المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

توجیه آخر لعدم مجازیة العامّ المخصّص وتزییفه

توجیه آخر لعدم مجازیة العامّ المخصّص وتزییفه

‏ثمّ إنّ المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ حیث أنکر وجود الإرادتین الاستعمالیة والجدّیة‏ ‏،‏‎ ‎‏سلک طریقاً آخر لعدم لزوم المجازیة من التخصیص والتقیید‏ ‏، ولکنّه لا یخلو من‏‎ ‎‏النظر‏ ‏، فقال أوّلاً ما حاصله : أنّ حقیقة الاستعمال لیست إلاّ إلقاء المعنی بلفظه‏ ‏؛ بحیث‏‎ ‎‏لا یکون الشخص حال الاستعمال ملتفتاً إلی اللفظ‏ ‏، بل هو مغفول عنه‏ ‏، وإنّما یکون‏‎ ‎‏اللفظ مرآة إلی المعنی‏ ‏، ولیس للاستعمال إرادة مغایرة لإرادة المعنی الواقعی‏ ‏،‏‎ ‎‏فالمستعمِل إن کان قد أراد المعنی الواقع تحت اللفظ فهو‏ ‏، وإلاّ کان هازلاً‏ .

‏ودعوی : أنّ العامّ قد سیق لضرب القاعدة‏ ‏، ممّا لا محصّل له‏ ‏؛ فإنّ أداة العموم‏‎ ‎‏والمدخول إنّما سیقت لبیان الحکم النفس الأمری‏ ‏، ولیست القاعدة جزء مدلول‏‎ ‎‏الأداة‏ ‏، ولا جزء مدلول المدخول‏ .

‏نعم قد یعبّر عن العامّ بالقاعدة‏ ‏، إلاّ أنّ المراد منها القاعدة العقلائیة من حجّیة‏‎ ‎‏الظهور وأصالة العموم‏ ‏؛ وأین هذا من العامّ المسوق لبیان الحکم الواقعی؟!‏

‏والحاصل : أنّ تفکیک الإرادة الاستعمالیة عن الإرادة الواقعیة ممّا لا محصّل له‏ ‏،‏‎ ‎‏بل العامّ قبل ورود التخصیص علیه وبعده‏ ‏، علی حدّ سواء فی تعلّق الإرادة به‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 356
‏ثمّ قال ‏‏قدس سره‏‏ : التحقیق أن یقال : إنّ کلاًّ من أداة العموم ومدخولها‏ ‏، لم یستعمل إلاّ‏‎ ‎‏فی معناه‏ ‏؛ من غیر فرق فی ذلک بین کون المخصّص متصلاً‏ ‏، أو منفصلاً‏ ‏، أو کان‏‎ ‎‏التخصیص أنواعیاً‏ ‏، أو أفرادیاً‏ ‏، أو کانت القضیة حقیقیة‏ ‏، أو خارجیة :‏

‏أمّا الأداة‏ ‏، فلأنّها لم توضع إلاّ للدلالة علی استیعاب ما ینطبق علیه المدخول‏ ‏،‏‎ ‎‏ومعلوم أنّه لا یتفاوت الحال فیها بین سعة دائرة المدخول أو ضیقه‏ .

‏وأمّا فی المدخول‏ ‏، فلأنّه لم یوضع إلاّ للطبیعة المهملة المعرّاة عن کلّ‏‎ ‎‏خصوصیة‏ ‏؛ لأنّ «العالم» مثلاً لا یکون معناه إلاّ من انکشف لدیه الشیء‏ ‏؛ من دون‏‎ ‎‏دخالة للعدالة والفسق وغیرهما فیه أصلاً‏ ‏، فلو قیّد «العالم» بـ‏ ‏«العادل» مثلاً لم یستلزم‏‎ ‎‏ذلک مجازاً فی لفظ «العالم» لأنّه لم یرد من «العالم» إلاّ معناه‏ ‏، ولم یستعمل فی غیر من‏‎ ‎‏انکشف لدیه الشیء‏ ‏، والخصوصیة إنّما استفیدت من دالّ آخر‏ .

