فیما تحکی عنه أسماء الطبائع
لا یهمّنا التعرّض لتعاریف القوم للعامّ وما ذکر من النقض والإبرام فیها ، ولکن ینبغی التعرّض لأمر یتضح من خلاله تعریف العامّ وضعف ما ذکر فیه ؛ وهو أنّه کثیراً ما اشتبه الأمر وتُخیّل دلالة المطلق علی الطبیعة الشاملة للأفراد علی اختلاف التعابیر ، نحو «مرآتیة الطبیعة للأفراد» أو «شمول الطبیعة للأفراد» أو «حکایة الطبیعة للأفراد» . . . إلی غیر ذلک من العبارات .
مع أنّ التـأمّل الصـادق یرشـد إلی أنّ الألفاظ الموضوعـة للطبائع بلاشـرط ـ کأسماء الأجناس وغیرها ـ لادلالة لها علی الأفراد ؛ سواء وقعت تلو لفظة «کل» ونحوها ، أو لا ، وإنّما تدلّ علی نفس الطبیعة بلاشرط من دون حکایتها عن الأفراد ، فضلاً عن خصوصیاتها ، بل الدالّ علیها أمر آخر ؛ وذلک لأنّه لو دلّت الطبیعة علی الأفراد ، فلابدّ وأن تکون بأحد هذه الاُمور :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 319
إمّا بلحاظ مرتبة ذاتها .
أو مرتبة وضعها .
أو مرتبة کشفها وحکایتها .
وکلّها مخدوشة :
أمّا مرتبة ذاتها ، فواضح أنّه لو قصر النظر إلی مرتبة ذات الماهیة ـ وهی الماهیة اللابشرط ، کماهیة الإنسان مثلاً ـ لما کان هناک إلاّ نفس الماهیة من حیث هی هی التی تکون إجمالها الإنسانیة ، وتفصیلها الحیوان الناطق ، فکما أنّ ماهیة الإنسان غیر ماهیة الکم أو الکیف أو الإضافة أو غیرها من الأعراض ، ولا تحکی تلک الماهیة عن شیء منها ، فکذلک لا تحکی عن مصادیقها وأفرادها سواء قیل : إنّ فردیة الفرد وتشخّصه بالعوارض بعرضها العریض ، أو قیل : إنّها أمارات التشخّص ، والتشخّص إنّما هو بنحو من الوجود .
وبالجملة : ذات الماهیة بما هی هی ، غیر شخصیة الوجود ، وغیر عوارضه اللاحقة علیه بعرضها العریض ؛ ضرورة أنّه لا یصیر الشیء مصداقاً لطبیعة إلاّ إذا انضمّ إلیها قید أو قیود ، فالإنسان مثلاً فی عالم المفهومیة لیس إلاّ ذاتها وذاتیاتها ؛ وهو الحیوان الناطق ، فکما أنّه لا تحکی عن ماهیة اُخری کماهیة الحجر مثلاً ، ولا عن مصادیقها ، وهو واضح ، فکذلک لا تحکی عن مصادیق نفسه وأفراده ؛ وإن کان المصداق فی الخارج عبارة عن الطبیعة المتشخّصة بالوجود ، أو المحفوفة بکذا وکذا ؛ بمعنی أنّ الإنسان ـ وهو الماهیة اللابشرط ـ لو تحقّق فی الخارج یتّحد مع المصداق ؛ ضرورة أنّ هناک نحواً من الوجود الذی ینطبق علیه الإنسان ، والحیوان ، والکیف ، والکم ، والإضافة ، وغیرها ، ومعلوم أنّ مجرّد الاتحاد الخارجی لا یوجب الحکایة ؛ لأنّ عالم التعقّل والتصوّر عالم البینونة وانفکاک بعضها عن بعض ، ولذا لا تحکی
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
الماهیة عن وجودها أیضاً ؛ وإن کانت الماهیة محتاجة إلی الوجود فی أیّ موطن کان حتّی فی موطن الذهن . هذا حال الماهیة بالنسبة إلی مرتبة ذاتها .
فقد ظهر : أنّ الماهیة فی مرتبة ذاتها لیست إلاّ ذاتها وذاتیاتها ، ولا تحکی عن غیرها ؛ لا عن ماهیات اُخر ، ولا عن مصادیقها ، فضلاً عن خصوصیات مصادیقها .
