المقصد الثالث فی المفهوم

المقام الأوّل حول ارتفاع الحکم المغیّا عمّا بعد الغایة

المقام الأوّل حول ارتفاع الحکم المغیّا عمّا بعد الغایة

‏اختلفوا فی دلالة القضیة المغیّاة بغایة علی ارتفاع الحکم عمّا بعد الغایة‏‎ ‎‏علی أقوال :‏

ثالثها :‏ ما هو المشهور ؛ وهو التفصیل بین کون الغایة غایة للموضوع‏ ‏،‏‎ ‎‏فسبیلها سبیل الوصـف فـی عـدم الدلالة علی المفهوم‏ ‏، وبین کونها غایـة للحکم‏ ‏،‏‎ ‎‏فتدلّ علی المفهوم‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 295
رابعها :‏ ما ذهب إلیه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ من التفصیل بین کون الغایة للموضوع‏‎ ‎‏أو المحمول‏ ‏، وبین کونها غایة للنسبة الحکمیة‏ ‏، فقال بالمفهوم فی الأخیر‏ ‏،‏‎ ‎‏دون الأوّلین‏‎[1]‎ .

والحقّ‏ هو التفصیل الذی ذهب إلیه المشهور‏ ‏، وقد اختاره شیخنا العلاّمة‏‎ ‎‏الحائری ‏‏قدس سره‏‏ فی «الدرر» فقال : «إذا کانت غایة للموضوع ـ کـ‏ ‏«سِر من البصرة إلی‏‎ ‎‏الکوفة» ـ فسبیله سبیل الوصف فی عدم الدلالة علی المفهوم‏ ‏، وغایة ما یدلّ تحدید‏‎ ‎‏الموضوع بها‏ ‏، هی انتفاء الحکم فی القضیة عند حصولها‏ ‏، ولیس هذا قولاً بالمفهوم‏ ‏.‏‎ ‎‏وأمّا إذا کانت غایة للحکم ـ کـ‏ ‏«اجلس من الصبح إلی الزوال» ـ فتدلّ علی المفهوم‏ ‏؛‏‎ ‎‏وذلک لما عرفت من أنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقة الطلب‏ ‏، لا الطلب الجزئی الخارجی‏ ‏،‏‎ ‎‏فتکون الغایة فی القضیة غایة لحقیقة الطلب‏ ‏، ولازم ذلک ارتفاع حقیقته عند‏‎ ‎‏وجودها‏ ‏. نعم لو قلنا بأنّ مفاد الهیئة هو الطلب الجزئی‏ ‏، فالغایة لا تدلّ علی ارتفاع‏‎ ‎‏سنخ الوجوب»‏‎[2]‎ .

ولکنّه ‏قدس سره‏‏ عدل عنه فی أواخر عمره الشریف‏ ‏، فقال بعدم المفهوم للغایة مطلقاً‏‎ ‎‏حتّی فیما إذا کانت غایة للحکم‏ ‏؛ قیاساً لها علی الجملة الشرطیة‏ .

ولکنّ‏ البیان الذی استفدناه منه ‏‏قدس سره‏‏ فی مجلس الدرس وضبطناه فی هامش‏‎ ‎‏«الدرر» یخالف ما علّقه هو بنفسه علی «الدرر»‏ .

أمّا‏ الذی ضبطناه منه فحاصله : أنّ کلّ حکم یتعلّق بموضوع فلابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏بسبب وعلّة‏ ‏، فإن استفدنا من القضیة المغیّاة بالغایة العلّیة المنحصرة‏ ‏، فیمکن استفادة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 296
‏المفهوم‏ ‏، وإلاّ فلا‏ ‏، وحیث إنّه لم یکن لنا طریق إلی معرفة ذلک‏ ‏، ولم یکن مقتضی‏‎ ‎‏إطلاق القضیة ذلک أیضاً‏ ‏، فلا یکون لها مفهوم‏ .

