المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

الأمر الثانی فی الفرق بین العامّ والمطلق

الأمر الثانی فی الفرق بین العامّ والمطلق

‏ ‏

‏ظاهـر مقال المحقّق الخراسـانی ‏‏قدس سره‏‏ ‏‎[1]‎‏ وصریح کلام العلمین الحائری والنائینی‏‎ ‎‏ـ خصوصاً الأخیر منهما ـ أنّ العموم یستفاد تارة : من دلیل لفظی‏ ‏، کلفظة «کلّ»‏‎ ‎‏و«جمیع» وما یرادفهما من أیّة لغة‏ ‏، کما یستفاد اُخری : من مقدّمات الحکمة‏ ‏، ولا فرق‏‎ ‎‏بینهما من حیث الشمول والعموم‏ ‏، إلاّ أنّه لمصالح خفیت علینا فصّلوا بینهما وقالوا :‏‎ ‎‏«إنّه إن استفید العموم من اللفظ فهو عامّ‏ ‏، وإن استفید من مقدّمات الحکمة فهو‏‎ ‎‏مطلق» فبالحقیقة العامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد من وادٍ واحد‏ ‏، والاختلاف بینهما إنّما‏‎ ‎‏هو فی طریق حصول العموم والشمول‏ ‏، حیث إنّ أحدهما باللفظ‏ ‏، والآخر بمقدّمات‏‎ ‎‏الحکمة‏ ‏، فذکر المطلق والمقیّد مستقلاًّ عقیب العامّ والخاصّ‏ ‏، إنّما هو لحکمة ومصلحة‏‎ ‎‏خفیت علینا‏ ‏. هذا غایة تقریب مقالهم‏‎[2]‎ .

‏وفیه : أنّه فرق بین العامّ والمطلق فی أصل تعلّق الحکم‏ ‏، وفی ورود التخصیص‏‎ ‎‏والتقیید‏ ‏، ولا جامع بینهما حتّی نحتاج إلی بیان الفرق بینهما‏ ‏؛ وذلک لما أشرنا من أنّ‏‎ ‎‏باب العموم‏ ‏، باب تعلّق الحکم علی أفراد الطبیعة بنعت الإجمال بدلالة الکلّ المضاف‏‎ ‎‏إلی الطبیعة‏ ‏، وأمّا المطلق فمقتضاه ـ بعد تمامیة مقدّمات الحکمة ـ لیس إلاّ أنّ نفس‏‎ ‎‏الطبیعة تمام الموضوع للحکم‏ ‏، والفرد الخارجی محقّق إیّاه‏ .

‏وبعبارة اُخری : فرق بین العموم المعبّر عنه بالفارسیة بـ‏ ‏(هر) و(همه) وبین‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 329
‏المطلق المعبّر عنه بها بـ‏ ‏(یله) و(رها) و(بی قید) فموضوع الحکم ومصبّه فی العامّ هو‏‎ ‎‏أفراد الطبیعة‏ ‏، لکنّه علی نعت الإجمال‏ ‏، والموضوع فی المطلق هو نفس الطبیعة‏‎ ‎‏بلا قید‏ ‏، فلم یکن الأفراد بما هی فی المطلق موضوعاً للحکم‏ .

‏وإن شئت مع ذلک مزید توضیح فنقول : إنّ الحکم بوجوب الوفاء فی قوله‏‎ ‎‏تعالی :‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[3]‎ ‏، قد جعل لکلّ فرد من أفراد العقد‏ ‏، فمصبّ الحکم فیه‏‎ ‎‏الأفراد بآلیة الجمع المحلّی بالألف واللام‏ ‏، وأمّا الحکم فی قوله تعالی :‏‏«‏أحَلَّ الله ُ‎ ‎الْبَیْعَ‏»‏‎[4]‎‏ فقد جعلت الحلیة علی نفس طبیعة البیع‏ ‏، ولا یکاد یثبت للأفراد بما هی ،‏‎ ‎‏حکم ولکن حیث یری العقل أنّ طبیعة عقد البیع ـ بما أنّها طبیعة ـ قابلة للتکثّر‏‎ ‎‏وقابلة للانطباق علی الأفراد الموجودة فی الخارج‏ ‏، فإذا وجد مصداق منها فلیس ذلک‏‎ ‎‏لأجل موضوعیته للحکم‏ ‏، بل لأجل انطباق ما هو تمام الموضوع للحلّیة علیه‏ ‏. هذا فی‏‎ ‎‏أصل تعلّق الحکم فی العموم والمطلق‏ .

