المقصد الثالث فی المفهوم

حول المقدّمة الاُولی التی ذکرها الشیخ الأعظم

حول المقدّمة الاُولی التی ذکرها الشیخ الأعظم

‏ویظهر من الشیخ الأعظم الأنصاری ‏‏قدس سره‏‏ وجوه من البیان فی تمهید المقدّمة‏‎ ‎‏الاُولی وإثبات أنّ السبب الثانی مستقلّ‏ ‏، وقد أخذ کلّ من تأخّر عنه وجهاً‏ ‏، فهم‏‎ ‎‏عیال علیه :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 254
منها : ماقاله المحقّق الخراسانی ‏قدس سره‏‏ أخیراً بعد أن منع تعدّد الجزاء عند تعدّد‏‎ ‎‏الشرط‏ ‏؛ لاستلزامه اجتماع المثلین‏ ‏، وذکر ما یمکن أن یقول به القائل بالتداخل‏ ‏،‏‎ ‎‏وحاصله : أنّ الجملة الشرطیة لها ظهور فی ترتّب الجزاء علی الشرط‏ ‏؛ إمّا لکون‏‎ ‎‏الشرط سبباً‏ ‏، أو کاشفاً عن السبب الحقیقی‏ ‏، ومقتضی ذلک تعدّد الجزاء عند تعدّد‏‎ ‎‏الشرط‏ ‏، ومقتضی إطلاق الجـزاء فی الجملتین‏ ‏، هو أنّ نفس طبیعـة الجزاء تمام‏‎ ‎‏الموضوع لتعلّق الإیجاب علیها فی الجملتین‏ ‏، ولکنّ إطلاق الجزاء معلّق علی عدم‏‎ ‎‏البیان‏ ‏، وظهور الشرطیة فی ذلک صالح لأن یکون بیاناً له‏ ‏، فإذن لا ظهور للجزاء‏‎ ‎‏مع ظهور الشرطیة‏ ‏، فلا یلزم علی القول بعدم التداخل تصرّف أصلاً‏ ‏، بخلاف القول‏‎ ‎‏بالتداخل‏ ‏، کما لا یخفی‏‎[1]‎ .

‏ولتوضیح مقاله نقول : إنّ مقتضی الشرطیة فی قوله : «إن بلت فتوضّأ» هو‏‎ ‎‏وجوب الوضوء عند تحقّق البول‏ ‏، ومقتضی إطلاق الجزاء هو أنّ نفس ماهیة الوضوء‏‎ ‎‏تمام الموضوع لتعلّق الإیجاب علیها‏ ‏، فإن کانت هناک جملة شرطیة اُخری ـ کقوله :‏‎ ‎‏«إن نمت فتوضّأ» ـ فالکلام فیها هو الکلام فی سابقتها‏ ‏، ولکن إیفاء الشرطیة فی‏‎ ‎‏معناها فی الجملتین وإطلاق الجزاء فیهما‏ ‏، یوجب تعلّق إیجابین مستقلّین وإرادتین‏‎ ‎‏کذلک علی ماهیة واحدة‏ ‏؛ وهی نفس ماهیة الوضوء فی المثال‏ ‏، وهو محال‏ ‏، فلابدّ‏‎ ‎‏إمّا من رفع الید عن استقلال کلّ واحد من الشرطین فی التأثیر فی صورة اجتماعه‏‎ ‎‏مع الشرط الآخر‏ ‏؛ سواء قارنه‏ ‏، أم تأخّر عنه‏ ‏، وإبقاء الجزاء فیهما سلیماً‏ ‏، فیکون‏‎ ‎‏مقتضی الجملتین أنّه لا یجب الوضوء عند حصول کلّ واحد من البول والنوم‏ ‏، بل‏‎ ‎‏عند اجتماعهما‏ .


کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 255
‏أو رفع الید عن إطلاق الجزاء فیهما‏ ‏؛ بأن یراد بالجزاء مصداق الماهیة حتّی‏‎ ‎‏یتغایر الجزاء فی کلّ من الجملتین مع الجزاء فی الاُخری‏ ‏، فیبقی ظهور الشرطیة فی‏‎ ‎‏السببیة المستقلّة أو کاشفیتها عن سببیّة مستقلّة‏ ‏، سلیماً‏ .

