المقصد الرابع فی العامّ والخاصّ

فیما تحکی عنه أسماء الطبائع

‏فیما تحکی عنه أسماء الطبائع‏

‏لا یهمّنا التعرّض لتعاریف القوم للعامّ وما ذکر من النقض والإبرام فیها‏ ‏، ولکن‏‎ ‎‏ینبغی التعرّض لأمر یتضح من خلاله تعریف العامّ وضعف ما ذکر فیه‏ ‏؛ وهو أنّه‏‎ ‎‏کثیراً ما اشتبه الأمر وتُخیّل دلالة المطلق علی الطبیعة الشاملة للأفراد علی اختلاف‏‎ ‎‏التعابیر‏ ‏، نحو «مرآتیة الطبیعة للأفراد» أو «شمول الطبیعة للأفراد» أو «حکایة الطبیعة‏‎ ‎‏للأفراد»‏ . . ‏. إلی غیر ذلک من العبارات‏ .

‏مع أنّ التـأمّل الصـادق یرشـد إلی أنّ الألفاظ الموضوعـة للطبائع بلاشـرط‏‎ ‎‏ـ کأسماء الأجناس وغیرها ـ لادلالة لها علی الأفراد‏ ‏؛ سواء وقعت تلو لفظة «کل»‏‎ ‎‏ونحوها‏ ‏، أو‏ لا ‏، وإنّما تدلّ علی نفس الطبیعة بلاشرط من دون حکایتها عن الأفراد‏ ‏،‏‎ ‎‏فضلاً عن خصوصیاتها‏ ‏، بل الدالّ علیها أمر آخر‏ ‏؛ وذلک لأنّه لو دلّت الطبیعة علی‏‎ ‎‏الأفراد‏ ‏، فلابدّ وأن تکون بأحد هذه الاُمور :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 319
‏إمّا بلحاظ مرتبة ذاتها‏ .

‏أو مرتبة وضعها‏ .

‏أو مرتبة کشفها وحکایتها‏ .

‏وکلّها مخدوشة :‏

أمّا مرتبة ذاتها ‏، فواضح أنّه لو قصر النظر إلی مرتبة ذات الماهیة ـ وهی‏‎ ‎‏الماهیة اللابشرط‏ ‏، کماهیة الإنسان مثلاً ـ لما کان هناک إلاّ نفس الماهیة من حیث هی‏‎ ‎‏هی التی تکون إجمالها الإنسانیة‏ ‏، وتفصیلها الحیوان الناطق‏ ‏، فکما أنّ ماهیة الإنسان‏‎ ‎‏غیر ماهیة الکم أو الکیف أو الإضافة أو غیرها من الأعراض‏ ‏، ولا تحکی تلک‏‎ ‎‏الماهیة عن شیء منها‏ ‏، فکذلک لا تحکی عن مصادیقها وأفرادها سواء قیل : إنّ فردیة‏‎ ‎‏الفرد وتشخّصه بالعوارض بعرضها العریض‏ ‏، أو قیل : إنّها أمارات التشخّص‏ ‏،‏‎ ‎‏والتشخّص إنّما هو بنحو من الوجود‏ .