وأمّا‏ ما علّقه علی «الدرر» من النسخة المطبوعة فهو : «یمکن أن یقال بمنع‏‎ ‎‏المفهوم حتّی فیما اُخذ فیه الغایة قیداً للحکم ـ کما فی اجلس من الصبح إلی الزوال ـ‏‎ ‎‏لمساعدة الوجدان علی أنّا لو قلنا بعد الکلام المذکور : وإن جاء زید فاجلس من‏‎ ‎‏الزوال إلی الغروب‏ ‏، فلیس فیه مخالفة لظاهر الکلام الأوّل‏ ‏، فهذا یکشف عن أنّ المغیّا‏‎ ‎‏لیس سنخ الحکم من أیّ علّة تحقّق‏ ‏، بل السنخ المعلول لعلّة خاصّة‏ ‏؛ سواء کانت‏‎ ‎‏مذکورة کما فی إن جاء زید فاجلس من الصبح إلی الزوال‏ ‏، أم کانت غیر مذکورة‏ ‏،‏‎ ‎‏فإنّه مع عدم الذکر أیضاً تکون لا محالة هنا علّة یکون الحکم المذکور مسبباً عنها»‏‎[3]‎‏.‏

‏فمرجع ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ علی ما ضبطناه‏ ‏، هو أنّه لا سبیل إلی استکشاف العلّیة‏‎ ‎‏المنحصرة‏ ‏، وعلی ما علّقه هو عدم التنافی بین الجملتین المسبّب عن عدم استفادة‏‎ ‎‏العلّیة المنحصرة‏ .

وکیفما کان :‏ ففی کلا التقریرین نظر‏ ‏؛ لأنّ مقایسة المقام بالقضیة الشرطیة مع‏‎ ‎‏الفارق‏ ‏، ولکلّ منهما مناط یخصّها‏ ‏؛ وذلک لأنّ الظاهر من الجملة الشرطیة‏ ‏، أنّه اُخذ‏‎ ‎‏الشرط لترتّب الجزاء علیه‏ ‏، فالقضیة الشرطیة عندهم مرکّبة من موضوع‏ ‏، ومحمول‏ ‏،‏‎ ‎‏وعلّة ثبوت الحکم علیه بواسطة أداة الشرط‏ ‏، فدلالتها علی المفهوم عند العرف‏‎ ‎‏مرهون باستفادة العلّیة المنحصرة‏ ‏، فإن استفید منها الانحصار فهو‏ ‏، وإلاّ فلا‏ ‏. وأمّا‏‎ ‎‏القضیة المغیّاة بغایة‏ ‏، فلا یکاد ینقدح فی ذهنهم موضوع‏ ‏، وحکم‏ ‏، وعلّة‏ ‏، بل غایة ما‏‎ ‎‏هناک هی الموضوع والحکم والغایة‏ ‏، فلیست استفادتهم المفهوم منها لأجل العلّیة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 297
‏المنحصرة‏ ‏، بل لأجل تحدید حقیقة الطلب ـ غیر المقیّدة بقید خاصّ ـ بغایة‏ .

‏ولا یبعد أن یقال : إنّه إذا کانت حقیقة الطلب مغیّاة بغایة‏ ‏، فمقتضاه عند العرف‏‎ ‎‏والعقلاء اختصاص الحکم بین الحدّین‏ ‏، فإثبات سنخ ذلک الحکم لما بعد الغایة‏‎ ‎‏مناقض له‏ ‏، مثلاً لو استفید من قوله : «اجلس من الصبح إلی الزوال» أنّه بصدد تحدید‏‎ ‎‏وجوب الجلوس إلی الزوال‏ ‏، فلازمه انتفاء الحکم لدی تحقّق الغایة‏ ‏، فیکون وجوب‏‎ ‎‏الجلوس بعد الزوال مناقضاً له‏ .

