المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

المورد الثانی فی المخصّص اللفظی المنفصل المجمل من حیث المفهوم

المورد الثانی فی المخصّص اللفظی المنفصل المجمل من حیث المفهوم

‏ ‏

‏لو کان المخصّص المنفصل مجملاً مفهوماً ومردّداً بین الأقلّ والأکثر ، فقال‏‎ ‎‏شیخنا العلاّمة الحائری ‏‏قدس سره‏‏ : «إنّه إن صارت عادة المتکلّم علی ذکر المخصّص منفصلاً‏ ‏،‏‎ ‎‏یکون وزان المنفصل فی کلامه وزان المتصل فی کلام غیره‏ ‏، فکما أنّه فی المتصل یجب‏‎ ‎‏إحراز عدمه فی کلام غیره من المتکلّمین حتّی یتمسّک بالعموم‏ ‏، فکذلک یجب إحراز‏‎ ‎‏عدم المنفصل هنا‏ ‏، فیلزم الإجمال‏ ‏؛ لعدم إحراز عدمه»‏‎[1]‎ .

‏وفیه : أنّ غایة ما یقتضیه مقاله ‏‏قدس سره‏‏ عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن‏‎ ‎‏المخصّص‏ ‏، وهو کلام حسن فی بابه‏ ‏، ونحن أیضاً نقول به‏ ‏، ولکن أین هذا من‏‎ ‎‏سرایة إجمال المخصّص إلی العامّ‏ ‏، کما هو مفروض البحث؟! بداهة أنّ ظهور العامّ‏‎ ‎‏لا ینثلم لأجل جریان تلک العادة‏ ‏؛ لعدم تطرّق التردّد والإجمال بذلک إلی حریم‏‎ ‎‏الظهور الاستعمالی‏ .

‏نعم‏ ‏، لمّا لم یجز التمسّک به ـ لعدم إحراز ذلک الأصل العقلائی‏ ‏؛ أی تطابق الجدّ‏‎ ‎‏مع الاستعمال ـ قبل الفحص‏ ‏، لا یکون ذلک الظهور المنعقد حجّة إلاّ بعد الفحص‏ .

‏والذی سهّل الخطب رجوعه ‏‏قدس سره‏‏ عنه فی الدورة الأخیرة‏ ‏، فلاحظ‏‎[2]‎ .

وقال المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ : «سقطت حجّیة العامّ فی خصوص الأقلّ المتیقّن‏‎ ‎‏تخصیصه‏ ‏، وأمّا بالنسبة إلی الأکثر فباقٍ علی حجّیته‏ ‏، وأصالة العموم جاریة فیه‏ ‏،‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
‏فبعد أن قال : «أکرم العلماء» ورد «لا تکرم فسّاق العلماء» وتردّد «الفاسق» بین أن‏‎ ‎‏یکون خصوص مرتکب الکبیرة‏ ‏، أو الأعمّ منه ومن مرتکب الصغیرة‏ ‏، فبالنسبة إلی‏‎ ‎‏مرتکب الکبیرة سقط العامّ عن الحجّیة‏ ‏؛ للعلم بخروجه علی کلّ حال‏ ‏، وأمّا بالنسبة‏‎ ‎‏إلی مرتکب الصغیرة فیشکّ فی خروجه‏ ‏، ومقتضی أصالة العموم عدم خروجه‏ .

‏وتوهّم : أنّ الخارج هو عنوان «الفاسق» لا خصوص مرتکب الکبیرة‏ ‏، والعامّ‏‎ ‎‏لیس کبری کلّیة بالنسبة إلی عنوان «الفاسق» للعلم بخروج هذا العنوان عن العامّ‏ ‏،‏‎ ‎‏فلا مجال للتمسّک بأصالة العموم بالنسبة إلی من شکّ فی دخوله تحت عنوان‏‎ ‎‏«الفاسق»‏ .

‏فاسد‏ ‏؛ لأنّ الخارج لیس مفهوم «الفاسق» بل واقع الفاسق‏ ‏، وحیث لم یعلم أنّ‏‎ ‎‏مرتکب الصغیرة مندرج فی الفاسق الواقعی‏ ‏، یشکّ لا محالة فی تخصیص العامّ واقعاً‏‎ ‎‏بالنسبة إلی مرتکب الصغیرة‏ ‏، والمرجع حینئذٍ هو أصالة العموم»‏‎[3]‎ .

