المقصد الثالث فی المفهوم

المقام الثانی‏: فی حکم ما إذا تعدّدت الأسباب شخصاً لا نوعاً

المقام الثانی : فی حکم ما إذا تعدّدت الأسباب شخصاً لا نوعاً

‏إذا تعدّد الشرط واتحد الجزاء‏ ‏، واختلفا عدداً‏ ‏؛ بأن کانا فردین أو أفراداً لماهیة‏‎ ‎‏واحدة‏ ‏، کما إذا قیل : «إذا بلت فتوضّأ» فتکرّر منه البول بلا تخلّل الوضوء فی البین‏ ‏،‏‎ ‎‏فهل الکلام فیه الکلام فیما إذا اختلفا ماهیة‏ ‏، أم لا؟‏

فرّق المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ بین ما إذا کان السبب وجود کلّ فرد مستقلاًّ‏ ‏، وبین‏‎ ‎‏ما إذا کان السبب نفس الماهیة‏ ‏، فقال ما حاصله : أنّه إن قلنا بظهور القضیة الشرطیة‏‎ ‎‏فی الانحلال وأنّ السبب هو وجود کلّ فرد من أفراد الماهیة ـ کما هو الحقّ ـ فیکون‏‎ ‎‏کلّ واحد من أفراد الشرط سبباً مستقلاًّ لترتّب الجزاء‏ ‏، فمع إمکان التعدّد فی المسبّب‏‎ ‎‏لا موجب للتداخل‏ .

‏وأمّا إذا لم نقل بذلک ـ بأن کانت العلّة نفس الطبیعة ـ فلا تعدّد للشرط حینئذٍ‏‎ ‎‏أصلاً‏ ‏؛ لعدم تکرّر صِرف الوجود‏ ‏، لأنّ نفس الطبیعة المتحقّقة أوّلاً هی عین المتحقّقة‏‎ ‎‏مع فرد آخر ثانیاً بلا تفاوت بینهما‏‎[1]‎ .

ولا یخفی :‏ أنّ ما أفاده وإن کان له وجه فی حدّ نفسه‏ ‏، إلاّ أنّه خارج عن‏‎ ‎‏موضوع البحث فی التداخل‏ ‏؛ لأنّه إنّما هو بعد الانحلال‏ ‏؛ وأنّ کلّ واحد من الشروط‏‎ ‎‏المتعدّدة‏ ‏، سبب تامّ لترتّب الجزاء لو خلّی ونفسه‏ ‏، فیقع البحث فیما لو تعاقب الفردان‏ ‏،‏‎ ‎‏فإذا فرض أنّه لم یکن لکلّ من الأفراد سببیة مستقلّة‏ ‏، بل فرضنا أنّ السبب هو نفس‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 279
‏الطبیعة‏ ‏، فهذا خارج عن موضوع البحث فی تداخل الأسباب‏ ‏، بل یرجع إلی البحث‏‎ ‎‏عن أنّ السبب واحد أو متعدّد‏ .

‏نعم‏ ‏، البحث فی وحدة السبب أو تعدّده‏ ‏، من مبادئ هذه المسألة‏ ‏؛ لأنّه لابدّ‏‎ ‎‏وأن یثبت أوّلاً أنّ السبب هو الفرد ـ لا الطبیعة ـ حتّی یتعدّد السبب‏ ‏، ثمّ یبحث فی‏‎ ‎‏تداخل الأسباب ؛ وأنّ الفردین منها یتداخلان فی إیجاب الوضوء‏ ‏، أم لا‏ .

ولعلّ‏ مقصود المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ بیان تقدیم ظهور صدر القضیة الشرطیة علی‏‎ ‎‏ذیلها‏ ‏، فبناءً علی ظهور الشرطیة فی الانحلال ـ کما فی قوله : «إن بلت فتوضّأ» ـ وبناءً‏‎ ‎‏علی دلالته علی أنّه کلّما تحقّق منک البول یجب علیک الوضوء‏ ‏، فیقع التعارض بین‏‎ ‎‏صدر القضیة الدالّ علی علّیة مستقلّة لکلّ فرد من أفراد البول لوجوب الوضوء‏ ‏،‏‎ ‎‏وبین إطلاق ذیلها‏ ‏، ولا یبعد تحکیم ظهور الصدر علی إطلاق ذیلها عرفاً‏ ‏؛ بمعنی أنّه‏‎ ‎‏إذا سمع المخاطب أنّ لکلّ فرد من أفراد البول مثلاً علّة مستقلّة لوجوب الوضوء‏ ‏، لا‏‎ ‎‏ینظر إلی إطلاق الذیل‏ ‏، بل یحکم بأنّ کلّ مصداق منه‏ ‏، علّة لوجوب خاصّ به بلا‏‎ ‎‏تداخل للأسباب‏ .

ولا یخفی :‏ أنّ تحکیم ظهور صدر القضیة علی ذیلها ، لیس ضابطاً کلّیاً فی جمیع‏‎ ‎‏الموارد‏ ‏، إلاّ أنّه غالبی. ولکن ربما یکون الذیل قرینة علی الصدر ، کقولهم : «رأیت‏‎ ‎‏أسداً یرمی» وقد لا یفهم شیء منهما ، فعند ذلک یقع التعارض بین الإطلاقین ، والکلام‏‎ ‎‏فی تعارض الإطلاقین هنا ، هو الکلام فی تعارضهما إذا کانا فی قضیتین ، فتدبّر .‏

‏هذا کلّه حال تداخل الأسباب فی هذا المقام‏ ‏. وأمّا تداخل المسبّبات فی‏‎ ‎‏المقام ، فقد سبق الکلام فیه بما لا مزید علیه فی المقام الأوّل ثبوتاً وإثباتاً ،‏‎ ‎‏فلاحظ وتدبّر.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 280

  • )) فوائد الاُصول 1 : 500 .