المورد الثانی فی المخصّص اللفظی المنفصل المجمل من حیث المفهوم
لو کان المخصّص المنفصل مجملاً مفهوماً ومردّداً بین الأقلّ والأکثر ، فقال شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره : «إنّه إن صارت عادة المتکلّم علی ذکر المخصّص منفصلاً ، یکون وزان المنفصل فی کلامه وزان المتصل فی کلام غیره ، فکما أنّه فی المتصل یجب إحراز عدمه فی کلام غیره من المتکلّمین حتّی یتمسّک بالعموم ، فکذلک یجب إحراز عدم المنفصل هنا ، فیلزم الإجمال ؛ لعدم إحراز عدمه» .
وفیه : أنّ غایة ما یقتضیه مقاله قدس سره عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ، وهو کلام حسن فی بابه ، ونحن أیضاً نقول به ، ولکن أین هذا من سرایة إجمال المخصّص إلی العامّ ، کما هو مفروض البحث؟! بداهة أنّ ظهور العامّ لا ینثلم لأجل جریان تلک العادة ؛ لعدم تطرّق التردّد والإجمال بذلک إلی حریم الظهور الاستعمالی .
نعم ، لمّا لم یجز التمسّک به ـ لعدم إحراز ذلک الأصل العقلائی ؛ أی تطابق الجدّ مع الاستعمال ـ قبل الفحص ، لا یکون ذلک الظهور المنعقد حجّة إلاّ بعد الفحص .
والذی سهّل الخطب رجوعه قدس سره عنه فی الدورة الأخیرة ، فلاحظ .
وقال المحقّق النائینی قدس سره : «سقطت حجّیة العامّ فی خصوص الأقلّ المتیقّن تخصیصه ، وأمّا بالنسبة إلی الأکثر فباقٍ علی حجّیته ، وأصالة العموم جاریة فیه ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 367
فبعد أن قال : «أکرم العلماء» ورد «لا تکرم فسّاق العلماء» وتردّد «الفاسق» بین أن یکون خصوص مرتکب الکبیرة ، أو الأعمّ منه ومن مرتکب الصغیرة ، فبالنسبة إلی مرتکب الکبیرة سقط العامّ عن الحجّیة ؛ للعلم بخروجه علی کلّ حال ، وأمّا بالنسبة إلی مرتکب الصغیرة فیشکّ فی خروجه ، ومقتضی أصالة العموم عدم خروجه .
وتوهّم : أنّ الخارج هو عنوان «الفاسق» لا خصوص مرتکب الکبیرة ، والعامّ لیس کبری کلّیة بالنسبة إلی عنوان «الفاسق» للعلم بخروج هذا العنوان عن العامّ ، فلا مجال للتمسّک بأصالة العموم بالنسبة إلی من شکّ فی دخوله تحت عنوان «الفاسق» .
فاسد ؛ لأنّ الخارج لیس مفهوم «الفاسق» بل واقع الفاسق ، وحیث لم یعلم أنّ مرتکب الصغیرة مندرج فی الفاسق الواقعی ، یشکّ لا محالة فی تخصیص العامّ واقعاً بالنسبة إلی مرتکب الصغیرة ، والمرجع حینئذٍ هو أصالة العموم» .
وفیه : أنّه قدس سره إن أراد بـ «واقع الفاسق» فی قوله فی دفع التوهّم : «إنّ الخارج لیس عنوان الفاسق ، بل واقع الفاسق» وهو الأفراد الخارجیة ، فیلزم کون التخصیص مخرجاً للأفراد ، لا الأنواع والعناوین ، مع أنّه قدس سره مصرّ علی بطلان التخصیص الأفرادی ، وإن کان المراد الفاسق الواقعی لا المشتبه ـ کما هو الظاهر من العناوین المأخوذة موضوعاً للأحکام ـ فحینئذٍ یکون هو عنواناً لا غیر ، فمعه یلزم تعنون العامّ به ، فیصیر الموضوع ذا جزأین .
والحقّ : أنّه لا یسری إجمال المخصّص إلی العامّ ، بل یتمسّک به فی موارد الشکّ ؛ لأنّ الخاصّ المجمل لیس بحجّة فی موارد الإجمال ، ولا یعقل رفع الید
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 368
عن الحجّة بما لیس بحجّة . ولا یقاس المقام بالمخصّص المتصل من جهة سرایة إجماله إلی العامّ ؛ لأنّه لم ینعقد هناک ظهور بعد للعامّ إلاّ فی المعنون بالعنوان المجمل ، بخلافه هنا ، فإنّ الظهور قد استقرّ وتمّ علی عنوان «الکلّ» و«الجمیع» ولا یجوز رفع الید عن الظهور الثابت إلاّ بالمقدار المتیقّن ، فیجوز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المفهومیة للمخصّص المنفصل . هذا إذا کان المخصّص المجمل المنفصل مردّداً بین الأقلّ والأکثر .
وأمّا إذا کان مردّداً بین المتباینین ، فالحقّ أنّ إجماله یسری إلی العامّ حکماً ، ومعنی السرایة الحکمیة هو أنّه لا یجوز التمسّک بالعامّ فی واحد منهما ، مع کون العامّ حجّة فی واحد معیّن واقعاً ، ولابدّ من إعمال قواعد العلم الإجمالی ، والسرّ فی ذلک هو أنّه بعد الظفر بالمخصّص الکذائی ، لا متیقّن فی البین حتّی یؤخذ به ویترک المشکوک فیه ، کما کان فی الأقلّ والأکثر ، بل کلاهما فی الاحتمال متساویان ، فلا محیص إلاّ من إجراء قواعد العلم الإجمالی .
فحینئذٍ لو کان المخصّص بلسان التحریم وظاهراً فی حرمة مورده ، وکان مقتضی العامّ الوجوب ، فیکون المقام من دوران الأمر بین المحذورین ، وإن کان المخصّص بلسان الترخیص ورافعاً لکلفة الوجوب عن مورد التخصیص ، فلازمه إکرام کلا الرجلین ـ مثلاً ـ حتّی یتیقّن بالبراءة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 369