‏وهکذا الحال فی ورود التخصیص والتقیید‏ ‏، فإنّهما متغایران أیضاً‏ ‏؛ لأنّه‏‎ ‎‏بالتخصیص تخرج أفراد لولاه لکانت مندرجة تحت العامّ‏ ‏، وأمّا بالتقیید فلا تخرج‏‎ ‎‏الأفراد‏ ‏، بل تقیّد الطبیعة‏ ‏، ویستکشف أنّ الإرادة الجدِّیة للمولی تعلّقت بالمتقیّد‏‎ ‎‏بالقید‏ ‏، وبذلک تتضیّق الطبیعة‏ ‏، ویکون ما ینطبق علیه الطبیعةِ المتقیّدة من الأفراد‏ ‏،‏‎ ‎‏أقلّ ممّا تنطبق علیه نفس الطبیعة‏ .

‏فظهر : أنّ باب الخاصّ والعامّ غیر باب المطلق والمقیّد فی أصل تعلّق‏‎ ‎‏الحکم‏ ‏، وفی ورود التخصیص والتقیید‏ ‏، ولأجل هذا تختلف أحکامهما‏ ‏، ویجب‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 330
‏إفراد کلّ منهما بالبحث‏ ‏، وسیأتی مزید بیان لذلک‏ ‏، فارتقب‏ .

‏وممّا ذکرنا تعرف : أنّ دلالة المطلق علی عدم دخالة قید أو حال‏ ‏، إنّما هی من‏‎ ‎‏ناحیة حکم العقل بلحاظ جعله موضوعاً للحکم‏ ‏، وأمّا فی العامّ فلیس کذلک‏ ‏، بل‏‎ ‎‏استفادة الشمول والسریان قبل تعلّق الحکم‏ ‏؛ فإنّ لفظة «کلّ» تفید کثرة إجمالیة‏ ‏،‏‎ ‎‏وبإضافتها إلی طبیعة تفید کثرة مدخولها‏ ‏، ولذلک یفترق باب المطلق والمقیّد عن باب‏‎ ‎‏العامّ والخاصّ‏ ‏، من حیث عدم الاحتیاج فی إفادة العموم والشمول إلی مقدّمات‏‎ ‎‏الحکمة‏ ‏، بخلاف باب المطلق‏ ‏، فإنّه محتاج إلیها‏ .

‏فإذن الفرق بین بابی العامّ والخاصّ وبین المطلق والمقیّد‏ ‏، أوضح من أن یخفی‏ ‏.‏‎ ‎‏ومن الغریب اختفاؤه علی الأعلام‏ ‏، ومع هذا فإنّ الجواد قد یکبو‏ ‏، والصارم قد ینبو‏ ‏،‏‎ ‎‏ولیت شعری لو لم یکن بین العامّ والمطلق فرق فی المفاد‏ ‏، لکان ینبغی ـ‏ ‏بل یلزم ـ أن‏‎ ‎‏یفتح باب ویذکر فیه مطالب‏ ‏، ثمّ یقال : إنّ هذه المطالب ربما تستفاد من اللفظ‏ ‏،‏‎ ‎‏واُخری من مقدّمات الحکمة‏ ‏، لا فتح بابین : باب العامّ والخاصّ‏ ‏، وباب المطلق‏‎ ‎‏والمقیّد‏ ‏، ویذکر فی کلّ منهما ما فی الآخر‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 331

  • )) لاحظ مبحث النواهی والمطلق والمقیّد من الکفایة . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) فوائد الاُصول 1 : 511 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 210 .
  • )) المائدة (5) : 1 .
  • )) البقرة (1) : 275 .