وأمّا بلحاظ مرتبة وضعها ، فواضح أنّ الملحوظ عند الوضع نفس الماهیة من حیث هی هی ، لاخصوصیاتها ، فلا یکاد یحکی اللفظ الموضوع لنفس الماهیة اللابشرط ، إلاّ عمّا هو الموضوع له ، فالخصوصیات خارجة عن حریم الموضوع له .
وبذلک یظهر حال کشف الماهیة وحکایتها عن الخصوصیات ؛ بداهة أنّ الکشف تابع ورهین للوضع ، فإذا فرض أنّ اللفظ وضع لنفس الماهیة ، فلا یکاد یعقل حکایتها عمّا وراء ذلک ، و من المعلوم أنّ خصوصیات المصادیق غیر نفس الماهیة .
فظهر ممّا ذکرنا عدم استفادة الأفراد وخصوصیات المصادیق من نفس الطبیعة اللابشرط ؛ لا من مقام ذاتها ، ولا من مقام وضعها ، ولا من مقام کشفها وحکایتها .
نعم ، ربما ینتقل الذهن إلی المصادیق بمجرّد تصوّر الماهیة ، ولکن لیس ذلک لدلالة اللفظ ، بل من باب الانتقال من معنی إلی معنی آخر لأجل اُنس الذهن ، ولذا ربما ینتقل الذهن من ضدّ إلی ضدّ آخر ، فهو من باب تداعی المعانی ، لادلالة اللفظ علی المعنی ، کما لا یخفی .
وعلیه لو اُرید إفادة الأفراد من ناحیة اللفظ ، فلابدّ من التوصّل إلی ما یدلّ علیها ، کلفظة «کل» و«جمیع» ونحوهما ، ففی مثل قولک : «أکرم کلّ عالم» وإن استفید العموم والکثرة ، إلاّ أنّ ذلک لیس من لفظة «العالم» بل من لفظة «کلّ» وبإضافة «کلّ» إلی «العالم» یستفاد کثرة العالم ، فهناک دوالّ ثلاثة ومدلولات کذلک :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321
1 ـ لفظة «العالم» وهی تدلّ علی نفس الطبیعة من حیث هی هی .
2 ـ لفظة «کلّ» وهی تدلّ علی الکثرة الإجمالیة .
3 ـ إضافة «کلّ» إلی «العالم» وهی تدلّ علی کثرة مدخوله .
فیستفاد من تلک الجملة کلّ فرد من العالم ، ولکن لا یستفاد منها خصوصیات أفراد العالم ، ککونه نحویاً ، فقیهاً ، عادلاً . . . إلی غیر ذلک . نعم یتّحد کلّ عالم فی الخارج مع تلک الخصوصیات .
ومثل ما ذکرنا فی «أکرم کلّ عالم» قوله تعالی :«أوْفُوا بِالْعُقُودِ» فإنّ هناک ماهیة العقد ، وهیئة «فُعُول» المعرّف باللام ، والاُولی تدلّ علی نفس ماهیة العقد ، وهیئة «فُعول» الطارئة علی العقد تدلّ علی کثرتها ، والعقد الواقع فی الخارج محفوف بخصوصیات واُمور ؛ لأنّه کثیراً ما یتلفّظ به ، وهو من مقولة الکیف ، ویقع فی مکان کذا ، وهو من مقولة الأین ، وفی زمان کذا ، وهو من مقولة متی . . . وهکذا ، ولکن لزوم الوفاء إنّما هو لنفس العقد وکونه مصداقاً ذاتیاً له ، لا لکونه فی مکان کذا ، وزمان کذا . . . وهکذا .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ لنا ألفاظاً تدلّ علی الکثرة الإجمالیة ؛ وهی ألفاظ العموم ، ولکن ذلک لا یفید کثرة مدخولها ؛ بلحاظ أنّ مدخولها نفس الماهیة ، وهی غیر متکثّرة واقعاً ، وإضافة «کلّ» ونحوها إلیها لا توجب دلالة اللفظ علی غیر المعنی الموضوع له .
فإذن تعریف العامّ : بأنّه «ما دلّ علی شمول مدخوله لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه» ـ کما عن بعضهم ـ غیر مستقیم ؛ لأنّ لفظة «کلّ» مثلاً لا تدلّ علی شمول
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322
مدخولها لجمیع أفراد العالم مثلاً ، بل یستفاد عموم الأفراد من إضافة أدوات العموم إلی مدخولاتها ؛ علی نحو تعدّد الدالّ والمدلول .
فالتحقیق فی تعریف العامّ أن یقال : هو ما دلّ علی تمام مصادیق مدخوله ممّا یصحّ أن ینطبق علیه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323