‏فعلی هذا‏ ‏، لا یفرّق الحال بین أن یکون القید متّصلاً بالکلام‏ ‏، أو منفصلاً‏ ‏، أو‏‎ ‎‏لم‏ ‏یذکر القید أصلاً‏ ‏، ولکن کان المراد المقیّد‏ ‏؛ فإنّه فی جمیع ذلک لم یستعمل «العالم» إلاّ‏‎ ‎‏فی معناه‏ ‏، فمن أین تأتی المجازیة؟!‏

‏وربما یتوهّم المجازیة فی التخصیص الأفرادی‏ ‏؛ سواء کان ذلک فی القضیة‏‎ ‎‏الحقیقیة‏ ‏، أو الخارجیة‏ ‏؛ لأنّ التخصیص الأفرادی لا یوجب تضییق دائرة المصبّ‏‎ ‎‏ومدخول الأداة‏ ‏، کما فی التخصیص الأنواعی‏ ‏؛ لأنّ المدخول ـ کما تقدّم ـ لم یوضع إلاّ‏‎ ‎‏للطبیعة‏ ‏، فالتخصیص الأفرادی إنّما یصادم نفس الأداة‏ ‏؛ من حیث إنّ الأداة موضوعة‏‎ ‎‏لاستیعاب أفراد المدخول‏ ‏، والتخصیص الأفرادی یوجب عدم استیعاب الأفراد‏ ‏،‏‎ ‎‏فیلزم استعمال الأداة فی غیرما وضعت له‏ .

‏ولکنّه مدفوع‏ ‏؛ لأنّ الأقوی أنّ التخصیص الأفرادی أیضاً لا یوجب المجازیة :‏

‏أمّا فی القضیة الحقیقیة‏ ‏؛ فلأنّ الأفراد لیست مشمولة للّفظ ابتداءً‏ ‏؛ بحیث تکون‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 357
‏دلالة «أکرم کلّ عالم» علی إکرام زید وعمرو وبکر وغیرهم‏ ‏، دلالة لفظیة‏ ‏، وإلاّ لما‏‎ ‎‏احتجنا فی الحقیقیة إلی تألیف القیاس واستنتاج حکم الأفراد من ضمّ الکبری إلی‏‎ ‎‏الصغری‏ ‏؛ بل یستفاد حکم کلّ فرد من تألیف القیاس وتطبیق الکبری الکلّیة علیه‏ ‏،‏‎ ‎‏التخصیص الأفرادی أیضاً یوجب تضییق دائرة المصبّ ومدخول الأداة‏ .

‏وأمّا فی القضیة الخارجیة‏ ‏، فالتوهّم وإن کان فیها اَمَسّ‏ ‏؛ من جهة أنّ القضیة‏‎ ‎‏الخارجیة ابتداءً‏ ‏، متکفّلة لحکم الأفراد بلا حاجة إلی تألیف القیاس ثبوتاً وإن‏‎ ‎‏احتاجت إلیه أحیاناً إثباتاً‏ ‏، إلاّ أنّه مع ذلک التخصیص الأفرادی فی الخارجیة‏‎ ‎‏لا‏ ‏یوجب المجازیة أیضاً‏ ‏؛ للعلم بأنّ استعمال أداة العموم ومدخولها فی الحقیقیة‏‎ ‎‏والخارجیة‏ ‏، إنّما یکون علی نهج واحد‏ ‏، ولیس للأداة فی الخارجیة وضع واستعمال‏‎ ‎‏علی حدة‏ ‏، وانقسام القضیة إلیهما لیس باعتبار اختلاف الوضع والاستعمال‏ ‏، بل‏‎ ‎‏باعتبار اللحاظ‏ ‏؛ من حیث لحاظ الأفراد الموجودة فعلاً فی الخارجیة‏ ‏، وعدم لحاظها‏‎ ‎‏کذلک فی الحقیقیة‏ ‏، واختلاف اللحاظ إنّما یکون باختلاف الملاک فی القضیتین‏ ‏،‏‎ ‎‏فالتخصیص الأفرادی فی القضیة الخارجیة‏ ‏، أیضاً یرد علی المصبّ والمدخول‏ ‏،‏‎ ‎‏ویوجب تضییق دائرته‏ ‏، انتهی محرّراً‏‎[1]‎ .

