حول المقدّمة الاُولی التی ذکرها الشیخ الأعظم
ویظهر من الشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره وجوه من البیان فی تمهید المقدّمة الاُولی وإثبات أنّ السبب الثانی مستقلّ ، وقد أخذ کلّ من تأخّر عنه وجهاً ، فهم عیال علیه :
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 254
منها : ماقاله المحقّق الخراسانی قدس سره أخیراً بعد أن منع تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط ؛ لاستلزامه اجتماع المثلین ، وذکر ما یمکن أن یقول به القائل بالتداخل ، وحاصله : أنّ الجملة الشرطیة لها ظهور فی ترتّب الجزاء علی الشرط ؛ إمّا لکون الشرط سبباً ، أو کاشفاً عن السبب الحقیقی ، ومقتضی ذلک تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط ، ومقتضی إطلاق الجـزاء فی الجملتین ، هو أنّ نفس طبیعـة الجزاء تمام الموضوع لتعلّق الإیجاب علیها فی الجملتین ، ولکنّ إطلاق الجزاء معلّق علی عدم البیان ، وظهور الشرطیة فی ذلک صالح لأن یکون بیاناً له ، فإذن لا ظهور للجزاء مع ظهور الشرطیة ، فلا یلزم علی القول بعدم التداخل تصرّف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل ، کما لا یخفی .
ولتوضیح مقاله نقول : إنّ مقتضی الشرطیة فی قوله : «إن بلت فتوضّأ» هو وجوب الوضوء عند تحقّق البول ، ومقتضی إطلاق الجزاء هو أنّ نفس ماهیة الوضوء تمام الموضوع لتعلّق الإیجاب علیها ، فإن کانت هناک جملة شرطیة اُخری ـ کقوله : «إن نمت فتوضّأ» ـ فالکلام فیها هو الکلام فی سابقتها ، ولکن إیفاء الشرطیة فی معناها فی الجملتین وإطلاق الجزاء فیهما ، یوجب تعلّق إیجابین مستقلّین وإرادتین کذلک علی ماهیة واحدة ؛ وهی نفس ماهیة الوضوء فی المثال ، وهو محال ، فلابدّ إمّا من رفع الید عن استقلال کلّ واحد من الشرطین فی التأثیر فی صورة اجتماعه مع الشرط الآخر ؛ سواء قارنه ، أم تأخّر عنه ، وإبقاء الجزاء فیهما سلیماً ، فیکون مقتضی الجملتین أنّه لا یجب الوضوء عند حصول کلّ واحد من البول والنوم ، بل عند اجتماعهما .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 255
أو رفع الید عن إطلاق الجزاء فیهما ؛ بأن یراد بالجزاء مصداق الماهیة حتّی یتغایر الجزاء فی کلّ من الجملتین مع الجزاء فی الاُخری ، فیبقی ظهور الشرطیة فی السببیة المستقلّة أو کاشفیتها عن سببیّة مستقلّة ، سلیماً .
فهنا مورد تصادم الإطلاقات، ولکنّ إطلاق الجزاءین لا یقاوم إطلاق الشرطین ؛ لأنّ إطلاق الجزاء یتوقّف علی عدم البیان ، وواضح أنّ ظهور الشرطیة فی ترتّب الجزاء بیان له ، فلم یکن هناک فی الحقیقة إطلاق ، ومقتضی ذلک عدم التداخل .
ومنها : ما ذکره المحقّق النائینی قدس سره وحاصله : أنّ الأمر المتعلّق بالجزاء إنّما یدلّ علی طلب إیجاد الطبیعة ، ولا اقتضاء له لکون المطلوب مصداقاً واحداً أو متعدّداً ، نعم یحکم العقل بأنّ إیجاد الطبیعة یحصل بإتیانها ، فلا موجب لإتیانها ثانیاً ، ولکنّ هذا لا ینافی دلالة دلیل آخر علی أنّ المطلوب متعدّد ، ویکفی فی ذلک ظهور الشرطیتین فی بیان موجب التعدّد ؛ لظهور القضیة الشرطیة فی تأثیر کلّ شرط أثراً غیر أثر الشرط الآخر ، فإذن الشرطیة الثانیة واردة علی حکم العقل بعدم لزوم إتیان مصداق آخر ، ورافعاً لموضوع حکم العقل ، بل علی فرض ظهور الجزاء فی المرّة یکون ظهور الشرطیة حاکماً علیه، کما لا یخفی .
