المقصد الثالث فی المفهوم

المقام الثانی فی أنّ الغایة داخلة فی المغیّا أم لا

المقام الثانی فی أنّ الغایة داخلة فی المغیّا أم لا

‏اختلفوا فی دخول الغایة فی المغیّا وعدمه علی أقوال‏ ‏، ثالثها : التفصیل بین ما إذا‏‎ ‎‏کانت الغایة غایة للموضوع‏ ‏، وبین ما إذا کانت للحکم‏ ‏، فیحکم بالدخول فی الأوّل‏ ‏،‏‎ ‎‏دون الثانی‏ .

ولا یخفی :‏ أنّ عقد البحث بنحو ینفع الاُصولی ویستنتج منه فی الفقه‏ ‏، هو أن‏‎ ‎‏یقال : إنّه إذا کان مدخول أحد الأدوات الدالّة علی الغایة ـ کـ‏ ‏«إلی» و«حتّی» ـ ذا‏‎ ‎‏أجزاء أو امتداد‏ ‏، فهل یکون داخلاً فی المغیّا‏ ‏، أم لا؟‏

‏مثال الأوّل : قوله : «سر من البصرة إلی الکوفة» لأنّ للکوفة أجزاء‏ .

‏ومثال الثانی : قوله تعالی :‏‏«‏ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأیْدِیَکُمْ إلَی الْمَرَافِقِ ‏»‏‎[1]‎‏ ؛‏‎ ‎‏بناءً علی أنّ المراد من «المرفق» محلّ وفق العظمین ومجتمعهما‏ ‏؛ لما فیه من المرفق‏ ‏،‏‎ ‎‏فیکون للمرفق امتداد‏ .

‏فعلی تقدیر دخول الغایة فی المغیّا یجب سیر الکوفة فی المثال الأوّل‏ ‏،‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 303
‏وغسل المرفق فی المثال الثانی‏ ‏، وعلی تقدیر عدم الدخول لا یجب سیر الکوفة‏ ‏،‏‎ ‎‏ولا غسل المرفق‏ .

وأمّا‏ إذا لم یکن مدخول الأداة ذا أجزاء أو امتداد ـ کما إذا کان المراد من‏‎ ‎‏«المرفق» فی الآیة المبارکة هو الفصل المشترک بین العظمین‏ ‏؛ أی نفس الاتصال‏ ‏،‏‎ ‎‏فلا یکون له امتداد ـ فلا ینفع الاُصولی‏ ‏، ولا یستنتج منه نتیجة مطلوبة‏ ‏؛ لأنّه لا فرق‏‎ ‎‏فی ذلک بین دخول الغایة فی المغیّا وعدمه‏ .

‏وإن شئت مثالاً آخر لما یکون مدخول الأداة ذا امتداد‏ ‏، فلاحظ ذیل الآیة‏‎ ‎‏المبارکة‏ ‏؛ وهو قوله تعالی :‏‏«‏ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِکُمْ وَأرْجُلَکُمْ إلَی الْکَعْبَیْنِ ‏»‏‎[2]‎‏ .‏

وبالجملة :‏ البحث کذلک فی دخول الغایة فی المغیّا وعدمه‏ ‏، هو اللائق‏‎ ‎‏بالاُصولی‏ ‏، ویستنتج منه فی الفقه‏ ‏، لا ابتناء المسألة ـ کما أفاده شیخنا العلاّمة الحائری‏‎ ‎‏وفاقاً لصاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ ـ علی نهایة الجسم بالمعنی المبحوث عنه فی الفلسفة‏ ‏،‏‎ ‎‏فقال : «هذا مبنیّ علی بطلان الجزء الغیر القابل للتقسیم وصحّته‏ ‏، فإن قلنا بالثانی‏‎ ‎‏فالغایة داخلة فی المغیّا یقیناً‏ ‏، وإن قلنا بالأوّل فالغایة غیر داخلة فی المغیّا‏ ‏؛ لأنّها‏‎ ‎‏حینئذٍ عبارة عن النقطة الموهومة التی لا وجود لها فی الخارج»‏‎[4]‎‏ .‏

وذلک‏ لأنّ البحث کذلک یکون فلسفیاً غیر مرتبط بالمسألة الاُصولیة العرفیة‏ .

‏وقد أشرنا آنفاً إلی أنّ اعتبار کون مدخول أداة الغایة ذا أجزاء أو امتداد‏ ‏،‏‎ ‎‏بلحاظ أنّه لا یکاد ینفع الاُصولی ولا یکاد یستنتج منه فی الفقه فیما لیس کذلک‏ ‏،‏‎ ‎‏إلاّ أنّه لا مانع من عقد البحث بنحو یعمّ ما لم یکن قابلاً للتجزئة والامتداد‏ ‏، غایة‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 304
‏الأمر لا تظهر الثمرة للبحث إلاّ فیما کان قابلاً لهما‏ ‏، ولیس ذلک بعزیز فی المسائل‏‎ ‎‏الاُصولیة‏ ‏، فتراهم یعنونون بعض المسائل بنحو عامّ‏ ‏، ولا ینتفع منها إلاّ علی بعض‏‎ ‎‏التقادیر‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 305

  • )) المائدة (5) : 6 .
  • )) المائدة (5) : 6 .
  • )) الفصول الغرویة : 153 / السطر 5 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 205 .