أقول : فی کلامه ‏قدس سره‏‏ مواقع للنظر‏ ‏، ولو أغمضنا وسلّمنا جمیع مقدّماته‏ ‏؛ وأنّ‏‎ ‎‏مرجع القیود هو المدخول‏ ‏، وأنّ المتعلّق للأفراد ثانوی لا أوّلی‏ ‏، وأنّ التخصیص‏‎ ‎‏أنواعی لا أفرادی‏ ‏، وأنّ الفرق بین الحقیقیة والخارجیة هو ما ذکره‏ ‏، وغیر ذلک‏ ‏، فمع‏‎ ‎‏ذلک یتوجّه علیه ـ علی الإجمال ـ إشکال ذو شعب‏ .

‏وحاصله : أنّ العامّ الذی یتعقّبه المخصّص إذا لم تخالف إرادته الاستعمالیة إرادته‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 358
‏الجدّیة‏ ‏، فإمّا أن یکون مریداً جدّاً ترتّب الحکم علی جمیع أفراد الموضوع‏ ‏، فیکون‏‎ ‎‏التخصیص نسخاً وبداءً مستحیلاً علی الواجب تعالی إذا کان من القسم المحال‏ ‏، أو‏‎ ‎‏نسخاً مطلقاً‏ ‏، والنسخ وإن لم یکن محالاً‏ ‏، ولکنّه خارج عن محطّ البحث الذی هو فی‏‎ ‎‏التخصیص لا النسخ‏ .

‏وإمّا أن یرید ترتّب الحکم علی قسم خاصّ من الموضوع‏ ‏، فیلزم أن یکون‏‎ ‎‏الاستعمال عنده ‏‏قدس سره‏‏ مجازیاً‏ ‏؛ لأنّ المجاز عندهم ـ خلافاًلما هو المختار فی باب المجاز‏ ‏،‏‎ ‎‏وقد أشرنا إلیه آنفاً ـ هو استعمال اللفظ فی غیر معناه الموضوع له‏ ‏، ومن مصادیقه‏‎ ‎‏الشائعة عندهم إرادة المقیّد من المطلق‏ .

‏والحاصل : أنّه یلزم فی العامّ المخصّص أحد هذه الاُمور علی سبیل منع الخلوّ :‏

‏إمّا أن یکون اللفظ مستعملاً فی معنی لم یرده جدّاً ، کما نقول به‏ .

‏أو الالتزام بکون التخصیص نسخاً‏ .

‏أو کون استعمال العامّ فی الباقی مجازیاً‏ .

‏فالإشکال ذو شعب‏ ‏، والمحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ حیث ینکر الإرادتین فیتوجّه علیه‏‎ ‎‏أحد الأمرین الأخیرین‏ .

‏فظهر : أنّ الجواب الذی أجاب به المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ عن شبهة إجمال العامّ‏‎ ‎‏المخصّص فی الباقی بعد التخصیص‏ ‏، لم یکن مقنعاً‏ ‏، مع ما فیه‏ .

إشکالان ودفعان :

‏قد عرفت التقریب الذی ذکرناه لحجّیة العامّ فی الباقی بعد التخصیص‏ ‏؛ وأنّه‏‎ ‎‏بعد التخصیص یستکشف أنّ الإرادة الجدّیة‏ ‏، لم تکن متعلّقة من أوّل الأمر بما خرج‏‎ ‎‏عن العامّ‏ ‏. ومقتضی کثرة التخصیصات فی الشریعة‏ ‏، هو عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 359
‏الفحص عن المخصّص‏ ‏، کما هو الشأن فی إجراء الاُصول العقلیة والشرعیة‏ ‏، کقاعدة‏‎ ‎‏قبح العقاب بلا بیان‏ ‏، وقاعدة «رفع‏ . . ‏. ما لا یعلمون»‏ .