ومنها : ما قاله المحقّق الأصفهانی قدس سره فی التعلیقة ، وهو قریب ممّا ذکره المحقّق النائینی قدس سره ولکنّه بعبارة اُخری ، وحاصله : أنّ متعلّق الجزاء نفس الماهیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 256
المهملة ، والوحدة والتکرار خارجان عنها، فهی بالنسبة إلی الوحدة والتعدّد لا اقتضاء، بخلاف أداة الشرط فإنّها ظاهرة فی السببیة المطلقة ، ولا تعارض بین الاقتضاء واللا اقتضاء .
وبالجملة : إنّ البعث المتعلّق بشیء یقتضی وجوداً واحداً منه ، ولا یقتضی عـدم البعث إلی وجـود آخـر ، بل هـو بالنسبـة إلی وجـود آخـر بوجـوب آخـر لا اقتضـاء ، والبعث الآخـر مقتضٍ لوجـود آخر بنفسـه ، ولا تعارض بین المقتضی واللا اقتضاء .
ومنها : ما قاله المحقّق الهمدانی قدس سره والمستفاد من کلامه قدس سره صدراً وذیلاً توجیهان لذلک .
الأوّل : أنّ مقتضی القواعد اللفظیة سببیة کلّ شرط للجزاء مستقلاًّ ، کما تقرّر فی الاُصول ، ومقتضاه تعدّد اشتغال ذمّة المکلّف بتعدّد سببه ؛ لأنّ مقتضی إطلاق سببیة کلّ شرط تنجّز الأمر بالجزاء عند حصوله ، ومقتضی تنجّز الخطاب عند کلّ سبب ، حصول اشتغال الذمّة للمکلّف بفعل الجزاء بعدد الخطابات المتوجّهة إلیه ؛ لأنّه لا یعقل تعدّد التکلیف والاشتغال إلاّ مع تعدّد المشتغل به ؛ لأنّه لا شبهة فی أنّ السبب الأوّل ، سبب تامّ فی اشتغال ذمّة المکلّف بإیجاد الجزاء فی الخارج ، والسبب الثانی إن أثّر فی اشتغال ذمّته ثانیاً وجب أن یکون أثره اشتغالاً آخر غیر الاشتغال الأوّل ؛ لأنّ تأثیر المتأخّر فی وجود المتقدّم غیر معقول ، وتعدّد الاشتغال مع وحدة الفعل المشتغل به ذاتاً ووجوداً ، غیر متصوّر ، وإن لم یؤثّر فی الاشتغال ثانیاً یجب أن یستند عدم التأثیر إمّا إلی فقد المقتضی ، أو وجود المانع ، والکلّ منتفٍ فی الفرض ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257
لأنّ ظاهر القضیة الشرطیة سببیة الشرط مطلقاً والمحلّ قابل للتأثیر ، والمکلّف قادر علی الامتثال ، فأیّ مانع من التنجّز؟!
الثانی : أنّ حال الأسباب الشرعیة حال الأسباب العقلیة ، فکما أنّه یمتنع عدم تحقّق الطبیعة فی ضمن فردین علی تقدیر تکرّر علّة وجودها بشرط قابلیتها للتکرار ، فکذا یتعدّد اشتغال الذمّة بتعدّد أسبابه .
وقریب ممّا ذکره المحقّق الهمدانی قدس سره أخیراً ـ من أنّ حال العلل الشرعیة حال الأسباب العقلیة ـ ما اختاره شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره فی أواخر عمره الشریف بعد أن کان مبناه سابقاً التداخل .
ولعلّ ما قاله فخر المحقّقین قدس سره من ابتناء هذه المسألة علی کون الأسباب الشرعیة مؤثّرات أو معرّفات ، یشیر إلی هذا ، من جهة أنّه لو کانت الأسباب الشرعیة مؤثّرات ، فحالها حال العلل العقلیة من جهة تعدّد المعلول بتعدّد علّته ، بخلاف ما إذا کانت معرّفات ، کما لا یخفی .
هذه جملة من کلمات الأساطین قدس سرهم مع اختلاف التقاریب فی أنّ مقتضی القاعدة عدم تداخل المسبّبات ، بل تتعدّد المسبّبات حسب تعدّد الأسباب ، وقد أشرنا آنفاً إلی أنّ جمیع هذه الوجوه موجودة فی تقریرات شیخنا الأعظم الأنصاری قدس سره وقد استحسن کلّ من تأخّر عنه وجهاً أو وجهین منها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258