المقام الثانی : فی حکم ما إذا تعدّدت الأسباب شخصاً لا نوعاً
إذا تعدّد الشرط واتحد الجزاء ، واختلفا عدداً ؛ بأن کانا فردین أو أفراداً لماهیة واحدة ، کما إذا قیل : «إذا بلت فتوضّأ» فتکرّر منه البول بلا تخلّل الوضوء فی البین ، فهل الکلام فیه الکلام فیما إذا اختلفا ماهیة ، أم لا؟
فرّق المحقّق النائینی قدس سره بین ما إذا کان السبب وجود کلّ فرد مستقلاًّ ، وبین ما إذا کان السبب نفس الماهیة ، فقال ما حاصله : أنّه إن قلنا بظهور القضیة الشرطیة فی الانحلال وأنّ السبب هو وجود کلّ فرد من أفراد الماهیة ـ کما هو الحقّ ـ فیکون کلّ واحد من أفراد الشرط سبباً مستقلاًّ لترتّب الجزاء ، فمع إمکان التعدّد فی المسبّب لا موجب للتداخل .
وأمّا إذا لم نقل بذلک ـ بأن کانت العلّة نفس الطبیعة ـ فلا تعدّد للشرط حینئذٍ أصلاً ؛ لعدم تکرّر صِرف الوجود ، لأنّ نفس الطبیعة المتحقّقة أوّلاً هی عین المتحقّقة مع فرد آخر ثانیاً بلا تفاوت بینهما .
ولا یخفی : أنّ ما أفاده وإن کان له وجه فی حدّ نفسه ، إلاّ أنّه خارج عن موضوع البحث فی التداخل ؛ لأنّه إنّما هو بعد الانحلال ؛ وأنّ کلّ واحد من الشروط المتعدّدة ، سبب تامّ لترتّب الجزاء لو خلّی ونفسه ، فیقع البحث فیما لو تعاقب الفردان ، فإذا فرض أنّه لم یکن لکلّ من الأفراد سببیة مستقلّة ، بل فرضنا أنّ السبب هو نفس
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 279
الطبیعة ، فهذا خارج عن موضوع البحث فی تداخل الأسباب ، بل یرجع إلی البحث عن أنّ السبب واحد أو متعدّد .
نعم ، البحث فی وحدة السبب أو تعدّده ، من مبادئ هذه المسألة ؛ لأنّه لابدّ وأن یثبت أوّلاً أنّ السبب هو الفرد ـ لا الطبیعة ـ حتّی یتعدّد السبب ، ثمّ یبحث فی تداخل الأسباب ؛ وأنّ الفردین منها یتداخلان فی إیجاب الوضوء ، أم لا .
ولعلّ مقصود المحقّق النائینی قدس سره بیان تقدیم ظهور صدر القضیة الشرطیة علی ذیلها ، فبناءً علی ظهور الشرطیة فی الانحلال ـ کما فی قوله : «إن بلت فتوضّأ» ـ وبناءً علی دلالته علی أنّه کلّما تحقّق منک البول یجب علیک الوضوء ، فیقع التعارض بین صدر القضیة الدالّ علی علّیة مستقلّة لکلّ فرد من أفراد البول لوجوب الوضوء ، وبین إطلاق ذیلها ، ولا یبعد تحکیم ظهور الصدر علی إطلاق ذیلها عرفاً ؛ بمعنی أنّه إذا سمع المخاطب أنّ لکلّ فرد من أفراد البول مثلاً علّة مستقلّة لوجوب الوضوء ، لا ینظر إلی إطلاق الذیل ، بل یحکم بأنّ کلّ مصداق منه ، علّة لوجوب خاصّ به بلا تداخل للأسباب .
ولا یخفی : أنّ تحکیم ظهور صدر القضیة علی ذیلها ، لیس ضابطاً کلّیاً فی جمیع الموارد ، إلاّ أنّه غالبی. ولکن ربما یکون الذیل قرینة علی الصدر ، کقولهم : «رأیت أسداً یرمی» وقد لا یفهم شیء منهما ، فعند ذلک یقع التعارض بین الإطلاقین ، والکلام فی تعارض الإطلاقین هنا ، هو الکلام فی تعارضهما إذا کانا فی قضیتین ، فتدبّر .
هذا کلّه حال تداخل الأسباب فی هذا المقام . وأمّا تداخل المسبّبات فی المقام ، فقد سبق الکلام فیه بما لا مزید علیه فی المقام الأوّل ثبوتاً وإثباتاً ، فلاحظ وتدبّر.
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 280