ولکن یظهر من المحقّق الأصفهانی ‏قدس سره‏‏ توجّه إشکالین علی ما ذکرنا‏ ‏، فإنّه‏  ‏قدس سره‏‎ ‎‏وجّه مقال اُستاذه المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ ـ وهو أنّ العموم الملقی من باب ضرب‏‎ ‎‏القاعدة وإتمام الحجّة ـ بأنّ الحجّة متقوّمة بالکشف النوعی عن الإرادة الجدّیة‏ ‏، فله‏‎ ‎‏أن یجعل الإنشاء بالإضافة إلی تمام أفراد العامّ بداعی إعطاء الحجّة‏ ‏، ویکون له من‏‎ ‎‏الأثر ما للإنشاء بداعی البعث الحقیقی‏ . . ‏. إلی أن قال : «إنّ الحجّة بلحاظ کاشفیة‏‎ ‎‏الإنشاء عن کونه بداعی البعث الحقیقی‏ ‏، فیکون منشأً لانتزاع البعث حقیقة بالإضافة‏‎ ‎‏إلی کلّ واحد‏ . . . » .

‏إلی أن قال ما حاصله : أنّه بعد التخصیص حیث لم یکن بعثاً حقیقیاً بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الأفراد التی خرجت عن دائرة العامّ ـ مع کونها متعلّقاً بها فی مرحلة الإنشاء ـ‏‎ ‎‏فلازمه صدور الواحد عن داعیین بلاجهة جامعة تکون هی الداعی :‏

‏الأوّل : إنشاؤه بداعی البعث والتحریک الواقعی‏ ‏؛ وهو بالنسبة إلی الباقی‏ .

‏والثانی : إنشاؤه بداعی ضرب القاعدة والقانون‏ ‏؛ وهو بالنسبة إلی ما خرج‏ .

‏فهناک داعیان لجعل قانون واحد‏ ‏، وقد برهن علی امتناع صدور الواحد عن‏‎ ‎‏اثنین‏ ‏. هذا بالنسبة إلی إشکاله الأوّل‏ .

‏وأمّا إشکاله الثانی فحاصله : أنّ الظاهر من البعث والإنشاء کونه بداعی‏‎ ‎‏الانبعاث‏ ‏، لا لجعل القاعدة والحجّة‏ ‏، والظاهر من استعمال الألفاظ کونها مستعملة‏‎ ‎‏فی معانیها‏ ‏، فإذا ورد التخصیص‏ ‏، فیدور الأمر بین رفع الید إمّا عن ظهور استعمال‏‎ ‎‏الألفاظ فی معانیها‏ ‏، مع حفظ ظهورها فی کونه بداعی البعث الجدّی بالإضافة إلی‏‎ ‎‏ما استعمل فیه‏ ‏؛ وهو الخصوص‏ ‏، أو عن مطابقة الجدّ للاستعمال وعدم کون الجدِّ‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 360
‏مطابقاً للاستعمال‏ ‏، ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر‏ .

‏ثمّ ورد فی أصل المطلب فقال : «إنّ المخصّص المنفصل إمّا یرد قبل وقت‏‎ ‎‏الحاجة‏ ‏، أو بعدها‏ ‏، فإن ورد قبلها فالإنشاء وإن کان بداعی البعث جدّاً‏ ‏، إلاّ أنّه‏‎ ‎‏بالنسبة إلی موضوعه الذی یحدّده ویعیّنه بکلامین منفصلین‏ ‏، فإنّه لو علم أنّ عادة هذا‏‎ ‎‏المتکلّم إفادة مرامه الخصوصی بکلامین منفصلین‏ ‏، لم یکن ظهور کلامه فی العموم‏‎ ‎‏دلیلاً علی مرامه‏ ‏؛ وإن ورد بعد الحاجة فالإنشاء بداعی البعث الجدّی بالإضافة إلی‏‎ ‎‏الجمیع‏ ‏، غایة الأمر یکون البعث المزبور بالنسبة إلی بعض أفراد العامّ‏ ‏، منبعثاً عن‏‎ ‎‏المصالح الواقعیة الأوّلیة‏ ‏، وفی بعضها الآخر عن المصالح الثانویة‏ ‏؛ بحیث ینتهی أمدها‏‎ ‎‏بقیام المخصّص»‏‎[2]‎ .

وفیه أنّه یتوجّه علی إشکاله الأوّل اُمور :

‏فأوّلاً‏‏ : أنّ مقتضی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ أنّه لو کان بین الداعیین جهة جامعة لأمکن ذلک‏ ‏،‏‎ ‎‏وهو منه عجیب‏ ‏؛ لأنّ الجامع بما هو جامع بنعت الوحدة‏ ‏، لم یکن موجوداً حتّی یکون‏‎ ‎‏مؤثّراً فی شیء أو متأثّراً عنه‏ .