‏فظهر : أنّ استفادة المفهوم فی القضایا عند العرف والعقلاء‏ ‏، لیست دائماً رهینة‏‎ ‎‏استفادة العلّیة المنحصرة‏ ‏، بل ربما یستفیدون ذلک من مجرّد تحدید الحکم إلی غایة‏ ‏؛‏‎ ‎‏من دون أن ینقدح فی ذهنهم أنّ الحکم المغیّا معلول لعلّته‏ ‏، فضلاً عن کونها منحصرة‏ .

‏وبعبارة اُخری : یصحّ استظهار المفهوم من الحکم المغیّا بغایة‏ ‏؛ وإن کان‏‎ ‎‏المستظهر أشعریاً قائلاً بأنّ الأحکام غیر معلّلة بالأغراض والمصالح‏ ‏، بل إنّما هی‏‎ ‎‏عادات جرت‏‎[4]‎ .

وأمّا حدیث‏ عدم التنافی فی المثال بین قوله : «اجلس من الصبح إلی الزوال»‏‎ ‎‏وبین قوله : «وإن جاءک زید فاجلس من الزوال إلی الغروب» فلوجهین :‏

الوجه الأوّل :‏ احتمال ظهور المثال عند العرف‏ ‏، فی کون القید قیداً للموضوع‏‎ ‎‏لا للحکم‏ ‏، وقد أشرنا إلی أنّ المدّعی إنّما هو استفادة المفهوم من القضیة المغیّاة فیما إذا‏‎ ‎‏کانت الغایة للحکم‏ .

الوجه الثانی :‏ ولعلّه أقرب ـ هو أنّ التنافی المتصوّر علی القول بالمفهوم‏ ‏، إنّما‏‎ ‎‏هو تنافٍ خفیف‏ ‏، وهو التنافی بین المطلق والمقیّد‏ ‏؛ لأنّ مقتضی مفهوم «اجلس من‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 298
‏الصبح إلی الزوال» هو الحکم بعدم الجلوس من الزوال إلی الغروب‏ ‏؛ جاء زید‏ ‏، أو‏‎ ‎‏لم یجئ‏ ‏، طار الغراب أم لا‏ . . ‏. وهکذا‏ ‏، ومن المعلوم أنّه مطلق بالنسبة إلی قوله : «إن‏‎ ‎‏جاءک زید فاجلس من الزوال إلی الغروب» حیث قیّد الوجوب بمجیء زید‏ ‏،‏‎ ‎‏وقد ذکرنا فی باب التعادل والترجیح‏‎[5]‎‏ أنّه لا تنافی فی محیط التقنین بین المطلق‏‎ ‎‏والمقیّد‏ ‏، وکذا بین العموم والخصوص‏ ‏؛ وإن کان بینهما تنافٍ فی غیر محیط التقنین‏ ‏،‏‎ ‎‏خلافاً لما هو المعروف بینهم من عدم التنافی بینهما أصلاً‏ ‏، بل یوفّق العرف بینهما بمجرّد‏‎ ‎‏سماعهما بحمل المطلق أو العامّ علی المقیّد والخاصّ‏ .

‏والشاهد علی عدم التنافی بینهما فی خصوص محیط التقنین‏ ‏؛ هو ما نری من‏‎ ‎‏جریان دیدن المقنّنین ـ واحداً کانوا‏ ‏، أم جماعة ـ علی ذکر المطلقات والعمومات أوّلاً‏ ‏،‏‎ ‎‏ثمّ ذکر المقیّدات والمخصّصات بعنوان التبصرة أو المادّة الواحدة ونحوهما ثانیاً‏ ‏،‏‎ ‎‏وثالثاً‏ . . ‏. وهکذا‏ .

‏أضف إلی ذلک وجود مطلقات ومقیّدات وعمومات ومخصّصات کثیرة فی‏‎ ‎‏الذکر الحکیم‏ ‏، مع أنّه تعالی ذکر أنّه لا اختلاف فی القرآن الحکیم‏‎[6]‎ .

