المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

سرّ التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المنفصل المردّد مفهوماً

سرّ التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص المنفصل المردّد مفهوماً

‏إذا تحقّق لک سرّ عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة للمخصّص‏‎ ‎‏المنفصل المبیّن المفهوم‏ ‏، فحان وقت التنبیه علی سرّ جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة‏‎ ‎‏المصداقیة للمخصّص المنفصل إذا کان مردّد المفهوم‏ ‏؛ والسرّ هو أنّ أصالة الجدّ‏‎ ‎‏وتطابق الجدّ للاستعمال‏ ‏، لیست ممّا تعرّض له الکتاب العزیز والسنّة‏ ‏؛ حتّی یتمسّک‏‎ ‎‏بإطلاق الآیة أو الروایة أو عمومهما فی الحکم بجریانها حتّی فی المجملات المفهومیة‏‎ ‎‏ونحوها‏ ‏، بل هی من الاُصول العقلائیة المعتمد علیها فی محاورات أهل العرف‏‎ ‎‏وأنظمتهم‏ ‏، فلابدّ من ملاحظة ما بنوا واستقرّوا علیه‏ ‏، ومن المعلوم أنّ اعتمادهم‏‎ ‎‏وبناءهم علیها‏ ‏، إنّما هو فی مورد یکون الظهور اللفظی بحاله‏ ‏، ویشکّ فی تطابقه للجدّ‏ ‏،‏‎ ‎‏وأمّا فی مورد لا یکون هناک من الظهور عین ولا أثر‏ ‏، فلا مسرح ولا موضع لها‏‎ ‎‏أصلاً‏ ‏، ولذا لا تجری فی الألغاز والمعمّیات‏ ‏، کما لا تجری فی الرموز والإشارات الخفیة‏ ‏،‏‎ ‎‏نظیر فواتح السور‏ ‏، فإنّها رموز بینه تعالی وبین رسوله الأکرم ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فلا مجری لها فی‏‎ ‎‏موارد الإجمال المفهومی‏ ‏، فلابدّ هناک من الأخذ بالقدر المتیقّن‏ .

‏فعلی هذا لا تجری أصالة الجدّ فیما إذا کان المخصّص المنفصل مجملاً‏ ‏، بل‏‎ ‎‏تنحصر فی العامّ وحده‏ ‏، فلا وجه لرفع الید عن أصالة الجدّ فی العامّ بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الفرد المشکوک کونه مصداقاً للخاصّ المجمل؛ بداهة أنّ رفع الید عنها عند ذلک، رفع‏‎ ‎‏للید عن الحجّة بلا حجّة.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 376
‏ولتوضیح المقال نقول : ربما یشتبه ویختلط الوجدان بالحجّة فیقال : بعد ورود‏‎ ‎‏«أکرم العلماء» مثلاً و«لا تکرم فسّاقهم» یقطع بعدم وجوب إکرام فسّاقهم وخروجهم‏‎ ‎‏عن إکرام العلماء‏ ‏، وینحصر الوجوب فی إکرام العالم غیر الفاسق‏ ‏، أو العادل‏ ‏، فإن کان‏‎ ‎‏الخاصّ مجملاً مفهوماً یصیر العامّ المخصّص مجملاً أیضاً‏ ‏؛ لأنّه یشکّ فی وجوب إکرام‏‎ ‎‏العالم المرتکب للصغیرة‏ ‏، لعدم اتضاح مفهوم الفاسق‏ .

‏وفیه : أنّا قد أشرنا إلی أنّ الاُصول العقلائیة المعتمد علیها فی المحاورات‏‎ ‎‏العرفیة ـ ومنها أصالة تطابق الجدّ للاستعمال ـ لیست منصوصة فی الشریعة المقدّسة‏‎ ‎‏حتّی یؤخذ بإطلاقها أو عمومها‏ ‏، بل لابدّ فیها من المراجعة إلی بنائهم وما استقرّوا‏‎ ‎‏علیه‏ ‏، ومن المعلوم أنّ بناءهم مقصور علی موارد الظهور‏ ‏، فیحکمون بتطابق الجدّ‏‎ ‎‏للاستعمال فیما إذا کان للّفظ ظهور استعمالی‏ ‏، وأمّا فیما لا ظهور له أصلاً فلا‏ ‏، ففی‏‎ ‎‏المخصّص المبیّن المفهوم استقرّ فیه تمام مراحل الحجّیة‏ ‏، ومنها تطابق الجدّ مع الاستعمال‏‎ ‎‏فیه‏ ‏، وتحقّق أیضاً فی العام تمام مراحل الحجّیة‏ ‏، ویُحتجّ بکلّ منهما‏ ‏، فتکون هنا‏‎ ‎‏حجّتان : «أکرم العلماء» و«لا تکرم الفسّاق منهم» وحیث إنّ الحجّة الثانیة مقدّمة علی‏‎ ‎‏الاُولی ـ کما هو واضح ـ فتخصّص الاُولی بها‏ ‏، وبتخصیصها یستکشف أنّ الإرادة‏‎ ‎‏الجدّیة فیها لم تتعلّق بمقدار الخاصّ‏ ‏، فالفرد المشکوک کونه مصداقاً للخاصّ‏ ‏، یشکّ فی‏‎ ‎‏کونه مصداقاً للمخصّص حتّی یکون تحت الإرادة الجدّیة لحکم العامّ المخصّص‏ ‏،‏‎ ‎‏فحیث لا ترجّح فی البین فلا یکاد یصحّ التمسّک بالعامّ‏ .

‏وأمّا المخصّص المردّد المفهوم‏ ‏، فحیث إنّه لم تجر فیه أصالة تطابق الجدّ مع‏‎ ‎‏الاستعمال‏ ‏، لذا تکون أصالة الجدّ فی العامّ سلیمة بلا معارض‏ ‏، فیصحّ التمسّک بها‏‎ ‎‏لتعیین حال الفرد‏ ‏، فحصل الفرق بینهما‏ ‏، فتدبّر واغتنم‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 377