المقصد الثالث فی المفهوم

الأمر الأوّل‏: فی بیان شمول النزاع للوصف غیر المعتمد

الأمر الأوّل : فی بیان شمول النزاع للوصف غیر المعتمد

‏الظاهر أنّ محطّ البحث فی مفهوم الوصف مطلق الوصف‏ ‏؛ سواء کان معتمداً‏‎ ‎‏علی موصوفه‏ ‏، کقولنا : «أکرم الإنسان العادل» أو لا بأن ذکر الوصف بوجوده‏‎ ‎‏الاشتقاقی‏ ‏، کقولنا : «أکرم العادل» کما صرّح به بعض أئمّة الفن‏ ‏، وکما یظهر من‏‎ ‎‏استدلال بعض القائلین بالمفهوم‏ ‏، کما سنشیر إلیه‏ .

ولکن ‏یظهر من المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ اختصاص البحث بما إذا کان الوصف معتمداً‏‎ ‎‏علی الوصف‏ ‏، فقال ما حاصله : أنّ کلمات الأساطین وإن کانت ظاهرة فی کون محطّ‏‎ ‎‏البحث الوصف عامّاً‏ ‏، إلاّ أنّ الحقّ اختصاص محطّ البحث بالوصف المعتمد علی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
‏موصوفه‏ ‏، وأمّا إذا ذکر الوصف بالعنوان الاشتقاقی‏ ‏، فسبیله سبیل اللقب‏ ‏، بل لیس إلاّ‏‎ ‎‏اللقب‏ ‏؛ إذ لا فرق فی إثبات حکم لموضوع ـ بعد فرض کونه لا یدلّ علی انتفاء سنخ‏‎ ‎‏هذا الحکم عن غیر هذا الموضوع ـ بین أن یکون الموضوع فی القضیة شخصیاً‏ ‏، نحو‏‎ ‎‏«أکرم زیداً» أو کلّیاً‏ ‏، مثل «جئنی بإنسان» أو اشتقاقیاً‏ ‏، نحو «أکرم عالماً» فکما لا یدلّ‏‎ ‎‏إثبات حکم لزید علی انتفاء سنخ هذا الحکم عن غیره‏ ‏، فکذلک إثبات حکم للعالم‏‎ ‎‏لا یدلّ علی انتفاء سنخ هذا الحکم عن غیره‏ .

‏والسرّ فیه : هو أنّ الالتزام بالمفهوم فیما إذا ذکر الموصوف صریحاً‏ ‏، إنّما هو‏‎ ‎‏لخروج الکلام عن اللغویة‏ ‏؛ بتقریب أنّ الحکم لو لم یختصّ بمورد الوصف وکان ثابتاً‏‎ ‎‏له وللفاقد‏ ‏، لما کان لذکر الوصف وجه‏ ‏، ولا یجری هذا فی الوصف الاشتقاقی‏ ‏؛ لأنّ‏‎ ‎‏ذکر موضوع الحکم لا یحتاج إلی نکتة غیر إثبات الحکم له‏ ‏، لا إثباته له وانتفائه‏‎ ‎‏عن غیره‏‎[1]‎ .

وفیه أوّلاً :‏ أنّه لا وجه لتخصیص محطّ البحث بالوصف المعتمد بعد کون‏‎ ‎‏البحث عندهم عامّاً‏ ‏، هذا کلام صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ حیث قال : «الظاهر أنّه‏‎ ‎‏لا فرق فی المقام بین کون الموصوف مذکوراً أو لا» وصرّح الشیخ أیضاً بذلک‏ ‏، کما أنّ‏‎ ‎‏القائل بمفهوم الوصف استدل بفهم أبی عبیدة من قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : «‏لیّ الواجد یحلّ‎ ‎عرضه وعقوبته»‎[2]‎ ‏، و«‏مطل الغنیّ ظلم»‎[3]‎ ‏، حیث فهم أنّ غیر الواجد لا یحلّ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286
‏عرضه وعقوبته‏ ‏، ومطل غیر الغنیّ لیس بظلم‏ ‏، مع أنّ الواجد والغنیّ وصفان غیر‏‎ ‎‏معتمدین علی الموصوف فی الحدیثین‏ ‏، وتری منکر المفهوم لم یردّه : بأنّه خارج عن‏‎ ‎‏محطّ البحث‏ ‏؛ لأنّ الوصف فی الحدیثین لم یعتمد علی الموصوف‏ ‏، بل ردّه بوجه آخر :‏‎ ‎‏وهو أنّ فهمه لا یثبت الوضع‏ ‏، فلعلّه استند فی ذلک إلی القرائن الحاقّة بالکلام‏ ‏، وأنّ‏‎ ‎‏فهمه ـ علی تقدیر فقد القرائن ـ لیس بحجّة‏ . . ‏. إلی غیر ذلک‏ .