‏وبالجملة : ذات الماهیة بما هی هی‏ ‏، غیر شخصیة الوجود‏ ‏، وغیر عوارضه‏‎ ‎‏اللاحقة علیه بعرضها العریض‏ ‏؛ ضرورة أنّه لا یصیر الشیء مصداقاً لطبیعة إلاّ إذا‏‎ ‎‏انضمّ إلیها قید أو قیود‏ ‏، فالإنسان مثلاً فی عالم المفهومیة لیس إلاّ ذاتها وذاتیاتها‏ ‏؛ وهو‏‎ ‎‏الحیوان الناطق‏ ‏، فکما أنّه لا تحکی عن ماهیة اُخری کماهیة الحجر مثلاً‏ ‏، ولا عن‏‎ ‎‏مصادیقها‏ ‏، وهو واضح‏ ‏، فکذلک لا تحکی عن مصادیق نفسه وأفراده‏ ‏؛ وإن کان‏‎ ‎‏المصداق فی الخارج عبارة عن الطبیعة المتشخّصة بالوجود‏ ‏، أو المحفوفة بکذا وکذا‏ ‏؛‏‎ ‎‏بمعنی أنّ الإنسان ـ وهو الماهیة اللابشرط ـ لو تحقّق فی الخارج یتّحد مع المصداق‏ ‏؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ هناک نحواً من الوجود الذی ینطبق علیه الإنسان‏ ‏، والحیوان‏ ‏، والکیف‏ ‏،‏‎ ‎‏والکم‏ ‏، والإضافة‏ ‏، وغیرها‏ ‏، ومعلوم أنّ مجرّد الاتحاد الخارجی لا یوجب الحکایة‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّ عالم التعقّل والتصوّر عالم البینونة وانفکاک بعضها عن بعض‏ ‏، ولذا لا تحکی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 320
‏الماهیة عن وجودها أیضاً‏ ‏؛ وإن کانت الماهیة محتاجة إلی الوجود فی أیّ موطن کان‏‎ ‎‏حتّی فی موطن الذهن . هذا حال الماهیة بالنسبة إلی مرتبة ذاتها‏ .

‏فقد ظهر : أنّ الماهیة فی مرتبة ذاتها لیست إلاّ ذاتها وذاتیاتها‏ ‏، ولا تحکی عن‏‎ ‎‏غیرها‏ ‏؛ لا عن ماهیات اُخر‏ ‏، ولا عن مصادیقها‏ ‏، فضلاً عن خصوصیات مصادیقها‏ .

وأمّا بلحاظ مرتبة وضعها ‏، فواضح أنّ الملحوظ عند الوضع نفس الماهیة من‏‎ ‎‏حیث هی هی‏ ‏، لاخصوصیاتها‏ ‏، فلا یکاد یحکی اللفظ الموضوع لنفس الماهیة‏‎ ‎‏اللابشرط‏ ‏، إلاّ عمّا هو الموضوع له‏ ‏، فالخصوصیات خارجة عن حریم الموضوع له‏ .

وبذلک یظهر‏ حال کشف الماهیة وحکایتها عن الخصوصیات‏ ‏؛ بداهة أنّ‏‎ ‎‏الکشف تابع ورهین للوضع‏ ‏، فإذا فرض أنّ اللفظ وضع لنفس الماهیة‏ ‏، فلا یکاد‏‎ ‎‏یعقل حکایتها عمّا وراء ذلک‏ ‏، و‏ ‏من المعلوم أنّ خصوصیات المصادیق غیر‏‎ ‎‏نفس الماهیة‏ .

‏فظهر ممّا ذکرنا عدم استفادة الأفراد وخصوصیات المصادیق من نفس الطبیعة‏‎ ‎‏اللابشرط‏ ‏؛ لا من مقام ذاتها‏ ‏، ولا من مقام وضعها‏ ‏، ولا من مقام کشفها وحکایتها‏ .

نعم ‏، ربما ینتقل الذهن إلی المصادیق بمجرّد تصوّر الماهیة‏ ‏، ولکن لیس ذلک‏‎ ‎‏لدلالة اللفظ‏ ‏، بل من باب الانتقال من معنی إلی معنی آخر لأجل اُنس الذهن‏ ‏، ولذا‏‎ ‎‏ربما ینتقل الذهن من ضدّ إلی ضدّ آخر‏ ‏، فهو من باب تداعی المعانی‏ ‏، لادلالة اللفظ‏‎ ‎‏علی المعنی‏ ‏، کما لا یخفی‏ .

