المقصد الثالث فی المفهوم

المقدّمة الثانیة‏: فی المراد من تداخل الأسباب والمسبّبات

المقدّمة الثانیة : فی المراد من تداخل الأسباب والمسبّبات

‏المراد بتداخل الأسباب هو عدم اقتضاء الشروط المتعدّدة إلاّ جزاءً واحداً عند‏‎ ‎‏اجتماعها‏ ‏، فلا یقتضی کلّ واحد من الشروط إلاّ إیجاد صِرف طبیعة الجزاء‏ ‏، فالتکلیف‏‎ ‎‏واحد وإن کانت الأسباب متعدّدة، فإذا اجتمعت الجنابة والحیض والنفاس مثلاً‏ ‏، لما‏‎ ‎‏اقتضت إلاّ غسلاً واحداً‏ ‏، فلا تکون تکالیف متعدّدة مجتمعة فی مصداق واحد‏ ‏، بل‏‎ ‎‏یکون تکلیف واحد وإن تعدّدت الأسباب‏ ‏، ولذا یکون التداخل عزیمة لا رخصة‏ ‏،‏‎ ‎‏فیقال : لا یجب عند اجتماع الجنابة وغیرها‏ ‏، إلاّ جزاء واحد وغسل فارد‏ .

‏والمراد بتداخل المسبّبات‏ ‏، أنّه بعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب‏ ‏، بل‏‎ ‎‏اقتضاء کلّ واحد من الشروط المتعدّدة جزاء یخصّه‏ ‏، فیکون هناک تکالیف متعدّدة‏ ‏،‏‎ ‎‏ولکنّه فی مقام الامتثال یکتفی بمصداق واحد‏ ‏، فذمّة المکلّف وإن اشتغلت بتکالیف‏‎ ‎‏متعدّدة‏ ‏، إلاّ أنّه یصحّ تفریغها عن المتعدّد بمصداق واحد‏ .

‏وهذا نظیر امتثال الأمرین المتعلّقین بإکرام الهاشمی والعالم بإکرام الهاشمی العالم‏ ‏،‏‎ ‎‏فیتحقّق امتثال کلّ واحد من الأمرین المتعلّقین بإکرام العالم والهاشمی‏ ‏. وهذا المثال وإن‏‎ ‎‏کان خارجاً عن محطّ البحث‏ ‏، إلاّ أنّه یقرّب من وجه‏ .

‏فحینئذٍ إذا کانت العناوین المکلّف بها قهریة الانطباق علی المصداق‏ ‏، وکانت‏‎ ‎‏التکالیف توصّلیات‏ ‏، یکون التداخل عزیمة‏ ‏، وإلاّ یکون رخصة‏ ‏. فتدبّر‏ .

ذکر وتعقیب أفاد المحقّق النائینی قدس سره

‏ أنّه تظهر الثمرة بین القول بتداخل الأسباب والقول‏‎ ‎‏بتداخل المسبّبات بالرخصة والعزیمة‏ ‏؛ فإنّه لو قلنا بتداخل الأسباب فلا یجوز له‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 243
‏إیجاد الجزاء متعدّداً‏ ‏، إذ لم تشتغل ذمّته إلاّ بجزاء واحد‏ ‏، فالزائد یکون تشریعاً‏‎ ‎‏محـرّماً‏ ‏، ولو قلنا بتـداخل المسبّبات فلـه إیجاد الجـزاء متعـدّداً‏ ‏، ولـه أیضاً‏‎ ‎‏الاکتفاء بالواحد‏‎[1]‎ .

ولا یخفی :‏ أنّ ما أفاده فی تداخل الأسباب لا غبار علیه‏ ‏. ولکن لابدّ وأن‏‎ ‎‏یفصِّل ‏‏قدس سره‏‏ فی تداخل المسبّبات بین ما إذا کانت العناوین المکلّف بها قهریة الانطباق‏‎ ‎‏علی المصداق کالتکالیف التوصّلیة‏ ‏، فتکون عزیمة‏ ‏، وبین ما إذا لم یکن کذلک‏ ‏، کما إذا‏‎ ‎‏کانت تعبّدیة‏ ‏، فتکون رخصة‏ .

‏بیان ذلک : هو أنّ التطهیر من الأخباث واجب توصّلی‏ ‏، فلا یکون المطلوب‏‎ ‎‏منه إلاّ تحقّقه کیف اتفق ولو بلا قصد‏ ‏، فإذا ورد «إن أصاب ثوبک دم فاغسله»‏‎ ‎‏و«إن أصابه البول فاغسله» فحیث إنّ العنوانین قهریا الانطباق علی مصداق من‏‎ ‎‏الغَسْل ـ بفتح الغین وسکون السین ـ فبعد انطباقهما علیه لا معنی لتکرّره بعد ذلک ؛‏‎ ‎‏لکونه تشریعاً محرّماً‏ ‏، فتکون عزیمة‏ .

‏وأمّا فی مثل الغُسل ـ بضمّ الغین وسکون السین ـ فإنّه مطلوب تعبّدی‏ ‏، فلابدّ‏‎ ‎‏فی تحقّقه من قصدها‏ ‏، فلا یتحقّق کیف اتفق‏ ‏، فإن قصد تمام العناوین ـ الجنابة‏‎ ‎‏والحیض والنفاس ـ تحقّقت‏ ‏، وإلاّ تحقّق خصوص العنوان المقصود‏ ‏، ألا تری أنّه إذا‏‎ ‎‏قال المولی لعبده : «إن جاءک زید فقم له احتراماً» و«إن جاءک عمرو فقم له احتراماً»‏‎ ‎‏فحیث إنّ الاحترام والتعظیم من العناوین القصدیة التی لابدّ فی تحقّقها من القصد‏‎ ‎‏إلیها‏ ‏، فیمکن القیام عند مجیئهما احتراماً لهما‏ ‏، أو استهزاءً بهما‏ ‏، أو احتراماً لزید‏ ‏،‏‎ ‎‏واستهزاءً بعمرو‏ ‏، أو بالعکس‏ ‏، وکلّ ذلک بالقصد‏ ‏، وهکذا الحال فی المقام‏ ‏، فإذا لم یکن‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 244
‏قهری الانطباق فله الاکتفاء بمصداق واحد من الغُسل مثلاً بنیة المجموع‏ ‏، أو مصادیق‏‎ ‎‏متعدّدة حسب تعدّد الأسباب‏ ‏، فتدبّر‏ .

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 245

  • )) فوائد الاُصول 1 : 490 .