الأمر الأوّل : فی بیان شمول النزاع للوصف غیر المعتمد
الظاهر أنّ محطّ البحث فی مفهوم الوصف مطلق الوصف ؛ سواء کان معتمداً علی موصوفه ، کقولنا : «أکرم الإنسان العادل» أو لا بأن ذکر الوصف بوجوده الاشتقاقی ، کقولنا : «أکرم العادل» کما صرّح به بعض أئمّة الفن ، وکما یظهر من استدلال بعض القائلین بالمفهوم ، کما سنشیر إلیه .
ولکن یظهر من المحقّق النائینی قدس سره اختصاص البحث بما إذا کان الوصف معتمداً علی الوصف ، فقال ما حاصله : أنّ کلمات الأساطین وإن کانت ظاهرة فی کون محطّ البحث الوصف عامّاً ، إلاّ أنّ الحقّ اختصاص محطّ البحث بالوصف المعتمد علی
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 285
موصوفه ، وأمّا إذا ذکر الوصف بالعنوان الاشتقاقی ، فسبیله سبیل اللقب ، بل لیس إلاّ اللقب ؛ إذ لا فرق فی إثبات حکم لموضوع ـ بعد فرض کونه لا یدلّ علی انتفاء سنخ هذا الحکم عن غیر هذا الموضوع ـ بین أن یکون الموضوع فی القضیة شخصیاً ، نحو «أکرم زیداً» أو کلّیاً ، مثل «جئنی بإنسان» أو اشتقاقیاً ، نحو «أکرم عالماً» فکما لا یدلّ إثبات حکم لزید علی انتفاء سنخ هذا الحکم عن غیره ، فکذلک إثبات حکم للعالم لا یدلّ علی انتفاء سنخ هذا الحکم عن غیره .
والسرّ فیه : هو أنّ الالتزام بالمفهوم فیما إذا ذکر الموصوف صریحاً ، إنّما هو لخروج الکلام عن اللغویة ؛ بتقریب أنّ الحکم لو لم یختصّ بمورد الوصف وکان ثابتاً له وللفاقد ، لما کان لذکر الوصف وجه ، ولا یجری هذا فی الوصف الاشتقاقی ؛ لأنّ ذکر موضوع الحکم لا یحتاج إلی نکتة غیر إثبات الحکم له ، لا إثباته له وانتفائه عن غیره .
وفیه أوّلاً : أنّه لا وجه لتخصیص محطّ البحث بالوصف المعتمد بعد کون البحث عندهم عامّاً ، هذا کلام صاحب «الفصول» قدس سره حیث قال : «الظاهر أنّه لا فرق فی المقام بین کون الموصوف مذکوراً أو لا» وصرّح الشیخ أیضاً بذلک ، کما أنّ القائل بمفهوم الوصف استدل بفهم أبی عبیدة من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لیّ الواجد یحلّ عرضه وعقوبته» ، و«مطل الغنیّ ظلم» ، حیث فهم أنّ غیر الواجد لا یحلّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 286
عرضه وعقوبته ، ومطل غیر الغنیّ لیس بظلم ، مع أنّ الواجد والغنیّ وصفان غیر معتمدین علی الموصوف فی الحدیثین ، وتری منکر المفهوم لم یردّه : بأنّه خارج عن محطّ البحث ؛ لأنّ الوصف فی الحدیثین لم یعتمد علی الموصوف ، بل ردّه بوجه آخر : وهو أنّ فهمه لا یثبت الوضع ، فلعلّه استند فی ذلک إلی القرائن الحاقّة بالکلام ، وأنّ فهمه ـ علی تقدیر فقد القرائن ـ لیس بحجّة . . . إلی غیر ذلک .
وبالجملة : لم یقل أحد بأنّ الاستدلال بفهم أبی عبیدة خارج عن محطّ البحث ؛ لکون الوصف فی الحدیثین غیر معتمد علی موصوفه .
وممّا یشهد لما ذکرنا : أنّه قدس سره لم یتعرّض ولم یتعرّضوا لعدم اعتماد الوصف فی آیة النبأ ؛ عند الاستدلال بها علی حجّیة خبر الواحد من ناحیة الوصف لا الشرط ، بل غایة ما قال وقالوا أنّه لم یکن للوصف مفهوم ، فتدبّر .
وثانیاً : أنّ النکتة التی زعم وجودها فی الوصف المعتمد ، جاریة فی الوصف الاشتقاقی أیضاً ، فإنّه لو صحّ أن یقال فی الوصف المعتمد : إنّ الحکم لو لم یختصّ بمورد الوصف لما کان لذکر الوصف فائدة ، بل کان لغواً ، صحّ أن یقال فی الوصف الاشتقاقی : إنّه لو لم یکن للصفة فائدة وحکمة بل کان یترتّب الحکم علی فاقد الوصف ، لکان ذکر الموصوف بما هو موصوف لغواً ، مثلاً فی قوله تعالی :« إنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ . . . » الآیة ، لو لم یکن لوصف الفسق مدخلیة فی التبیّن لکان
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 287
الأنسب أن یقال : «إن جاءکم رجل» ولعمر الحقّ إنّه بمکان من الوضوح .
والحاصل : أنّه لا فرق بین الوصف المعتمد والوصف الاشتقاقی ؛ من حیث جریان قاعدة الصون عن اللغویة ، فإن تمّت واستفید منها المفهوم فی الوصف المعتمد ، فلابدّ وأن یستفاد فی الوصف الاشتقاقی أیضاً ، فلو قیل بالمفهوم فی الوصف فلابدّ وأن یقال فی المقامین ، وإلاّ فلا .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 288