وعلیه‏ لو اُرید إفادة الأفراد من ناحیة اللفظ‏ ‏، فلابدّ من التوصّل إلی ما یدلّ‏‎ ‎‏علیها‏ ‏، کلفظة «کل» و«جمیع» ونحوهما‏ ‏، ففی مثل قولک : «أکرم کلّ عالم» وإن استفید‏‎ ‎‏العموم والکثرة‏ ‏، إلاّ أنّ ذلک لیس من لفظة «العالم» بل من لفظة «کلّ» وبإضافة «کلّ»‏‎ ‎‏إلی «العالم» یستفاد کثرة العالم‏ ‏، فهناک دوالّ ثلاثة ومدلولات کذلک :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 321
‏1 ـ لفظة «العالم» وهی تدلّ علی نفس الطبیعة من حیث هی هی‏ .

‏2 ـ لفظة «کلّ» وهی تدلّ علی الکثرة الإجمالیة‏ .

‏3 ـ إضافة «کلّ» إلی «العالم» وهی تدلّ علی کثرة مدخوله‏ .

‏فیستفاد من تلک الجملة کلّ فرد من العالم‏ ‏، ولکن لا یستفاد منها خصوصیات‏‎ ‎‏أفراد العالم‏ ‏، ککونه نحویاً‏ ‏، فقیهاً‏ ‏، عادلاً‏ . . ‏. إلی غیر ذلک‏ ‏. نعم یتّحد کلّ عالم فی‏‎ ‎‏الخارج مع تلک الخصوصیات‏ .

ومثل‏ ما ذکرنا فی «أکرم کلّ عالم» قوله تعالی :‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[1]‎‏ فإنّ هناک‏‎ ‎‏ماهیة العقد‏ ‏، وهیئة «فُعُول» المعرّف باللام‏ ‏، والاُولی تدلّ علی نفس ماهیة العقد‏ ‏،‏‎ ‎‏وهیئة «فُعول» الطارئة علی العقد تدلّ علی کثرتها‏ ‏، والعقد الواقع فی الخارج محفوف‏‎ ‎‏بخصوصیات واُمور‏ ‏؛ لأنّه کثیراً ما یتلفّظ به‏ ‏، وهو من مقولة الکیف‏ ‏، ویقع فی مکان‏‎ ‎‏کذا‏ ‏، وهو من مقولة الأین‏ ‏، وفی زمان کذا‏ ‏، وهو من مقولة متی‏ . . ‏. وهکذا‏ ‏، ولکن‏‎ ‎‏لزوم الوفاء إنّما هو لنفس العقد وکونه مصداقاً ذاتیاً له‏ ‏، لا لکونه فی مکان کذا‏ ‏،‏‎ ‎‏وزمان کذا‏ . . ‏. وهکذا‏ .

‏فظهر ممّا ذکرنا : أنّ لنا ألفاظاً تدلّ علی الکثرة الإجمالیة‏ ‏؛ وهی ألفاظ العموم‏ ‏،‏‎ ‎‏ولکن ذلک لا یفید کثرة مدخولها‏ ‏؛ بلحاظ أنّ مدخولها نفس الماهیة‏ ‏، وهی غیر‏‎ ‎‏متکثّرة واقعاً‏ ‏، وإضافة «کلّ» ونحوها إلیها لا توجب دلالة اللفظ علی غیر المعنی‏‎ ‎‏الموضوع له‏ .

فإذن‏ تعریف العامّ : بأنّه «ما دلّ علی شمول مدخوله لجمیع ما یصلح أن ینطبق‏‎ ‎‏علیه» ـ کما عن بعضهم‏‎[2]‎‏ ـ غیر مستقیم‏ ‏؛ لأنّ لفظة «کلّ» مثلاً لا‏ ‏تدلّ علی شمول‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 322
‏مدخولها لجمیع أفراد العالم مثلاً‏ ‏، بل یستفاد عموم الأفراد من إضافة أدوات العموم‏‎ ‎‏إلی مدخولاتها‏ ‏؛ علی نحو تعدّد الدالّ والمدلول‏ .

‏فالتحقیق فی تعریف العامّ أن یقال : هو ما دلّ علی تمام مصادیق مدخوله ممّا‏‎ ‎‏یصحّ أن ینطبق علیه‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 323

  • )) المائدة (5) : 1 .
  • )) لمحات الاُصول : 302 .