‏فهنا مورد تصادم الإطلاقات، ولکنّ إطلاق الجزاءین لا یقاوم إطلاق‏‎ ‎‏الشرطین‏ ‏؛ لأنّ إطلاق الجزاء یتوقّف علی عدم البیان‏ ‏، وواضح أنّ ظهور الشرطیة‏‎ ‎‏فی ترتّب الجزاء بیان له‏ ‏، فلم یکن هناک فی الحقیقة إطلاق‏ ‏، ومقتضی ذلک‏‎ ‎‏عدم التداخل‏‎[2]‎ .

ومنها : ما ذکره المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ وحاصله : أنّ الأمر المتعلّق بالجزاء إنّما‏‎ ‎‏یدلّ علی طلب إیجاد الطبیعة‏ ‏، ولا اقتضاء له لکون المطلوب مصداقاً واحداً أو‏‎ ‎‏متعدّداً‏ ‏، نعم یحکم العقل بأنّ إیجاد الطبیعة یحصل بإتیانها‏ ‏، فلا موجب لإتیانها ثانیاً‏ ‏،‏‎ ‎‏ولکنّ هذا لا ینافی دلالة دلیل آخر علی أنّ المطلوب متعدّد‏ ‏، ویکفی فی ذلک ظهور‏‎ ‎‏الشرطیتین فی بیان موجب التعدّد‏ ‏؛ لظهور القضیة الشرطیة فی تأثیر کلّ شرط أثراً‏‎ ‎‏غیر أثر الشرط الآخر‏ ‏، فإذن الشرطیة الثانیة واردة علی حکم العقل بعدم لزوم إتیان‏‎ ‎‏مصداق آخر‏ ‏، ورافعاً لموضوع حکم العقل‏ ‏، بل علی فرض ظهور الجزاء فی المرّة‏‎ ‎‏یکون ظهور الشرطیة حاکماً علیه، کما لا یخفی‏‎[3]‎ .

ومنها : ما قاله المحقّق الأصفهانی ‏قدس سره‏‏ فی التعلیقة‏ ‏، وهو قریب ممّا ذکره‏‎ ‎‏المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ولکنّه بعبارة اُخری‏ ‏، وحاصله : أنّ متعلّق الجزاء نفس الماهیة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 256
‏المهملة‏ ‏، والوحدة والتکرار خارجان عنها، فهی بالنسبة إلی الوحدة والتعدّد لا‏‎ ‎‏اقتضاء، بخلاف أداة الشرط فإنّها ظاهرة فی السببیة المطلقة‏ ‏، ولا تعارض بین‏‎ ‎‏الاقتضاء واللا اقتضاء‏ .

‏وبالجملة : إنّ البعث المتعلّق بشیء یقتضی وجوداً واحداً منه‏ ‏، ولا یقتضی‏‎ ‎‏عـدم البعث إلی وجـود آخـر‏ ‏، بل هـو بالنسبـة إلی وجـود آخـر بوجـوب آخـر‏‎ ‎‏لا اقتضـاء‏ ‏، والبعث الآخـر مقتضٍ لوجـود آخر بنفسـه‏ ‏، ولا تعارض بین المقتضی‏‎ ‎‏واللا اقتضاء‏‎[4]‎ .

ومنها : ما قاله المحقّق الهمدانی ‏قدس سره‏‏ والمستفاد من کلامه ‏‏قدس سره‏‏ صدراً وذیلاً‏‎ ‎‏توجیهان لذلک‏ .