‏بل ربما یکون فی القرآن الحکیم مطلق أو عامّ‏ ‏، ثمّ یرد المقیّد أو المخصّص‏‎ ‎‏فی السنّة وفی کلمات المعصومین ‏‏علیهم السلام‏‏ فیقیّد به المطلق القرآنی أو یخصّص بذلک‏ ‏،‏‎ ‎‏وعلیه جرت سیرة السلف الصالح والخلف الوفی‏ ‏، مع أنّه ورد عن أئمّة أهل‏‎ ‎‏البیت‏  ‏علیهم السلام‏‏: «‏ما جاءکم یخالف کتاب الله فلم أقله»‎[7]‎ ‏، وقد صدر عنهم‏  ‏علیهم السلام‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 299
‏روایات کثیرة جدّاً مقیّدة أو خاصّة فی قبال مطلقات الآیات وعموماتها‏ .

‏فإذن عدم التنافی فی المثالین‏ ‏، لیس لعدم المفهوم‏ ‏، بل لأجل أنّ العرف لا یری‏‎ ‎‏تنافیاً بین الدلیلین للجمع العرفی بینهما‏ ‏، فالحقّ هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة‏‎ ‎‏للموضوع‏ ‏، فلیس لها مفهوم‏ ‏، وحالها حال الوصف‏ ‏، وبین ما إذا کانت غایة للحکم‏ ‏،‏‎ ‎‏فلها مفهوم‏ ‏، فتدبّر‏ .

إشکال ودفع

‏ربما یتوهّم فی المقام إشکال : وهو احتمال کون منشأ نظر المشهور القائلین‏‎ ‎‏بالمفهوم‏ ‏، عموم الوضع والموضوع له فی الحروف عندهم‏ ‏، کما علیه بعض المشایخ‏‎ ‎‏المتأخّرین‏‎[8]‎ ‏، فإن ذهب أحد إلی کون الموضوع له فیها خاصّاً وجزئیاً ـ نظیر‏‎ ‎‏الإشارة ـ فلا یکون مفاد الهیئة حقیقة الطلب‏ ‏، بل لیس إلاّ الطلب الجزئی‏ ‏، ولا ریب‏‎ ‎‏فی أنّ زواله بزوال الغایة‏ ‏، غیر منافٍ لثبوت طلب جزئی آخر‏ ‏، فلا سبیل إلی‏‎ ‎‏القول بالمفهوم‏ .

ولکنّه یندفع :‏ بأنّ الأمر وإن کان کذلک حقیقة حسب الفرض‏ ‏، إلاّ أنّه ینتقل‏‎ ‎‏العرف والعقلاء من ذلک إلی حقیقة الطلب‏ ‏؛ وأنّه الواجب‏ ‏، لا الوجوب الخارجی‏‎ ‎‏الجزئی‏ ‏، کما هو الشأن فیما لو أمر بالخروج بالإشارة‏ ‏، فإنّه وإن کان المشیر والمشار إلیه‏‎ ‎‏بل والإشارة جزئیاً‏ ‏، إلاّ أنّه مع ذلک فبالإشارة إلی الخروج یفهم العرف أنّ الخروج‏‎ ‎‏واجب‏ ‏، لا الوجوب الخارجی الجزئی المدلول علیه بالإشارة بالإیجاب‏ ‏، بل الوجوب‏‎ ‎‏الحقیقی الاسمی‏ .