‏وبالجملة : لم یقل أحد بأنّ الاستدلال بفهم أبی عبیدة خارج عن محطّ البحث‏ ‏؛‏‎ ‎‏لکون الوصف فی الحدیثین غیر معتمد علی موصوفه‏‎[4]‎ .

‏وممّا یشهد لما ذکرنا : أنّه ‏‏قدس سره‏‏ لم یتعرّض ولم یتعرّضوا لعدم اعتماد الوصف فی آیة‏‎ ‎‏النبأ‏‎[5]‎ ‏؛ عند الاستدلال بها علی حجّیة خبر الواحد من ناحیة الوصف لا الشرط‏ ‏،‏‎ ‎‏بل غایة ما قال وقالوا أنّه لم یکن للوصف مفهوم‏ ‏، فتدبّر‏ .

وثانیاً :‏ أنّ النکتة التی زعم وجودها فی الوصف المعتمد‏ ‏، جاریة فی الوصف‏‎ ‎‏الاشتقاقی أیضاً‏ ‏، فإنّه لو صحّ أن یقال فی الوصف المعتمد : إنّ الحکم لو لم یختصّ بمورد‏‎ ‎‏الوصف لما کان لذکر الوصف فائدة‏ ‏، بل کان لغواً‏ ‏، صحّ أن یقال فی الوصف‏‎ ‎‏الاشتقاقی : إنّه لو لم یکن للصفة فائدة وحکمة بل کان یترتّب الحکم علی فاقد‏‎ ‎‏الوصف‏ ‏، لکان ذکر الموصوف بما هو موصوف لغواً‏ ‏، مثلاً فی قوله تعالی :‏‏«‏ إنْ جَاءَکُمْ‎ ‎فَاسِقٌ بِنَبَأٍ . . . ‏»‏‎[6]‎‏ الآیة‏ ‏، لو لم یکن لوصف الفسق مدخلیة فی التبیّن لکان‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 287
‏الأنسب أن یقال : «إن جاءکم رجل» ولعمر الحقّ إنّه بمکان من الوضوح‏ .

‏والحاصل : أنّه لا فرق بین الوصف المعتمد والوصف الاشتقاقی‏ ‏؛ من حیث‏‎ ‎‏جریان قاعدة الصون عن اللغویة‏ ‏، فإن تمّت واستفید منها المفهوم فی الوصف المعتمد‏ ‏،‏‎ ‎‏فلابدّ وأن یستفاد فی الوصف الاشتقاقی أیضاً‏ ‏، فلو قیل بالمفهوم فی الوصف فلابدّ وأن‏‎ ‎‏یقال فی المقامین‏ ‏، وإلاّ فلا‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 288

  • )) فوائد الاُصول 1 : 501 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 18 : 333 ، کتاب التجارة ، أبواب الدین والقرض ، الباب 8 ، الحدیث 4 ، سنن ابن ماجة 2 : 811 / 2427 .
  • )) وسائل الشیعة 18 : 333 ، کتاب التجارة ، أبواب الدین والقرض ، الباب 8 ، الحدیث 3 ، صحیح مسلم 3 : 383 / 33 ، سنن النسائی 7 : 317 .
  • )) قلت : لا یخفی عدم توجّه هذا الإشکال علی المحقّق النائینی قدس سره لأنّه لم یدّع أنّ النزاع بین الأعلام خاصّ بالوصف المعتمد ، بل صرّح بأنّ ظاهر کلمات الأساطین کون عنوان البحث عامّاً والذی ادّعاه هو تحریر محطّ النزاع عنده ، بزعم أنّ الوصف الاشتقاقی سبیله سبیل اللقب . نعم یتوجّه علیه الإشکال الآتی . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) الحجرات (49) : 6 .
  • )) الحجرات (49) : 6 .