المقصد الثالث فی المفهوم

حول المقدّمة الثانیة التی ذکرها الشیخ الأعظم

حول المقدّمة الثانیة التی ذکرها الشیخ الأعظم

‏إذا تمهّد لک ما أشرنا إلیه آنفاً فی المقدّمة الاُولی‏ ‏، یسهل علیک أمر المقدّمة‏‎ ‎‏الثانیة‏ ‏؛ وهی أنّ أثر السبب الثانی غیر أثر السبب الأوّل‏ ‏، بداهة أنّه لو وضح أنّ‏‎ ‎‏المتبادر عندهم أنّ بین کلّ شرط ومتعلّق الجزاء‏ ‏، تناسباً وسببیة مطلقة ـ قارنه أمر‏‎ ‎‏آخر‏ ‏، أم لا ـ فلا یکاد ینقدح فی ذهنهم من تعدّد الشرط‏ ‏، کون الثانی للتأکید‏ ‏؛ وأنّ‏‎ ‎‏الأثر الحاصل من أحدهما عین الأثر الحاصل من الآخر‏ ‏، بل یرون أنّ لکلّ منهما‏‎ ‎‏اقتضاءً وأثراً خاصّاً غیر ما للآخر‏ ‏. ولعلّه یمکن أن یستفاد هذا من آخر کلام الشیخ‏‎ ‎‏الأعظم أعلی الله مقامه أیضاً‏ ‏، فلاحظ‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 269
فلو قطع‏ النظر عن هذا الدرک والفهم العقلائی‏ ‏، لأمکن منع المقدّمة الثانیة‏ ‏،‏‎ ‎‏لأنّ الجزاء فی ظاهر القضیة هو الوجوب لا متعلّقه‏ ‏، فعند حدوث أحد الشرطین‏‎ ‎‏یکون إیجاب واحـد للوضوء‏ ‏، کما أنّـه عنـد حدوث الشرط الآخـر یکون هناک‏‎ ‎‏إیجابان للوضوء‏ ‏، ولا یوجب ذلک تعدّد الواجب‏ ‏، بل غایة ما هناک تعدّد الوجوب‏ ‏،‏‎ ‎‏فیـدور الأمـر بین حفظ إطلاق الشـرطین والجزاءین وحمل الأمـر الثـانی علی‏‎ ‎‏التأکیـد‏ ‏، وبین الاحتفاظ علی أصالة التأسیس ورفع الیـد عـن ظهـور الشرطیـة‏ ‏،‏‎ ‎‏ومعلوم أنّ ظاهر الکلام عند الإطلاق وإن کان التأسیس‏ ‏، إلاّ أنّه لا ریب فی کون‏‎ ‎‏العقلاء مطبقیـن علی أنّ رفع الیـد عن التأسیس عند ذلک‏ ‏، أولی من رفع الیـد عن‏‎ ‎‏الإطلاقین‏ ‏، فإذن یکون إطلاق کلّ من الشرطین فی السببیة المطلقة وإطلاق متعلّق‏‎ ‎‏الجزاء‏ ‏، باقیین بحالهما‏ ‏، ولکن عند مقارنة هذه الإطلاقات یقع الأمر الثانی تأکیداً‏‎ ‎‏للأمر الأوّل‏ .

‏ولا تتوهّم : أنّ التأکید یوجب تجوّزاً فی صیغة الأمر‏ ‏؛ لأنّ المراد بوضع الأمر‏‎ ‎‏للوجوب مثلاً‏ ‏، هو وضعه لإیجاد البعث الناشئ من الإرادة الحتمیة‏ ‏، ومعلوم أنّ‏‎ ‎‏الأوامر التأکیدیة کلّها مستعملة فی ذلک‏ ‏، ضرورة أنّ التأکید إنّما یؤتی به فی الاُمور‏‎ ‎‏المهمّة التی ربما لا یکتفی فیها بأمر واحد‏ ‏، بل یؤتی به متعدّداً‏ ‏، فکما أنّ البعث الأوّل‏‎ ‎‏ناشئ عن الإرادة الحتمیة‏ ‏، فکذلک البعث الثانی والثالث‏ ‏، ولا معنی للتأکید إلاّ ذلک‏ ‏،‏‎ ‎‏لا أنّ الثانی مستعمل فی عنوان التأکید‏ ‏، أو فی الاستحباب‏ ‏، أو الإرشاد‏ ‏، أو غیر‏‎ ‎‏ذلک‏ ‏؛ لعدم معنی محصّل لها‏ ‏. بل التأکید لا یتحقّق إلاّ بکون المؤکِّد من سنخ‏‎ ‎‏المؤکَّد‏ ‏، فلابدّ وأن یکون البعثان ناشئین من الإرادة الأکیدة لغرض الانبعاث حتّی‏‎ ‎‏ینتزع التأکید من الثانی‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 270

ذکر و تعقیب

‏وبما ذکرنا یظهر ضعف ما ذکره المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ فی المقام‏ ‏؛ لأنّه قال : «إنّ تأکّد‏‎ ‎‏الوجوب فی ظرف تکرّر الشرط‏ ‏، یوجب عدم استقلال الشرط فی التأثیر‏ ‏؛ لبداهة‏‎ ‎‏استناد الوجوب الواحد المتأکِّد إلیهما‏ ‏، لا إلی کلّ واحد منهما»‏‎[1]‎ .

‏توضیح الضعف : هو أنّ الوجوب المؤکّد لم یکن معلولاً للشرطین‏ ‏؛ بحیث‏‎ ‎‏یکونان مؤثّرین فیه‏ ‏، بل هناک وجوبان وبعثان کلّ واحد منهما عن إرادة إلزامیة‏‎ ‎‏متعلّقتان بأمر واحد‏ ‏، وینتزع من تکرّرهما التأکّد‏ ‏، أو الوجوب المتأکّد‏ ‏، فالتأکّد أمر‏‎ ‎‏منتزع من تکرار البعثین‏ ‏، وکذا الوجوب المتأکّد أمر منتزع منه‏ ‏، لا أنّه معلول‏‎ ‎‏للشرطین‏ ‏، فتدبّر‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 271

  • )) مقالات الاُصول 1 : 407 .