حول المقدّمة الثانیة التی ذکرها الشیخ الأعظم
إذا تمهّد لک ما أشرنا إلیه آنفاً فی المقدّمة الاُولی ، یسهل علیک أمر المقدّمة الثانیة ؛ وهی أنّ أثر السبب الثانی غیر أثر السبب الأوّل ، بداهة أنّه لو وضح أنّ المتبادر عندهم أنّ بین کلّ شرط ومتعلّق الجزاء ، تناسباً وسببیة مطلقة ـ قارنه أمر آخر ، أم لا ـ فلا یکاد ینقدح فی ذهنهم من تعدّد الشرط ، کون الثانی للتأکید ؛ وأنّ الأثر الحاصل من أحدهما عین الأثر الحاصل من الآخر ، بل یرون أنّ لکلّ منهما اقتضاءً وأثراً خاصّاً غیر ما للآخر . ولعلّه یمکن أن یستفاد هذا من آخر کلام الشیخ الأعظم أعلی الله مقامه أیضاً ، فلاحظ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 269
فلو قطع النظر عن هذا الدرک والفهم العقلائی ، لأمکن منع المقدّمة الثانیة ، لأنّ الجزاء فی ظاهر القضیة هو الوجوب لا متعلّقه ، فعند حدوث أحد الشرطین یکون إیجاب واحـد للوضوء ، کما أنّـه عنـد حدوث الشرط الآخـر یکون هناک إیجابان للوضوء ، ولا یوجب ذلک تعدّد الواجب ، بل غایة ما هناک تعدّد الوجوب ، فیـدور الأمـر بین حفظ إطلاق الشـرطین والجزاءین وحمل الأمـر الثـانی علی التأکیـد ، وبین الاحتفاظ علی أصالة التأسیس ورفع الیـد عـن ظهـور الشرطیـة ، ومعلوم أنّ ظاهر الکلام عند الإطلاق وإن کان التأسیس ، إلاّ أنّه لا ریب فی کون العقلاء مطبقیـن علی أنّ رفع الیـد عن التأسیس عند ذلک ، أولی من رفع الیـد عن الإطلاقین ، فإذن یکون إطلاق کلّ من الشرطین فی السببیة المطلقة وإطلاق متعلّق الجزاء ، باقیین بحالهما ، ولکن عند مقارنة هذه الإطلاقات یقع الأمر الثانی تأکیداً للأمر الأوّل .
ولا تتوهّم : أنّ التأکید یوجب تجوّزاً فی صیغة الأمر ؛ لأنّ المراد بوضع الأمر للوجوب مثلاً ، هو وضعه لإیجاد البعث الناشئ من الإرادة الحتمیة ، ومعلوم أنّ الأوامر التأکیدیة کلّها مستعملة فی ذلک ، ضرورة أنّ التأکید إنّما یؤتی به فی الاُمور المهمّة التی ربما لا یکتفی فیها بأمر واحد ، بل یؤتی به متعدّداً ، فکما أنّ البعث الأوّل ناشئ عن الإرادة الحتمیة ، فکذلک البعث الثانی والثالث ، ولا معنی للتأکید إلاّ ذلک ، لا أنّ الثانی مستعمل فی عنوان التأکید ، أو فی الاستحباب ، أو الإرشاد ، أو غیر ذلک ؛ لعدم معنی محصّل لها . بل التأکید لا یتحقّق إلاّ بکون المؤکِّد من سنخ المؤکَّد ، فلابدّ وأن یکون البعثان ناشئین من الإرادة الأکیدة لغرض الانبعاث حتّی ینتزع التأکید من الثانی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 270
ذکر و تعقیب
وبما ذکرنا یظهر ضعف ما ذکره المحقّق العراقی قدس سره فی المقام ؛ لأنّه قال : «إنّ تأکّد الوجوب فی ظرف تکرّر الشرط ، یوجب عدم استقلال الشرط فی التأثیر ؛ لبداهة استناد الوجوب الواحد المتأکِّد إلیهما ، لا إلی کلّ واحد منهما» .
توضیح الضعف : هو أنّ الوجوب المؤکّد لم یکن معلولاً للشرطین ؛ بحیث یکونان مؤثّرین فیه ، بل هناک وجوبان وبعثان کلّ واحد منهما عن إرادة إلزامیة متعلّقتان بأمر واحد ، وینتزع من تکرّرهما التأکّد ، أو الوجوب المتأکّد ، فالتأکّد أمر منتزع من تکرار البعثین ، وکذا الوجوب المتأکّد أمر منتزع منه ، لا أنّه معلول للشرطین ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 271