وثانیاً‏ : أنّ الدواعی المختلفة ربما تدعو الإنسان إلی شیء واحد‏ ‏، کما ‏ لا ‏یخفی‏ .

وثالثاً‏ : أنّ حدیث امتناع صدور الواحد عن اثنین وبالعکس‏ ‏، أجنبی عن‏‎ ‎‏أمثال المقام‏ ‏؛ لأنّ مجراه ـ کما قرّر فی محلّه وأشرنا إلیه غیر مرّة ـ مختصّ بالواحد‏‎ ‎‏البسیط الحقیقی الذی لا یکون فیه شائبة الترکیب أصلاً‏ .

ورابعاً‏ : لو عمّم مورد القاعدة‏ ‏، فغایة ما یمکن أن یقال هو تعمیمها لمطلق العلّة‏‎ ‎‏الفاعلیة‏ ‏، ومعلوم أنّ الدواعی لیست من علل فاعلیة الشیء‏ ‏، بل من غایات صدور‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 361
‏الأفعال‏ ‏، ومعنی کون الغایة علّة فاعلیة للفاعل‏ ‏؛ هو أنّه لا یصیر الفاعل مبدأ الأمر‏‎ ‎‏إلاّ لأجلها‏ ‏، لا أنّ الغایة مصدر فاعلیته‏ ‏، فالغایة ما لأجلها الحرکة‏ ‏، لا فاعل‏‎ ‎‏التحریک‏ ‏، فتدبّر‏ .

ویتوجّه علی إشکاله الثانی أمران :

‏فأوّلاً‏‏ : أنّ احتمال المجازیة بمجرّد استعمال العامّ فی الخاصّ‏ ‏، غیر صحیح‏ ‏؛ لما مرّ‏‎ ‎‏مستوفیاً وأشرنا إلیه آنفاً من أنّه لیست المجازیة باستعمال اللفظ فی غیر معناه‏‎ ‎‏الموضوع له‏ .

و ثانیاً‏ : أنّه لو سلّمت المجازیة لا تکون هناک علاقة مصحّحة‏ .

‏وبالجملة یشترک الاستعمال المجازی مع الاستعمال الحقیقی فی أنّهما یستعملان‏‎ ‎‏فیما وضعا له بلا تفاوت بینهما أصلاً‏ ‏، وإنّما التفاوت فی تطبیق المعنی المستعمل فیه علی‏‎ ‎‏المصداق الحقیقی والادعائی‏ ‏، ومن المعلوم أنّه لا مصحّح للادّعاء فی أمثال المقام‏ ‏، فمعه‏‎ ‎‏لا یدور الأمر بین رفع الید عن الظهور الاستعمالی وبین رفعها عن الظهور الإنشائی فی‏‎ ‎‏کونه بداعی البعث الحقیقی‏ ‏، فتدبّر‏ .

ذکر وتعقیب

‏قد أجاب المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ عن الشبهة بما حاصله : أنّ العامّ وإن کان له ظهور‏‎ ‎‏واحد ودلالة فاردة‏ ‏، ولکن حیث إنّ شأن الحکایة والمرآتیة جذب لون محکیّها‏ ‏؛‏‎ ‎‏لکونها فانیة فی معناها‏ ‏، ولذا یجذب الحاکی لون المحکی والمفنی فیه‏ ‏، ویکون قبیحاً‏‎ ‎‏بقبح المعنی‏ ‏، وحسناً بحسنه‏ ‏، فإذا کان المحکی متعدّداً کانت الحکایة متعدّدة‏ ‏، فالعامّ‏‎ ‎‏حیث إنّه یحکی عن مصادیق متعدّدة تحته‏ ‏، لذا یکون بمنزلة حکایات متعدّدة‏ ‏، ومجرّد‏‎ ‎‏رفع الید عن بعض تلک الحاکیات عن الحجّیة بالتخصیص‏ ‏، لا یوجب رفع الید عن‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 362
‏حکایته عن البقیة‏ ‏، فغایة ما تقتضیه القرینة المنفصلة‏ ‏، رفع الید عن حجّیة الأعلی‏ ‏.‏‎ ‎‏هذا فی المخصّص المنفصل‏ .