‏الأوّل : أنّ مقتضی القواعد اللفظیة سببیة کلّ شرط للجزاء مستقلاًّ‏ ‏، کما تقرّر‏‎ ‎‏فی الاُصول‏ ‏، ومقتضاه تعدّد اشتغال ذمّة المکلّف بتعدّد سببه‏ ‏؛ لأنّ مقتضی إطلاق‏‎ ‎‏سببیة کلّ شرط تنجّز الأمر بالجزاء عند حصوله‏ ‏، ومقتضی تنجّز الخطاب عند کلّ‏‎ ‎‏سبب‏ ‏، حصول اشتغال الذمّة للمکلّف بفعل الجزاء بعدد الخطابات المتوجّهة إلیه‏ ‏؛‏‎ ‎‏لأنّه لا یعقل تعدّد التکلیف والاشتغال إلاّ مع تعدّد المشتغل به‏ ‏؛ لأنّه لا شبهة فی أنّ‏‎ ‎‏السبب الأوّل‏ ‏، سبب تامّ فی اشتغال ذمّة المکلّف بإیجاد الجزاء فی الخارج‏ ‏، والسبب‏‎ ‎‏الثانی إن أثّر فی اشتغال ذمّته ثانیاً وجب أن یکون أثره اشتغالاً آخر غیر الاشتغال‏‎ ‎‏الأوّل‏ ‏؛ لأنّ تأثیر المتأخّر فی وجود المتقدّم غیر معقول‏ ‏، وتعدّد الاشتغال مع وحدة‏‎ ‎‏الفعل المشتغل به ذاتاً ووجوداً‏ ‏، غیر متصوّر‏ ‏، وإن لم یؤثّر فی الاشتغال ثانیاً یجب أن‏‎ ‎‏یستند عدم التأثیر إمّا إلی فقد المقتضی‏ ‏، أو وجود المانع‏ ‏، والکلّ منتفٍ فی الفرض‏ ‏؛‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257
‏لأنّ ظاهر القضیة الشرطیة سببیة الشرط مطلقاً والمحلّ قابل للتأثیر‏ ‏، والمکلّف قادر‏‎ ‎‏علی الامتثال‏ ‏، فأیّ مانع من التنجّز؟!‏

‏الثانی : أنّ حال الأسباب الشرعیة حال الأسباب العقلیة‏ ‏، فکما أنّه یمتنع‏‎ ‎‏عدم تحقّق الطبیعة فی ضمن فردین علی تقدیر تکرّر علّة وجودها بشرط قابلیتها‏‎ ‎‏للتکرار‏ ‏، فکذا یتعدّد اشتغال الذمّة بتعدّد أسبابه‏‎[5]‎ .

وقریب‏ ممّا ذکره المحقّق الهمدانی ‏‏قدس سره‏‏ أخیراً ـ من أنّ حال العلل الشرعیة حال‏‎ ‎‏الأسباب العقلیة ـ ما اختاره شیخنا العلاّمة الحائری ‏‏قدس سره‏‏ فی أواخر عمره الشریف‏‎[6]‎‎ ‎‏بعد أن کان مبناه سابقاً التداخل‏‎[7]‎ .

ولعلّ ما قاله فخر المحقّقین ‏قدس سره‏‏ من ابتناء هذه المسألة علی کون الأسباب‏‎ ‎‏الشرعیة مؤثّرات أو معرّفات‏‎[8]‎ ‏، یشیر إلی هذا‏ ‏، من جهة أنّه لو کانت الأسباب‏‎ ‎‏الشرعیة مؤثّرات‏ ‏، فحالها حال العلل العقلیة من جهة تعدّد المعلول بتعدّد علّته‏ ‏،‏‎ ‎‏بخلاف ما إذا کانت معرّفات‏ ‏، کما لا یخفی‏ .

‏هذه جملة من کلمات الأساطین ‏‏قدس سرهم‏‏ مع اختلاف التقاریب فی أنّ مقتضی القاعدة‏‎ ‎‏عدم تداخل المسبّبات‏ ‏، بل تتعدّد المسبّبات حسب تعدّد الأسباب‏ ‏، وقد أشرنا آنفاً‏‎ ‎‏إلی أنّ جمیع هذه الوجوه موجودة فی تقریرات شیخنا الأعظم الأنصاری ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏وقد استحسن کلّ من تأخّر عنه وجهاً أو وجهین منها‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258

  • )) کفایة الاُصول : 242 .
  • )) قلت : للمحقّق الخراسانی قدس سره فی المقام تعلیقة استحسنها سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ واختارها ، وستوافیک قریباً إن شاء الله ، فارتقب . [ المقرّر حفظه الله ]
  • )) فوائد الاُصول 1 : 493 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 425 .
  • )) مصباح الفقیه ، الطهارة 2 : 258 ـ 261 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 174، الهامش 1.
  • )) نفس المصدر : 173 ـ 174 .
  • )) إیضاح الفوائد 1 : 145 .