المقصد الثانی فی النواهی

الجهة الاُولی‏: فی حکم المعاملة والعبادة

الجهة الاُولی : فی حکم المعاملة والعبادة 

‏لو تعلّق النهی بمعاملة‏ ‏، ولم یحرز کون النهی تحریمیاً أو تنزیهیاً‏ ‏، مولویاً‏‎ ‎‏أو إرشادیاً‏ ‏، نفسیاً أو غیریاً‏ ‏، فلا ینبغی الإشکال فی أنّه لو خلّیت عن القرائن‏‎ ‎‏الصارفة‏ ‏، یکون ظاهراً فی الإرشاد إلی الفساد وعدم ترتّب الأثر المترقّب منها‏ ‏،‏‎ ‎‏فالنهی عن بیع المصحف من الکافر مثلاً معناه الإرشاد إلی عدم وقوعه‏ ‏، لا تحریم‏‎ ‎‏السبب بحیث یحرم التلفّظ بألفاظ البیع‏ ‏، ولا تحریم الاعتبار العقلائی أو الشرعی‏ ‏؛‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 159
‏وذلک لأنّه یکون هنا اُمور ثلاثة :‏

أوّلها :‏ إیقاع المعاملة‏ ‏، وهو فعل المکلّف‏ .

ثانیها :‏ اعتبار النقل والانتقال بحسب الشرع‏ ‏، أو بحسب الاعتبار العقلائی‏ .

ثالثها :‏ الأثر المترقّب من المعاملة من حیث ترتیب الأثر لکلّ من البائع‏‎ ‎‏والمشتری علی ما صار بیدهما‏ .

‏والنهی عن معاملة ـ کالنهی عن بیع المصحف من الکافر ـ یحتمل بدواً‏‎ ‎‏أحد اُمور :‏

إمّا‏ یرجع إلی ذات المعاملة وإیجادها‏ ‏، فیکون إیقاع المعاملة والتلفّظ بألفاظ‏‎ ‎‏البیع محرّماً ذاتیاً‏ ‏، نظیر حرمة الخمر‏ .

أو‏ یرجع إلی العنوان الذی یعتبره الشرع والعقلاء‏ ‏؛ أی النقل والانتقال‏‎ ‎‏المسبّبین عن ألفاظ البیع‏ ‏، فیکون معنی «لا تبع المصحف من الکافر» النهی عن عنوان‏‎ ‎‏«البیع» الذی یعتبره الشرع والعرف‏ .

أو‏ یرجع إلی ترتّب الآثار المترقّبة علی المعاملة‏ ‏، حتّی یکون معنی «لا تبع‏‎ ‎‏المصحف من الکافر» عدم ترتّب آثار الملکیة علی الثمن والمثمن‏ .

لا سبیل‏ إلی الاحتمال الأوّل وتحریم السبب‏ ‏؛ لأنّ الأسباب آلات لتحقّق‏‎ ‎‏المسبّبات‏ ‏، ولا نفسیة لها حتّی یتعلّق بها النهی‏ ‏؛ أی لا تکون منظوراً إلیها حتّی‏‎ ‎‏یتعلّق بها النهی‏ ‏. مضافاً إلی بُعد تعلّق النهی والحرمة بالتلفّظ بألفاظ الأسباب‏ .

کما لا سبیل‏ إلی الاحتمال الثانی‏ ‏؛ وهو رجوع النهی إلی الاعتبار الشرعی أو‏‎ ‎‏العقلائی‏ ‏، لأنّه لم یکن تحت اختیار المکلّف‏ ‏، ولا هو من أفعاله‏ ‏، فلا یعقل توجّه‏‎ ‎‏التکلیف إلیه‏ .

فیبقی‏ الاحتمال الأخیر‏ ‏؛ وهو ترتّب الآثار المترقّبة من المعاملة‏ ‏، وهذا المعنی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 160
‏هو الظاهر من النهی‏ ‏؛ فإنّ ظاهر النهی عن أشیاء لا تکون مطلوبات نفسیة عند‏‎ ‎‏العرف والعقلاء‏ ‏، إنّما هو للتوسّل بها إلی أمر آخر‏ ‏، کما فیما نحن فیه‏ ‏؛ لأنّ ألفاظ المعاملة‏‎ ‎‏عند العرف والعقلاء‏ ‏، إنّما هی للتوسّل بها إلی النقل والانتقال‏ ‏؛ بداهة أنّ إیقاع المعاملة‏‎ ‎‏حیث یکون لأجل الآثار المترتّبة علیها‏ ‏، وتکون الأسباب آلات صرفة‏ ‏، لا یفهم‏‎ ‎‏العرف من النهی عنها إلاّ ذلک‏ ‏، فالمتبادر من النهی عن بیع المصحف من الکافر مثلاً‏‎ ‎‏مع قطع النظر عن القرائن الصارفة‏ ‏، هو الإرشاد إلی الفساد‏ ‏، وعدم صحّة البیع منه‏ ‏،‏‎ ‎‏فالنهی عن الإیقاع بلحاظ عدم الوقوع‏ .