وفیه :‏ أنّه ‏‏قدس سره‏‏ إن أراد بـ‏ ‏«واقع الفاسق» فی قوله فی دفع التوهّم : «إنّ الخارج‏‎ ‎‏لیس عنوان الفاسق‏ ‏، بل واقع الفاسق» وهو الأفراد الخارجیة‏ ‏، فیلزم کون التخصیص‏‎ ‎‏مخرجاً للأفراد‏ ‏، لا الأنواع والعناوین‏ ‏، مع أنّه ‏‏قدس سره‏‏ مصرّ علی بطلان التخصیص‏‎ ‎‏الأفرادی‏ ‏، وإن کان المراد الفاسق الواقعی لا المشتبه ـ کما هو الظاهر من العناوین‏‎ ‎‏المأخوذة موضوعاً للأحکام ـ فحینئذٍ یکون هو عنواناً لا غیر‏ ‏، فمعه یلزم تعنون العامّ‏‎ ‎‏به‏ ‏، فیصیر الموضوع ذا جزأین‏ .

والحقّ‏ : أنّه لا یسری إجمال المخصّص إلی العامّ‏ ‏، بل یتمسّک به فی موارد‏‎ ‎‏الشکّ‏ ‏؛ لأنّ الخاصّ المجمل لیس بحجّة فی موارد الإجمال‏ ‏، ولا یعقل رفع الید‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368
‏عن الحجّة بما لیس بحجّة‏ ‏. ولا یقاس المقام بالمخصّص المتصل من جهة سرایة‏‎ ‎‏إجماله إلی العامّ‏ ‏؛ لأنّه لم ینعقد هناک ظهور بعد للعامّ إلاّ فی المعنون بالعنوان‏‎ ‎‏المجمل‏ ‏، بخلافه هنا‏ ‏، فإنّ الظهور قد استقرّ وتمّ علی عنوان «الکلّ» و«الجمیع»‏‎ ‎‏ولا یجوز رفع الید عن الظهور الثابت إلاّ بالمقدار المتیقّن‏‎[4]‎ ‏، فیجوز التمسّک بالعامّ فی‏‎ ‎‏الشبهة المفهومیة للمخصّص المنفصل‏ ‏. هذا إذا کان المخصّص المجمل المنفصل مردّداً‏‎ ‎‏بین الأقلّ والأکثر‏ .

وأمّا‏ إذا کان مردّداً بین المتباینین‏ ‏، فالحقّ أنّ إجماله یسری إلی العامّ حکماً‏ ‏،‏‎ ‎‏ومعنی السرایة الحکمیة هو أنّه لا یجوز التمسّک بالعامّ فی واحد منهما‏ ‏، مع کون العامّ‏‎ ‎‏حجّة فی واحد معیّن واقعاً‏ ‏، ولابدّ من إعمال قواعد العلم الإجمالی‏ ‏، والسرّ فی ذلک هو‏‎ ‎‏أنّه بعد الظفر بالمخصّص الکذائی‏ ‏، لا متیقّن فی البین حتّی یؤخذ به ویترک المشکوک‏‎ ‎‏فیه‏ ‏، کما کان فی الأقلّ والأکثر‏ ‏، بل کلاهما فی الاحتمال متساویان‏ ‏، فلا محیص إلاّ من‏‎ ‎‏إجراء قواعد العلم الإجمالی‏ .

‏فحینئذٍ لو کان المخصّص بلسان التحریم وظاهراً فی حرمة مورده‏ ‏، وکان‏‎ ‎‏مقتضی العامّ الوجوب‏ ‏، فیکون المقام من دوران الأمر بین المحذورین‏ ‏، وإن کان‏‎ ‎‏المخصّص بلسان الترخیص ورافعاً لکلفة الوجوب عن مورد التخصیص‏ ‏، فلازمه‏‎ ‎‏إکرام کلا الرجلین ـ مثلاً ـ حتّی یتیقّن بالبراءة‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369

  • )) الدرر الفوائد ، المحقّق الحائری : 215 .
  • )) نفس المصدر : 215 ، الهامش 1 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 524 .
  • )) قلت : تلقّینا من سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ فی الدورة السابقة : أنّه لو کان المخصّص الکذائی وارداً بلسان الحکومة علی نحو الشرح والتفسیر ـ کما إذا قال : «المراد من العلماء هو غیر الفسّاق» أو «إنّ الوجوب لم یجعل علی الفاسق منهم» ـ فحیث إنّه مبیّن ومفسّر للعامّ فکأنّه مخصّص متصل ، فلا یمکن القول بصیرورة العامّ معنوناً بذلک . ولکن مع ذلک فالمسألة بعد محلّ إشکال . [ المقرّر حفظه الله ]