‏وبالجملة : کما أنّ الموضوع له فی اسم الإشارة خاصّ‏ ‏، ولم یقل أحد بکون‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 300
‏الموضوع له فی الإشارة معنی کلّیاً‏ ‏؛ لأنّها لیست من سنخ المفاهیم‏ ‏، بل من قبیل‏‎ ‎‏الإیجادیات‏ ‏، ولکن مع ذلک یفهم العرف من الإشارة إلی الخروج‏ ‏، أنّ نفس طبیعة‏‎ ‎‏الخروج بلا قید واجب‏ ‏، نظیر تداعی المعانی‏ ‏، فکذلک فی الهیئة فإنّ الموضوع له فیها‏‎ ‎‏وإن کان خاصّاً جزئیاً أدویاً حسب الفرض‏ ‏، إلاّ أنّه لا ینافی أن ینتقل ذهن العرف‏‎ ‎‏من ذلک إلی المفهوم الکلّی والمعنی الاستقلالی‏ ‏، فیحکم بتقیید الطلب الحقیقی بتلک‏‎ ‎‏الغایة‏ ‏، فبزوالها یزول بالبداهة سنخ الطلب‏ ‏؛ وإن لم یکن سنخ الحکم مفاداً للهیئة‏ .

‏والحاصل أنّ الموضوع له فی الهیئة والإشارة وإن کان معنی أدویاً جزئیاً‏ ‏، إلاّ‏‎ ‎‏أنّه لا یستقرّ ذهن العرف والعقلاء علی ما یحصل من الآلة الجزئیة أوّلاً‏ ‏، بل ینتقل منه‏‎ ‎‏إلی المعنی الذی یبعث إلیه تارة باللفظ‏ ‏، واُخری بالإشارة‏ ‏؛ وهو المطلوب‏ ‏، وهو غیر‏‎ ‎‏مقیّد بکونه معنی للّفظ أو الإشارة‏ .

‏فظهر : أنّه حتّی علی القول بکون الوضع والموضوع له فی الحروف خاصّاً‏ ‏،‏‎ ‎‏یمکن القول بالمفهوم‏ ‏، فتدبّر‏ .

ذکر وتعقیب

‏فصّل المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ وفاقاً لبعض الأعلام ـ بین کون الغایة غایة للموضوع‏‎ ‎‏والحکم‏ ‏، وبین کونها غایة للنسبة الحکمیة‏ ‏، فقال بالمفهوم فی الأخیر‏ ‏، دون الأوّلین‏ ‏.‏‎ ‎‏وهذا منه ‏‏قدس سره‏‏ مبنیّ علی ما أسّسه فی باب المفاهیم من أنّ طبع القضیة ـ من دون أن‏‎ ‎‏یکون فی الکلام قید زائد لا یقتضی أزید من إثبات المحمول علی الموضوع الخاصّ‏‎ ‎‏بنحو الإهمال‏ ‏، فلا یکون للموضوع ولا للحکم إطلاق حتّی یدلّ علی تعلیق سنخ‏‎ ‎‏الحکم‏ ‏، لکی ینتفی السنخ بانتفاء الموضوع‏ ‏، فالغایة الواردة علی مثل هذا الموضوع‏‎ ‎‏والمحمول‏ ‏، لا تقتضی إلاّ تحدید انتهائهما بما هما مهملة‏ ‏؛ من دون إطلاق فی طرف‏‎ ‎‏المحدود موضوعاً أو حکماً‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 301
‏وأمّا لو کانت غایة للنسبة الحکمیة‏ ‏، فحیث إنّها قید زائد علی الطرفین‏ ‏، فیمکن‏‎ ‎‏أن یکون لها إطلاق‏ ‏، فیستفاد تعلیق سنخ النسبة بین الطبیعتین‏ ‏، فتدلّ علی انتفاء‏‎ ‎‏السنخ منهما‏ ‏، فتدلّ قهراً علی انتفاء سنخ الحکم فی ظرف وجود المدخول‏ .

