المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

حکم دوران الأمر بین العموم الاستغراقی والمجموعی

حکم دوران الأمر بین العموم الاستغراقی والمجموعی

‏أفاد المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ : «أنّه لو کانت هنا قرینة علی أنّ المراد هو الاستغراقی‏‎ ‎‏أو المجموعی فهو‏ ‏، وإلاّ فمقتضی الأصل اللفظی الإطلاقی هو الاستغراقیة‏ ‏؛ لأنّ‏‎ ‎‏المجموعیة تحتاج إلی عنایة زائدة‏ ‏؛ وهی لحاظ جمیع الأفراد علی وجه الاجتماع‏‎ ‎‏وجعلها موضوعاً واحداً»‏ .

‏ثمّ صرّح : «بأنّه لا فرق فی ذلک بین أقسام العموم‏ ‏؛ سواء کان العموم مدلولاً‏‎ ‎‏اسمیاً للأداة‏ ‏، کـ‏ ‏«کلّ» وما شابهها‏ ‏، أو حرفیاً‏ ‏، کالجمع المحلّی باللام‏ ‏، أو سیاقیاً‏‎ ‎‏کالنکرة فی النفی‏ ‏، فلو شکّ فی المراد فی واحد منها من حیث الاستغراقیة والمجموعیة‏ ‏،‏‎ ‎‏فمقتضی الأصل حمله علی الاستغراقیة»‏ .

‏ثمّ بعد کلام قال : «ربما یتوهّم : أنّ العموم المستفاد من الجمع المحلّی باللام‏‎ ‎‏والأسماء المتضمّنة للمعانی الحرفیة ـ کأسماء الاستفهام والشرط ـ یقتضی المجموعی‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّ مدخول اللام ـ وهو الجمع ـ لا ینطبق علی کلّ فرد فرد‏ ‏، بل ینطبق علی جماعة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 348
‏جماعة من الثلاثة فما فوقها‏ ‏، وغایة ما یستفاد من اللام هو أقصی مراتب الجمع التی‏‎ ‎‏تنطوی فیه جمیع المراتب مع حفظ معنی الجمعیة‏ ‏، فاللام توجد معنی فی المدخول کان‏‎ ‎‏فاقداً له‏ ‏، وذلک یقتضی العموم المجموعی‏ ‏، لا الاستغراقی»‏ .

‏فردّه ‏‏قدس سره‏‏ بما حاصله : أنّه لا مجال للتوهّم المذکور إلاّ إذا اُحرز أنّ لحوق‏‎ ‎‏أداة العموم ـ من الألف واللام ـ متأخّر عن ورود أداة الجمع من الألف والتاء‏ ‏، أو‏‎ ‎‏الواو والنون علی المفرد‏ ‏، ودون إثباته خرط القتاد‏ ‏، بل ورود أداة العموم وأداة‏‎ ‎‏الجمع علی المفرد‏ ‏، إنّما یکون فی مرتبة واحدة‏ ‏، فالألف واللام تدلّ علی استغراق‏‎ ‎‏أفراد مدخولها‏ ‏؛ وهو المفرد‏ ‏، غایته أنّه لا مطلق المفرد حتّی یقال : إنّ المفرد المحلّی‏‎ ‎‏باللام لا یفید العموم‏ ‏، بل المفرد الذی ورد علیه أداة الجمع عند ورود أداة العموم‏ ‏،‏‎ ‎‏فأداة العموم تدلّ علی الاستغراق الأفرادی علی نحو الانحلال‏ ‏، فتأمّل‏ ‏؛ فإنّ المقام‏‎ ‎‏یحتاج إلی بیان آخر‏‎[1]‎ .

وفیه :‏ أنّ ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ لا تخلو من إشکال‏ ‏، ولعلّه أیضاً متفطّن له‏ ‏، ولذا أمر‏‎ ‎‏أخیراً بالتأمّل‏ ‏؛ وذلک لأنّه یتوجّه علی ما ذکره اُمور :‏

فأوّلاً‏ : أنّ الشکّ فی الاستغراقیة والمجموعیة راجع إلی الشکّ فی المعنی اللغوی‏ ‏،‏‎ ‎‏ومقتضی ذلک التوقّف‏ ‏، لا التمسّک بأصالة الإطلاق لإثبات الاستغراقیة‏ ‏، کما زعمه ‏‏قدس سره‏‏.‏

وثانیاً‏ : أنّه ‏‏قدس سره‏‏ سلّم استفادة المجموعیة من الجمع المحلّی باللام علی وجه‏ ‏؛ وهو‏‎ ‎‏ما إذا کان ورود أداة العموم متأخّراً عن ورود أداة الجمع‏ ‏، مع أنّ الجمع لا یدلّ علی‏‎ ‎‏الاجتماع؛ فإنّه فرق بین «علماء» و«ثلاثة» و«أربعة»‏ . . ‏. وهکذا‏ ‏، فإنّ «ثلاثة» مثلاً‏‎ ‎‏لفظة واحدة تدلّ علی معنی واحد‏ ‏؛ وهی طبیعة الثلاثة‏ ‏، فتکون الوحدات المأخوذة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 349
‏فیها علی نعت الأجزاء‏ ‏، بخلاف الجمع‏ ‏، فإنّه یدلّ علی الکثرة علی أنّها هـذا‏ ‏، وذاک‏ ‏،‏‎ ‎‏وذلک‏ ‏، فینطبق علی ثلاثة علماء‏ ‏، وأربعة علماء‏ . . ‏. وهکذا‏ .

‏وبالجملة : لم تؤخذ الوحدات فی الجمع أجزاء کما اُخذت کذلک فی «الثلاثة»‏‎ ‎‏فإذن لو دخل علی الجمع لام التعریف یفید أفضل مراتب الجمع‏ ‏؛ وهو جمیع‏‎ ‎‏الأفراد‏ ‏، فتدبّر‏ .

وثالثاً‏ : لو سلّم أنّ الجمع یدلّ علی الاجتماع والجمعیة‏ ‏، ووردت أداة الجمع‏‎ ‎‏والعموم فی رتبة واحدة علی الفرد‏ ‏، فلأیّ سبب وعلّة ترفع الید عن مفاد الجمع بطروّ‏‎ ‎‏الألف واللام؟! فلو اقتضی اللام الاستغراق یلزم التناقض فی الموارد‏ ‏؛ فإنّ الجمع یدلّ‏‎ ‎‏علی الاجتماع‏ ‏، واللام تفید تکثیر مدخولها‏ ‏، فتدبّر‏ .

‏هذا کلّه فیما یتعلّق بمقدّمة مبحث العامّ والخاصّ‏ ‏. فإذا تمهّد لک الاُمور فیها‏ ‏،‏‎ ‎‏فالکلام فی مقصد العامّ والخاصّ یقع فی مباحث : ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 350

  • )) فوائد الاُصول 1 : 515 ـ 516 .