‏ویؤیّد ما ذکرنا ملاحظة القرائن المتصلة والمخصّص المتصل‏ ‏؛ لأنّه من الممکن‏‎ ‎‏أن لا یکون ظهور العامّ فی الباقی‏ ‏، من جهة القرینة‏ ‏، بل یستند إلی وضعه الأوّلی‏ ‏،‏‎ ‎‏غایة الأمر تمنع القرینة عن إفادة الوضع الأعلی الثابت من الظهور‏ ‏، فیبقی اقتضاؤه‏‎ ‎‏للمرتبة الاُخری دونها بحاله‏ ‏. فعلی أیّ تقدیر لا یضرّ تخصیص العامّ بحجّیته فی‏‎ ‎‏الباقی‏ ‏، انتهی موضحاً‏‎[3]‎ .

وفیه أوّلاً‏ : أنّ فناء اللفظ فی معناه وجذب اللفظ لون محکیّه‏ ‏، کلام غیر وجیه‏‎ ‎‏أشبه بالخطابة‏ ‏، وقد مضی الکلام فیه فی مبحث استعمال اللفظ فی أکثر من معنی‏‎ ‎‏واحد‏ ‏، ومنشأ ذلک توهّم تنفّر الطبع عند سماع بعض الألفاظ‏ ‏، واستقباح ذکر بعضها‏‎ ‎‏الآخر‏ ‏، مع أنّ ذلک إنّما هو لأجل الانتقال إلی معناه القبیح المنتقل إلیه من اللفظ‏ ‏، لا‏‎ ‎‏بمجرّد سماع اللفظ‏ ‏، وإلاّ یلزم أن یتنفّر الجاهل باللغة من سماعه أیضاً‏ ‏، وهو کما تری‏ .

‏فتعدّد المحکی لا یوجب تعدّد الحکایة بعد کون الحکایة عنواناً بسیطاً‏ ‏، فلفظ‏‎ ‎‏العامّ بعنوان واحد وحکایة فاردة‏ ‏، یحکی عن الکثیر‏ ‏، فإذا علم أنّ اللفظ لم یستعمل‏‎ ‎‏فی معناه بدلیل منفصل ـ کما هو المفروض ـ لم تبقَ حکایة بالنسبة إلی غیره‏ .

وثانیاً‏ : أنّه لو سلّم حدیث سرایة لون المحکی إلی اللفظ الحاکی‏ ‏، فإنّما هو فیما‏‎ ‎‏إذا کان للمحکی کثرة‏ ‏، وهنا لم یکن کذلک‏ ‏؛ لأنّ معنی «کلّ عالم» مثلاً واحد لا‏ ‏کثیر‏ ‏،‏‎ ‎‏نعم ینطبق هذا المعنی الواحد علی الکثیر‏ ‏، فتدبّر‏ .

وثالثاً‏ : أنّ ما ذکره من مراتب الظهور فی المخصّص المتّصل ممنوع‏ ‏؛ بداهة أنّ‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 363
‏کلّ لفظ فی المخصّص المتصل‏ ‏، مستعمل فی معناه‏ ‏، والمحدودیة إنّما اُفیدت لأجل القیود‏‎ ‎‏والإخراج بالاستثناء‏ ‏، فلفظ «کلّ» موضوع لاستغراق مدخوله‏ ‏، فإذا کان مدخوله‏‎ ‎‏«العالم إلاّ الفاسق» مثلاً‏ ‏، یستغرق المدخول المرکّب من المستثنی منه والمستثنی‏ ‏؛ من‏‎ ‎‏غیر أن یکون الاستثناء مانعاً عن ظهوره‏ ‏، لعدم ظهوره إلاّ فی استغراق المدخول أیّ‏‎ ‎‏شیء کان‏ ‏، ولو فرض أنّ القید أو الاستثناء یمنعان عن ظهوره‏ ‏، صار الکلام مجملاً‏ ‏؛‏‎ ‎‏لعدم مراتب الظهور‏ ‏، وهو واضح‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 364

  • )) فوائد الاُصول 1 : 517 ـ 521 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 449 ـ 451 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 438 .