‏ثمّ أورد علی نفسه : بأنّه کیف یمکن التفکیک بین المحمول والموضوع‏ ‏، وبین‏‎ ‎‏النسبة‏ ‏؛ بأخذ الإهمال فیهما‏ ‏، والإطلاق فی الأخیر‏ ‏، مع أنّ النسبة تابعة لهما إطلاقاً‏‎ ‎‏وإهمالاً؟ کما هو الشأن فی کلّیة المعانی الحرفیة من حیث تبعیتها للمتعلّق إطلاقاً‏‎ ‎‏وإهمالاً‏ ‏، ولیس له قابلیة التعمیم والتخصیص مستقلاًّ فی قبالهما‏ .

‏فأجاب : بأنّ التبعیة کذلک إنّما هی فی عالم الثبوت‏ ‏، وأمّا فی عالم الإثبات‏‎ ‎‏فیمکن أن یقال : إنّ طبع القضیة بظهورها النوعی‏ ‏، لا یقتضی إلاّ إهمال موضوعه‏‎ ‎‏ومحموله‏ ‏، ولا ینافی ذلک وجود مقتضٍ خارجی موجب لإطلاق التعلیق الموجب‏‎ ‎‏لانتفاء السنخ عند حصول الغایة‏ ‏، وحینئذٍ فإطلاق التعلیق فی طرف النسبة‏ ‏، یقتضی‏‎ ‎‏إطلاق التعلیق فی طرف الموضوع والمحمول‏ ‏، کما أنّ الإطلاق فیهما أیضاً یقتضی‏‎ ‎‏الإطلاق فی النسبة‏ ‏، فالفرق بینهما إنّما هو من حیث إحراز الإطلاق فی النسبة دونهما‏ ‏؛‏‎ ‎‏من جهة کونهما من شؤون الجملة غیر المقتضی للأزید من إهمالهما‏ ‏، بخلاف النسبة‏‎ ‎‏فإنّها جهة زائدة عنهما‏ ‏، فلا تنافی بینهما‏‎[9]‎ ‏، انتهی محصّل ما أفاده‏ .

وفیه :‏ أنّه قد سبق غیر مرّة أنّه لا وجه للقول بالإهمال فی نوع القضایا بعد‏‎ ‎‏وجود الإطلاق فی ناحیة الموضوع والمحمول کثیراً‏ ‏، وإلاّ لانسدّت أبواب الفقه‏ ‏، فتری‏‎ ‎‏الفقهاء ـ ولعلّ هذا المحقّق منهم ـ یتمسّکون بإطلاق الموضوع أو الحکم بمجرّد أخذ‏‎ ‎‏شیء بلا قید موضوعاً للحکم إذا اُحرز کونه فی مقام البیان‏ ‏؛ من دون أن یکون فی‏‎ ‎‏الکلام شیء ثالث‏ ‏، وهو النسبة الحکمیة‏ ‏، حتّی یتشبّث بها‏ ‏، نعم القضیة وإن انحلّت‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 302
‏إلیها وإلی غیرها‏ ‏، إلاّ أنّها أجنبیة عن فهم العرف المتبع فی أمثال المقام‏ .

‏وبالجملة : حدیث إنکار الإطلاق فی نوع القضایا بالنسبة إلی الموضوع أو‏‎ ‎‏الحکم‏ ‏، ضعیف جدّاً‏ ‏. نعم هو کذلک نادراً فی بعض القضایا‏ ‏؛ وهو فیما إذا لم یحرز کونه‏‎ ‎‏فی مقام البیان‏ .

‏فتحصّل : أنّ مبناه ‏‏قدس سره‏‏ فی باب المفاهیم غیر صحیح‏ ‏، فما بنی علیه هنا غیر‏‎ ‎‏سدید‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 303

  • )) مقالات الاُصول 1 : 416 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 204 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 204 ، الهامش 1 .
  • )) شرح المواقف 8 : 202 ـ 207 ، شرح المقاصد 4 : 301 ـ 306 .
  • )) التعادل والترجیح ، الإمام الخمینی قدس سره : 32 .
  • )) النساء (4) : 82 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 27: 111، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب 9، الحدیث 15.
  • )) کفایة الاُصول : 25 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 416 ـ 417 .