافی فی أفراده‏ ‏، والمخصّص اللفظی یدلّ علی وجود المنافی‏ ‏، کما یدلّ علی‏‎ ‎‏المنافاة‏ ‏، وحیث تقدّم علی العامّ فلا یکون حجّة فی المشتبه‏ ‏، بخلاف المخصّص‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392
‏اللبّی‏ ‏، فإنّه یدلّ علی المنافاة فقط‏ ‏، فلا تزاحم للعامّ فی دلالته علی عدم المنافی‏‎ ‎‏فیکون العامّ حجّة فی المشتبه‏ .

‏وتوهّم : أنّ دلالة العامّ علی عدم المنافی‏ ‏، متقوّمة بدلالته علی عدم المنافاة‏ ‏،‏‎ ‎‏فإذا اختلّت دلالته علی عدم المنافاة ـ بورود المخصّص اللبّی ـ فقد اختلّت دلالته علی‏‎ ‎‏عدم المنافی‏ .

‏مدفوع : بأنّ دلالة العامّ علی عدم المنافی وإن کانت ملازمة لدلالته علی عدم‏‎ ‎‏المنافاة‏ ‏، ولکن عدم الدلالة علی عدم المنافاة‏ ‏، لا تلازم عدم الدلالة علی عدم المنافی‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّ المنافی لفعلیة حکم العامّ وجود المنافی فی أفراده‏ ‏، لا ثبوت المنافاة فقط لعنوان من‏‎ ‎‏عناوینه لحکمه مع عدم المنافی‏ ‏، کما أنّ الدلالة علی المنافاة غیر ملازمة للدلالة علی‏‎ ‎‏المنافی‏ ‏، فلا یسقط العامّ فی دلالته إلاّ بمقدار المزاحمة‏ ‏، فتدبّر‏‎[1]‎ .

أقول‏ : فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ مواقع للنظر یطول بنا ذکرها‏ ‏، ولکن نشیر إلی بعض ما‏‎ ‎‏یرتبط بالمقام‏‎[2]‎ ‏، وحاصله : أنّا قد أشرنا إلی لزوم حفظ موضوع البحث ومراعاة‏‎ ‎‏جمیع ما یعتبر فی المخصّص اللفظی‏ ‏، فی المخصّص اللبّی‏ ‏، ولزوم قصر النظر علی اللبّیة‏‎ ‎‏واللفظیة فقط‏ ‏، ففرض کون مقتضی المخصّص اللبّی هو الدلالة علی المنافاة فقط دون‏‎ ‎‏وجود المنافی‏ ‏، یخرج الشبهة عن کونها شبهة مصداقیة للمخصّص اللبّی ویدخلها فی‏‎ ‎‏موارد الشکّ فی أصل التخصیص‏ ‏، ومعلوم أنّه إذا کان الأمر کذلک فی المخصّص‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393
‏اللفظی‏ ‏، فیجوز التمسّک بالعامّ أیضاً‏ ‏، فلابدّ من فرض کون المخصّص اللبّی بحیث‏‎ ‎‏یکشف عن أنّ فی قوله : «أکرم کلّ عالم» لا یطابق إرادته الجدّیة للإرادة الاستعمالیة‏‎ ‎‏علی عمومیته‏ ‏، بل خرج منه أفراد الفسّاق من العلماء‏ ‏، ثمّ شکّ فی فرد أنّه ینطبق علیه‏‎ ‎‏عنوان المخصّص أو لا‏ ‏، فإذن لا فرق بین اللبّیة واللفظیة‏ .

‏وبالجملة : نکتة عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص‏ ‏،‏‎ ‎‏لیس کون المخصّص لفظیاً‏ ‏، بل لأجل خروج عنوان شکّ فی انطباقه علی هذا الفرد‏ ‏،‏‎ ‎‏فإحراز وجود الأفراد للمخصّص مفروغ عنه‏ ‏، ومعلوم أنّه لا فرق فی ذلک بین‏‎ ‎‏اللفظیة واللبّیة‏ ‏، ففرض المسألة فیما إذا لم یعلم وجود المنافی للعامّ فی الخارج مع إحراز‏‎ ‎‏التنافی‏ ‏، خارج عن موضوع البحث‏ ‏، وداخل فی الشکّ فی أصل التخصیص‏ .