‏وکذلک الحال فیما لو نهی عن جزئیة شیء فی المعاملة أو شرطیته لها‏ ‏، یکون‏‎ ‎‏المتبادر منه الإرشاد إلی فساد المعاملة بذلک الجزء أو الشرط‏ ‏، کما هو الشأن فی الأمر‏‎ ‎‏بإتیان جزء أو شرط فی المعاملة‏ ‏، فإنّ المتبادر من اعتبار العربیة أو تقدّم الإیجاب‏‎ ‎‏علی القبول فی عقد البیع مثلاً‏ ‏، هو اعتبار العربیة أو تقدّم الإیجاب علی القبول فی‏‎ ‎‏النقل والانتقال‏ ‏؛ بحیث لو لم یکونا ـ بأن اُوقع العقد بالفارسیة‏ ‏، أو تقدّم القبول علی‏‎ ‎‏الإیجاب ـ لما کان هناک نقل وانتقال ولا یستفاد وجوبهما نفساً‏ .

‏وتوهّم استفادة الحرمة النفسیة لإیقاع المعاملة من النهی‏ ‏، وتوهّم أنّه کاستفادة‏‎ ‎‏حرمة ترتیب الآثار من النهی المتعلّق بها‏ ‏، مدفوعان :‏

أمّا الأوّل :‏ فلما أشرنا آنفاً من أنّها آلات صرفة‏ ‏؛ لا تکون منظوراً إلیها حتّی‏‎ ‎‏یتعلّق النهی بها‏ ‏. مضافاً إلی بُعد تعلّق النهی والحرمة بالتلفّظ بألفاظ الأسباب‏ .

وأمّا الثانی :‏ فإن اُرید بذلک وقوع النقل والانتقال‏ ‏، لکنّه یحرم علیه ترتیب‏‎ ‎‏آثار الملکیة مثلاً‏ ‏، ففیه : أنّه لا وجه معقول لذلک عند العرف والعقلاء‏ ‏. مضافاً إلی أنّه‏‎ ‎‏خلاف المرتکز فی الأذهان‏ .

‏وإن اُرید عدم وقوع النقل والانتقال‏ ‏، فیکون التصرّف فی مال الغیر محرّماً‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 161
‏لا یحتاج إلی تعلّق النهی بها‏ ‏، فلابدّ من حمل النهی علی الإرشاد إلی الفساد‏ ‏؛ وأنّ‏‎ ‎‏النهی عن الإیقاع لأجل عدم الوقوع‏ ‏. هذا فی النهی المتعلّق بالمعاملة‏ .

وأمّا النهی المتعلّق بعبادة‏ إذا لم یحرز کونه من أیّ قسم‏ ‏، فلا یبعد أن یکون‏‎ ‎‏النهی عن العبادة‏ ‏، أیضاً إرشاداً إلی الفساد عند عدم القرینة‏ ‏، وقد اعترف القوم بذلک‏‎ ‎‏فی الأجزاء والشروط‏ ‏، والسرّ فی ذلک هو أنّ نظر المکلّفین بالنسبة إلی التکالیف‏‎ ‎‏المتوجّهة إلیهم غالباً‏ ‏، هو إتیانها بنحو یسقط عنهم التکالیف‏ ‏؛ بحیث لا تجب علیهم‏‎ ‎‏الإعادة فی الوقت‏ ‏، والقضاء خارجه‏ ‏، فإذا ورد من الشرع النهی عن عبادة خاصّة‏‎ ‎‏ـ کالنهی عن صلاة الأعرابی مثلاً ـ یتبادر إلی أذهانهم أنّ الإتیان بتلک الصلاة غیر‏‎ ‎‏مشروع‏ ‏، کما أنّه لو نهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه‏ ‏، یکون ظاهره أنّ الصلاة‏‎ ‎‏المأمور بها لا تتحقّق بهذه الکیفیة‏ ‏، ولا یترتّب علیها الأثر المتوقّع‏ ‏؛ وهو سقوط‏‎ ‎‏الإعادة فی الوقت‏ ‏، والقضاء خارجه‏ ‏، وسقوط الأمر لأجل الأمن من العقاب‏ .

‏وبالجملة : النهی المتعلّق بصنفٍ خاصّ من الصلاة کصلاة الأعرابی مثلاً‏ ‏، أو فی‏‎ ‎‏حال خاصّ کالصلاة فی أیّام الإقراء‏ ‏، أو فی مکان خاصّ کالحمّام‏ ‏، أو بکیفیة خاصّةٍ‏ ‏،‏‎ ‎‏لو لم تکن هناک قرینة للزم حمل تلک النواهی علی الإرشاد إلی الفساد‏ ‏، کما هو الشأن‏‎ ‎‏فی الأوامر الواردة فی الأجزاء والشروط‏ .

‏فظهر ممّا ذکرنا فی هذه الجهة : أنّه إذا تعلّق النهی بمعاملة أو عبادة‏ ‏، ولم یحرز‏‎ ‎‏کون النهی من أیّ الأقسام‏ ‏، فالظاهر فی مقام الدلالة کونه إرشاداً إلی فساد متعلّقها‏ .

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۴): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162