‏و بما ذکرنا هنا یظهر النظر فیما قاله المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فإنّ موضوع البحث فی‏‎ ‎‏کلامه أیضاً مختلط‏‎[3]‎ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 394

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 395

  • )) نهایة الدرایة 2 : 456 ـ 457 .
  • )) قلت : ظاهر کلامه قدس سره یدلّ علی أنّ الحکم فی العامّ والخاصّ تعلّق علی عنوان «العالم» أو «الفاسق» فی المثال المعروف ، وقد أشرنا إلی أنّ هذا شأن المطلق والمقیّد ، لا العامّ والخاصّ ؛ فإنّ الحکم فیهما معلّق علی عنوان الکثرة الإجمالیة ، فتدبّر . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) قلت : تعطّل الدرس لأجل قدوم شهر الله المبارک یوم الاثنین 20 شعبان المعظّم / من سنة 1380 ه . ق ، ولم یتعرّض سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ لکلام المحقّق النائینی قدس سره وردّه ، ولکن تعرّض لکلامه وردّه فی الدورة السابقة ، فأحببنا إیراد خلاصة ما استفدناه منه ـ دام ظلّه ـ فی الدورة السابقة .     فنقول : أمّا حاصل مقال المحقّق النائینی قدس سره فهو أنّ المخصّص قد یکون من العناوین التی لا تصلح إلاّ أن تکون قیداً للموضوع ، ولا یکون إحراز انطباق ذلک العنوان علی مصادیقه ، من وظیفة الآمر ، بل من وظیفة المأمور ، وذلک کما فی قوله علیه السلام : «انظروا إلی رجل منکم قد روی حدیثنا . . . »(أ) الروایة ، حیث إنّه عامّ یشمل العادل وغیره ، إلاّ أنّه قام الإجماع علی اعتبار العدالة فی المجتهد الذی یرجع إلیه فی القضاء ، فتکون العدالة قیداً فی الموضوع ، فلا یجوز التمسّک بالعامّ ، والکلام فیه فی المخصّص اللبّی ، هو الکلام فی المخصّص اللفظی .     وأمّا إذا کان المخصّص من العناوین التی لا تکون قیداً للموضوع ، وکان إحرازها ما من وظیفة الآمر ، فإن کان من قبیل الملاکات فیجوز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة ، وذلک کقوله علیه السلام : «اللهمّ العن بنی اُمیّة قاطبة»(ب) حیث إنّ من المعلوم أنّ اللعن لا یصیب المؤمن منهم ، فالمؤمن منهم خارج عن العامّ ؛ لانتفاء ملاکه ، وهو الشقاوة ، فإلقاء هذا العموم لا یصحّ إلاّ بعد إحراز ذلک ، فلو علمنا من الخارج أنّ خالد بن یزید مثلاً مؤمن ، کان ذلک موجباً لعدم اندراجه تحت العموم ، وعدم تنبیه الآمر لمصلحة هناک اقتضت ذلک ، فلو شککنا فی إیمان واحد منهم فاللازم جواز لعنه ؛ تمسّکاً بالعموم ، لأنّه من نفس العموم یستکشف أنّه لیس بمؤمن ؛ وأنّ الآمر أحرز ذلک ، لکونه من وظیفته ، وإلاّ لما جاز إلقاء العموم(ج) .     وأمّا حاصل ردّه ـ دام ظلّه ـ : فهو أنّا قد أشرنا غیر مرّة إلی أنّ محطّ الکلام ، إنّما هو فیما إذا شکّ فی انطباق عنوان المخصّص علی المشکوک فیه ، فحینئذٍ نقول : إنّ خروج خالد بن یزید مثلاً إن کان لانطباق عنوان «المؤمن» علیه ، فلا یکاد یفترق الأمر فیه بین المخصّص اللبّی واللفظی ؛ من حیث عدم جواز التمسّک بالعامّ فیه ، وأمّا إن کان لخصوصیة قائمة علی نفس خالد بن یزید ، فمرجع الشکّ فی غیره إلی الشکّ فی تخصیص زائد ، فیخرج عن محطّ البحث . هذا أوّلاً .     وثانیاً : أنّ هذا التفصیل غیر مختصّ بالمخصّص اللبّی ، بل یعمّ اللفظی أیضاً ، کما لا یخفی ، فتدبّر .     أ ـ راجع الکافی 1 : 67 / 10 و 7 : 412 / 5 ، وسائل الشیعة 27 : 136 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 1 .     ب ـ کامل الزیارات : 329 ، بحار الأنوار 98 : 292 .     ج ـ فوائد الاُصول 1 : 536 .